أقلام حرة

كريد العِش!!

صادق السامرائيكنت أرقب الطير في عشه وكيف يذود عن فراخه، ويسعى جاهدا لإطعامهم، وتطلعت إلى العش، وإذا فيه أربعة فراخ. وكل يوم يزداد نشاط الأبوين لحشو الأفواه الفاغرة بالطعام.

وما أن مضى إسبوعان، حتى وجدت أحد الفراخ مرميا على الأرض، وحسبته قد سقط من العش، فاقتربت منه ووضعته في مكان آخر، والأبوان يرقباني بلا إستجابة، أو تهديد.

بل وكأنهما يتعجبان من سلوكي، فتركت الطير في موضع قريب من العش، ظنا مني بأن الأبوين سيطعمانه، لكنني وجدت سلوكا عدوانيا من قبلهما تجاهه، وإحترت في الأمر، إذ أدركت بأنهما ينويان قتله.

فأخذته، وقد أصيب بإصابات بالغة، وحاولت إسعافه وإطعامه، لكنه مات بعد ساعات. وعندما عدت إلى العش في اليوم التالي، وجدته خاليا من الفراخ.

لقد طارت الفراخ!!

فقلت: مسكين "كريد العش".

وفي مدينتنا، يقولون : "كريد العش"، "مكرود، مكرودة، مكاريد"

و"كريد العش" هوالفرخ الذي لم يتمكن من منافسة إخوانه في العش، فهو يفتح فمه كغيره، لكن الأبوين يضعان الطعام في الفم الأكثر قربا وإلحاحا وإمتدادا، ويبقى "كريد العش" الفرخ المسكين، لا يحصل على الطعام إلا بعد أن تشبع الفراخ الباقية، فينال القليل منه بعد أن يُصاب الأبوان بالتعب من كثرة الإطعام.

وإطعام فراخٍ أربعة ليس بالمهمة السهلة،حيث ترى آثار ذلك واضحة على الأبوين.

وفي العش تكبر الفراخ، وتصبح مستعدة للطيران، لكن "كريد العش" لا يزال متأخرا ويحتاج إلى  فترة أخرى . وحالما يحين وقت الإنطلاق، أو قبله بساعات، يهاجم الأبوان "كريد العش" ويخرجانه من العش، وفي أكثر الأحيان يقتلانه، وقد رُمي الفرخ المسكين من علو ثلاثة أمتار على الصخر، وهو لا يزال بلا ريش، فأصيب بإصابات شديدة، إضافة إلى مهاجمة الأبوين له ونقر رأسه.

لم أتمكن من إسعاف "كريد العش"، لأن إرادة نوعه قضت بقتله، ولأنه لا يمتلك قدرات المواصلة والبقاء والتحدي.

ووفقا لقوانين الطبيعة ومعادلاتها، لا بد له أن يبتعد عن دروب الحياة، لأنه غير قادر على السير فيها، وفي قتله تحرير للأبوين والفراخ من مسؤوليته وعبئه.

وفي عالم الحياة، تتحول المجتمعات في مسيرة التواصل الحضاري المعاصرة إلى "كريد العش".

فمجتمعات "كريد العش"، يتم قتلها وإخراجها من المسيرة، لأنها أصبحت عبئا عليها وعائقا ضد إنطلاقتها الرشيقة السريعة.

وفي هذه المجتمعات يعيش الناس، وهم يرفعون رايات "المكاريد".

فكل واحد فيهم "مكرود" أو "مكرودة"، وما يحصل في تلك المجتمعات ، أنها تصبح تحت رحمة المجتمعات المحلقة في فضاءات التقدم والرقاء والتطور، والتي تعطي وتؤكد وجودها الأكبر.

فهل تعرف المجتمعات "المكرودة"،كيف تتعافى من علتها، وتمنع تكرار مصير "كريد العش"؟!!

 

د. صادق السامرائي

16\6\2013

........................

* كريد (الكاف تنطق كالجيم في اللهجة المصرية): منبوذ، مطرود، غير مرغوب فيه لإنتفاء فائدته وتحوله إلى عالة لا يُرتجى منها خيرا.

 كريد العش: المطرود من العش

 

في المثقف اليوم