أقلام حرة

الوعاء الوطني !!

صادق السامرائيالمجتمعات الإتسانية تحقق دورها وتعّبر عن قوتها وإبداعها وتواصلها الحضاري الإيجابي عبر التفاعل المبدع فيما بينها، والإرتقاء بوجودها إلى أعلى درجات الذوبان الفعّال في وعاء الوطن، الذي تعرف ذاتها وقدرتها وصيرورتها فيه.

وأي مجتمع إذا تكسّر الوعاء الوطني الذي يتحرك فيه، لا يمكنه أن يستحضر عوامل زمانه ويحافظ على مسيرة أجياله ويعلي قيمَه ومبادءَه وأخلاقه.

ومعنى ذلك أن لكل حركة إجتماعية وإنطلاقة حضارية لا بد من جامع مشترك، وعمود فقري تستند عليه لكي تتمكن من الحركة، ولكل قوة أساس ومحتوى يؤسس لدورها وتأثيرها في الحياة.

والأوطان أوعية المجتمعات وبودقات تحققها وإنطلاق ما فيها من الطاقات، وبدونها تعجز البشرية عن التقدم والإرتقاء.

ولم تكن الأوطان بدعة فكرية أو فلسفية أو ترف إجتماعي وسياسي وغير ذلك، وإنما هي حاجة إنسانية بقائية حضارية تأريخية، ووسيلة لتحقيق دور الإنسان في الحياة، وأي مجتمع يحطم وعاءه الوطني ينسكب ويضيع ويتحول إلى فريسة ضعيفة عند الآخرين.

وما يجري في البلاد على مدى السنوات الدامية الماضية، عبارة عن نشاطات منظمة لتكسير الوعاء الوطني، وتحطيم القيم الوطنية والأخلاق والقيم والمُثل، مما أدى إلى إنسكاب الناس في أوعية الآخرين في كل مكان.

فقد تم الإجهاز على الوعاء الوطني بكل قدرات الدمار الفكري والنفسي والروحي والمادي، وأسهمت العديد من الرموز والجهات والفئات في مسيرة الدمار الشامل،  وأصبح كلٌ يغني على ليلاه السقيمة المحتضرة المسخرة لغايات لا تتفق وأية مصلحة وطنية.

فصارت الحالة تؤكد عيوبا فاعلة في حركة الأيام، وإكتسبت المسيرة أنواعا لا تحصى من الإضطرابات والتداعيات المريرة.

ومن الصحيح أن نعيد النظر بما يحصل ونستخلص الدروس والعبر، لكي نتمكن من إعادة تصليح وترميم ما تكسّر من الوعاء الوطني الذي لا يمكن أن نعرف هويتنا ومصيرنا بدونه.

ولا بد من مواجهة الذات والموضوع بشجاعة  وثقة وإيمان  بالوطن، لنكون بمستوى بلدنا ودوره الحضاري المنير عبر مسيرات البشرية الطويلة الأمد.

ومن المفيد أن نرى بوضوح ما نواجهه ونعانيه ونساهم في تأكيده وتطويره وتناميه من أساليب الدمار والخراب المروع.

وعلينا أن نعرف بأنه ليس عيبا أن نصرح بأننا من هذا المذهب أو ذاك أو تلك المدرسة الفقهية وهذه، لكن العيب في نسيان الدين الجامع والإندحار في الأنفاق والزوايا المظلمة.

وليس عيبا أن نشكل أحزابا وحركات  سياسية، لكن العيب في التحزبية وإلغاء الوطن ووضع كل مسمى فوقه.

وليس عيبا أن تتنافس الأحزاب والحركات فيما بينها داخل الوعاء الوطني الجامع، لكن العيب أن  تستنجد بقوى ودول خارجية لمساندتها ضد الأحزاب والحركات الأخرى.

وليس عيبا أن يسعى المواطن للفوز بمنصب ما في الدولة ، لكن العيب أن يضع الوطن في الكرسي ويجلس عليه.

وليس عيبا الإختلاف والتنوع، لكن العيب في قتل الوطن والإجهاز على المزيج الإجتماعي الوطني المتماسك.

فما نقوم به يكون عيبا عندما يكون عاملا فاعلا في تحطيم الوعاء الوطني.

ووفقا لهذا المقياس الوطني، علينا أن نعرف قيمة ووطنية دورنا وسلوكنا على جميع المستويات والأنشطة والفعاليات المتحققة في حياتنا.

فارأبوا صدع الوعاء الوطني، وتوحّدوا تحت راية الوطن  ولن يكون أحدنا إذا تحطم وطننا.

وعاش الشعب ويحيا الوطن!!

 

د. صادق السامرائي

28\10\2010

 

في المثقف اليوم