أقلام فكرية

اسعد شريف الامارة: التحليل النفسي علاقة إنسانية

"بين التحويل والاسقاط "يبرز الانفعال والرغبات المكبوتة؟

يقول سيجموند فرويد مؤسس التحليل النفسي ينشأ الطرح – التحويل  تلقائيًا في العلاقات الإنسانية، وقول "حسين عبد القادر" بأن التحويل هو تشكيلة تباينات في كافة أحوال الإنسان في الصحة والمرض "موسوعة علم النفس والتحليل النفسي، ص 450"

ومن المعروف لدى عامة الناس أن التحليل النفسي بكل اتجاهاته هو معرفة حقه عن أعماق النفس وما يدور بين ثناياها، شعر بها صاحبها، أو كبتت في اللاشعور " اللاوعي"، هذا الفعل الذي تم كبته أو خزنه بلغة الجانب المعرفي، أو تم تشفيره In coding   وأعطي ترميزًا  في الدماغ إن سلمنا جدلا بفكرة تحريف التحليل النفسي لابد له أن يعود يومًا ما، بفكرة عابرة، حلم أقض مضجع صاحبه، هفوة فلتت من عقال من يدير الحديث، خاطره غير متوقعه في فعل في غير محله، أو زلة لسان، وربما زلة قلم. أنه  فعل تخطى المحدود – المسيطر عليه فعل تخطى السيطرة من النفس وتداعى بدون "بلا" سيطرة من الوعي بمساعدة اللاوعي، بقدر ما به استمتاع، به عنف موجه لمركز السيطرة برقابته الصارمة ليظهر الحديث بكل أدب، ومقبولية من الآخر المستمع، الذي يصغي، نتساءل هل هو نوع من الحصر " القلق" لم تستطع النفس أن تغمره بملفاتها المظلمة فتراجع أمام الحقيقة، أم هو الرغبة في البوح بشئ بعد الهروب من الرقيب القاسي، يقول "مصطفى صفوان الرغبة موضوع  يصعب السيطرة عليه، فهو موضوع يجعلك بلا أسلحة، وحتى في خبرتنا اليومية عادة تُخبر الرغبة بوصفها ندمًا أو حنينًا إلى الماضي، أو يمكن تعريفها على أنها " ما لا أعرفه، أو " لم أعنِ ذلك" أو " لا أعرف ما لا أريده " أو " كنت أريد شيئًا آخر" .

التحويل- الطرح  Transference  كما تدلنا أدبيات التحليل النفسي هو نقل فعل، أو نمط من السلوك من عمل إلى آخر " Woodworth " (في) الموجز في التحليل النفسي ويضيف " سامي محمود علي" هو موقف انفعال معقد يقفه المريض تلقائيًا من المحلل النفسي ويتميز أحيانًا بغلبة مشاعر الحب، أو مشاعر العدوان وإن كان يتألف غالبًا من مزيج من العنصرين " التحويل الموجب، التحويل السالب، التحويل المزدوج الميل" وهذه المشاعر لا تنطبق على الموقف الحاضر وإنما هي مواقف لاشعورية "لاواعية" طفلية يحياها المريض ثانية في الموقف العلاجي ويخلع فيها على المحلل شخصية الأفراد المسؤولين عن نشأة هذه المشاعر وعن تكوين شخصية المريض تكوينًا يتسم بالصراع النفسي والعجز عن النمو النفسي الكامل " الوالدان ومن حل محلهما" (الموجز في التحليل النفسي، فرويد، ص 90) وكما يعرف المشتغلين في التحليل النفسي أن التحويل هي الظاهرة الاساسية في عملية العلاج بالتحليل النفسي .. وربما هي مفتاح للعلاج رغم ما فيها من غموض وتفسيرات ومداخلات.

أما الاسقاط Projection يشير إلى حيلة لاشعورية "لاواعية" من حيل دفاع الأنا بمقتضاها ينسب الشخص إلى غيره ميولا وأفكارًا مستمدة من خبرته الذاتية، يرفض الاعتراف بها لما تسببه من ألم وما تثيره من مشاعر الذنب، فالإسقاط وسيلة للكبت، أي أسلوب لاستبعاد العناصر النفسية المؤلمة عن حيز الشعور، والعناصر التي يتناولها الإسقاط يدركها الشخص ثانية بوصفها موضوعات خارجية منقطعة بالخبرة الذاتية الصادرة عنها أصلا.

يقول "بيير داكو" كل عمل سيكولوجي أكان سطحيًا أم في الأعماق، علاقة إنسانية بين عالم النفس ومريضه- الشخص الذي يدير العملية العلاجية – المحلل النفسي – والشخص الذي يرغب بالعلاج بطريقة التحليل النفسي، إنه عمل تعاوني كثيف، فلا يسع عالم النفس أن يفعل شيئًا دون مريضه، والعكس صحيح، إن المحلل ومريضه رفيقا طريق، ومازال الكلام " لـ داكو" فيقول المريض يعرف ضربين شائعين من الاستجابات : الهروب إلى الأمام، أو الهروب إلى الوراء، وذلك انطلاقًا من الخوف، فمن المنطقي إذن أن يعزو المريض إلى عالم النفس ضربي الاستجابات نفسيهما: المحبة أو العدوانية. وهنا نتعرض لهذين النوعين من الاستجابات حينما يكون المريض أمام نفسه تارة، وأمام المحلل النفسي تارة اخرى، فيكون التحويل ضرب من الإسقاط، والاسقاط كما عرضناه في الاسطر السابقة وهو بأن الشخص ينسب  إلى غيره ميولا وأفكارًا مستمدة من خبرته الذاتية ويضيف  "داكو" يكون الاسقاط أقوى بمقدار ما تكون الآليات اللاشعوريية "اللاواعية" قوية، أما التحويل نوع من الإسقاط ولكنه أكثر إتساعًا بكثير، وهو يظهر دائمًا في أثناء التحليل النفسي على صورة أو على أخرى "بيير داكو، انتصارات التحليل النفسي، 1994، ص 207" 

من كل ما تقدم عن  عمليات التحليل النفسي المعمقة،  يوجد رابط أساس يجمع تلك وهو الانفعال، ولكي نفهمه لابد من وجود معنى له، وله وظيفة أيضًا ومن ثم فنحن مسوقون إلى الكلام كما يقول "سارتر" عن غائية الانفعال. ويضيف أيضًا يمكن بغير جهد مفرط إظهار الغضب أو الخوف بوصفهما وسيلتين تستعين بهما الميول اللاشعورية – اللاواعية لتشبع نفسها إشباعًا رمزيًا، وأنه يتطور وفقًا لقوانينه الخاصة دون أن تتمكن تلقائيتنا الشعورية من التأثير في مجراه تأثيرًا ملحوظًا، وهذا الفصل بين السمة المنظمة للانفعال مع طرح موضوعها المنظم في اللاشعور – اللاوعي، وبين سمته المحتومة التي لا يمكن أن تكون كذلك إلا بالنسبة لشعور الفرد. ويؤكد "سارتر" قوله ولا جدال في أن سيكولوجية التحليل النفسي هي أول من أبرز معنى الوقائع النفسية، أي أنها أول ما أكد أن كل حالة شعورية – واعية تمثل شيئًا آخر غيرها" سارتر، نظرية في الانفعال، ص 41"، نحاول أن نزج بفكرة الانفعال في آلية الطرح  أثناء الجلسة العلاجية لأنها تقترب من النواة الأولى لتكون الحدث الذي ظل مؤثرًا وأنفجر في موقف ربما أصبح مرضيًا، وخلق لصاحبه أشكالات نفسية تقض مضجعه، وتبعده عن السوية في أحيان كثيرة، هذه النواة التي ربما تضخمت وكبرت وحملت معها الكثير من المواقف المؤلمة. ورغم تأكيدات"  فرويد"  بأن العلاقة الطرحية تهدف إلى  إيصال المريض إلى معرفة ما يجري بداخله وقوله : فلئن كانت قيود العرف التي يفرضها المجتمع مسئولة عن الحرمان الذي يكره عليه المريض، ففي وسع العلاج أن يشجعه، بل وأن يغريه مباشرة يتحدى هذه القيود، وبالتماس الإشباع وطلب الصحة، وعليه  فنحن نبتعد ما وسعنا البعد عن أن نقوم بدور الناصح ولا نريد من المريض إلا شيئًا واحدًا هو أن يصل بنفسه إلى حلوله وقراراته" محاضرات تمهيدية في التحليل النفسي، المحاضرة 27، بعنوان الطرح" . ويضيف "فرويد"  أن الشخص الذي يتم تحليله يكرر بدلًا من أن يتذكر، يكرر في ظل ظروف المقاومة، ويمكننا الآن أن نسأل ما الذي يكرره، أو يتصرف فيه بالفعل؟ الجواب : هو أنه يكرر كل ما ساد بالفعل في كيانه الواضح من مصادر كبته، وموانعه ومواقفه غير المجدية، وسمات شخصيته المرضية، يكرر جميع أعراضه أثناء العلاج، والآن يمكننا أن نلاحظ التأكيد على الإجبار على التكرار" فرويد، مقالة التذكر، التكرار والعمل خلال، ترجمة ف. محمد أمين"

ونستعير ممن أقام علاقة علاجية في العملية العلاجية التحليلية فإن  "فيرنزي" يرى بأسلوبه النشط الذي يقصد به فرض المحلل لموانع ومطالب على المريض، أي إلى تعبئة مقاوماته ووجداناته، ويشمل تعطيل مبدأ اللذة، ومن ثم تعريض الأنا لمواجهة ضعفه ودفاعاته اللاعقلانية (  Schwartz,E.K  ) ( في) مليكه، لويس كامل، وأزاء ذلك فإن فيرنزي لديه فكرة  تطبيق قاعدة الامتناع أسلوبًا نشطًا وهو يستخدم العلاج النشط فقط لمعالجة مقاومة أدت إلى ركود التحليل، ثم الرجوع إلى التحليل الكلاسيكي بعد التغلب على هذه المقاومة، وهو التحليل الذي يتطلب سلبية من كل من المحلل والمريض "طالب التحليل"، ولكن إذا لم يقم طرح قوي مستمر، فإن بعض المرضى ربما لا يتحمل هذا القدر من الارغام، وقد يقطع العلاج في بدايته ولذلك فإنه قد يكون ميزة في المراحل النهائية من العلاج. ويشارك "فيرنزي"  "ولهام رايك"  الرأي بأن المحلل يتعين أن يواجه أعراض الخلق – الطباع "Character Symptoms " بدلًا من الاعراض العصابية" مليكه، لويس كامل، التحليل النفسي والمنهج الانساني في العلاج النفسي، 2010، ص 82" وعندما  نطلق على العلاقة في التحليل النفسي هي علاقة إنسانية فإن الأمر ينطبق على جميع المعالجين النفسيين بطريقة التحليل النفسي ومنهم "ولهلم رايك " وتحليل الخلق، حيث يرجع الفضل له في الاهتمام في الممارسة الحديثة للتحليل النفسي بتحليل المقاومة والخلق، وليس فقط بتفسير الدفعات اللاشعورية – اللاواعية، أو المضمون، ولكن لا زال هدف أسلوب تحليل الخلق هو اختزال التفعيل إلى تذكر عن طريق مواصلة تحليل مقاومة الخلق – الطباع والتي تؤدي تلقائيًا إلى تذكر المواد الطفلية. وأن خلق الأنا إنما ينشأ من رواسب شحنات الموضوع المهجورة والتي تحوي سجلًا لماضي اختيارات الموضوع كما ذكرها "فرويد" في كتاب الأنا والهو – 1923" (في) حسين عبد القادر، موسوعة علم النفس والتحليل النفسي، ص 322"، وهناك رؤية ربما أعمق في عملية التحويل في ثناياها أثناء الجلسة العلاجية التحليلية عند جاك لاكان مجدد فكر التحليل النفسي الفرويدي.

***

* أسعد الإمارة - دكتور في علم النفس

 استاذ جامعي  باحث في التحليل النفسي  

 

في المثقف اليوم