أقلام حرة

من طاعون عمواس إلي فيروس كورونا الجديد (1)

محمود محمد عليتكلمنا في الأيام الماضية علي صفحات المثقف الزاهرة عن فيروس كورونا الجديد، وعرضنا لأهم القائلين بالنفسير الغائي ونظرية المؤامرة إزاء هذا الفيروس اللعين، واليوم في هذا المقال نكمل حديثنا عن هذا الفيروس؛ حيث ندرس الأبعاد التاريخية لهذا المرض، آثرنا أن نبدأ حديثنا من خلال طاعون عمواس إلي فيروس كورونا الجديد والذي كما ذكرنا من قبل بأنه بدأ من الصين، وأخذ يتسرب إلي العديد من دول العالم، حتي أعلنت منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ، بسبب الانتشار الواسع لهذا المرض، وهذا هو حال العالم الذي يحدث الفيروس في بلد بيننا وبينها آلاف الكيلومترات، ثم ينتشر الأمر ويتسع ويحدث ما يحدث مما نراه .. طبعاً الأرقام المعلنة ليست أرقام صادقة .. بل حقيقة صادمة في أنك تتكلم عن شعب يتجاوز المليار .. كثافة سكانية عالية جداً .. المرض ينتشر بصورة كبيرة جدا .. وهنالك سبع مدن حتي الآن مغلقة نهائياً في الصين بما يعرف بالإجراءات الاحترازية أو الحجر الصحي.

وهذا الفيروس ليس سلاح للطيران ولا قنبلة نووية ولا هيدروجينية .. هذا الفيروس لا يكاد يري بالعين .. يفعل بالبشرية كل هذا .. الذين أدلوا ببعض الشهادات والتقارير الصحفية الإعلامية ممن خرجوا من الصين يقولون أن الصين تحولت في كثير من مدنها الشهيرة إلي مدن أشباح .. لا حركة .. لا شئ .. الناس إما بالمستشفي محبوسين في بيوتهم .. الحركة الدائبة لهذا الشعب بالكثير الكثير في كثافته في كل شبر وكل سنتمتر لم يعد موجودا بهذا النقاط .. قالوا أن عدد المدن الآن يتجاوز مما هو معلن .. كل هذا صار مدينة أشباح ... والعالم في مطاراته في حالة ترقب كبيرة جداً حتي لا يؤدي الأمر إلي استفحال المرض وانتشاره خاصة وأن حامل المرض لا يظهر عليه مدة 14 يوماً .. يعني ممكن يأتي واحدا من الصين سليماً ومعافي وخلال الـ 14 يوما يظهر عليه هذا المرض.

وفيروس كورونا مخلوق من مخلوقات الله تبارك وتعالي يكاد يكون من أصغر ما خلق الله جل وعلا، لا تطاله العين المجردة، إلا أن يُكبر مئات المرات وآلافها، هذا المخلوق يعطل عجلة التصنيع، يهجم مدنا، يوقف حركة الطيران، يعطل الإنتاج، يوقف حركة البورصة، يثير الذعر في الناس، حتي تري الناس في المطارات والموانئ لا تكاد تجد منهم مجردا، الكل مقنع بهذه الكممات، وحديث الناس في المجالس والمنتديات وعلي صفحات التواصل الاجتماعي، بل وفي القنوات، وحديث وكالات الأنباء، عن هذا المخلوق الصغير المتناهي في الصغر وما يعلم جود ربك إلا هو، وما هي إلا ذكري للبشر، هي حقا عاد كرونا من جديد ليطل براسه الأسود وهو يدعو بنذر الموت هنا وهناك، هل حقا أن هذا الفيروس اللعين أنتجه الإنسان ليقتل الإنسان؟، وهل هو صنيعته في المعامل البيولوجية؟، هل صدقت نبوءة هوليوود التي زعمت أن الفيروس سيبد الصين والصينيين حتي أنك تري الواحد منهم أو تراهم كأعجاز نخل مستعر .

فلا يزال الباحثون يطرحون الكثير من الأسئلة حول هذا الفيروس، فيما يواصل العلماء أبحاثهم على أكثر من صعيد في محاولات منهم لاحتوائه والقضاء عليه نهائياً. فما الذي نعرفه حتى الآن عن هذا الفيروس؟ وهل عرف تاريخنا الإسلامي ظواهر مشابهة لهذا الوباء، وكيف تعامل معها على مختلف المستويات؟

يخبرنا التاريخ القريب والقديم على السواء أن الأمراض الوبائية سريعة الانتشار بين البشر، والتى تؤدى إلى الوفاة ليست أمراً جديداً، وفى العقدين الماضيين شهد العالم فترات مليئة بالتوتر والخوف والذعر من أمراض صنفتها منظمة الصحة العالمية أمراضاً وبائية تستدعى احتياطات مشددة من السلطات الصحية فى كل دول العالم بلا استثناء.

شهدنا ذلك مع ظهور الإيبولا وسارس وإنفلونزا الطيور وإنفلونزا الخنازير وزيكا، وكلها فيروسات خطيرة، ثبت أنها تنطلق من أجسام الحيوانات والطيور، وتنتقل إلى الإنسان بعد حدوث طفرات جينية فى الفيروس ذاته، وترجع خطورته إلى عوامل متعددة، كسرعة الانتقال من شخص إلى آخر سواء بالملامسة أو عبر الاستنشاق بالقرب من شخص مصاب، أو الإصابة عن طريق الدم، كما هو في زيكا الذى ينتقل بالبعوض ويصيب الأطفال تحديداً بالتشوه الخِلقي.

وعادة ما يكون الفيروس في طوره المُحدث خطيراً ومفاجئاً في تكوينه وفى أعراضه التراكمية، لا سيما مع عدم وجود مصل أو دواء ناجع يقضى عليه في زمن مناسب. وبالنسبة لكورونا الراهن فتبدأ أعراضه كأعراض مرض الإنفلونزا المعتادة، مما يسبب في البداية التباساً في معرفة طبيعة المرض الذى يتطور سريعاً لينهى مناعة الشخص المُصاب ويقربه من حافة الوفاة ما لم تستطع السلطات الطبية إنقاذه بأى شكل كان ( وذلك حسب قول حسن ابو طالب في مقال له بعنوان كورونا".. مخاطر وتفسيرات).

ولقد أوضح الدين الحنيف مسألة التعامل مع انتشار الأمراض الخطيرة ووصف بعض الأسباب المادية التي يمكن استخدامها للحد من الانتشار؛ ومن ذلك ما جاء في الأحاديث النبوية الصحيحة من نهي النبي صلى الله عليه وسلم المسلم عن الدخول إلى أرض وقع بها الطاعون، ونهيه أيضا عن الخروج من أرض وقع بها الطاعون ؛ روى البخاري، ومسلم عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ [يعني : الطاعون] بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْه) . وروى البخاري  ومسلم  عن أُسَامَةَ بْن زَيْدٍ رضي الله عنهما قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الطَّاعُونُ رِجْزٌ أَوْ عَذَابٌ أُرْسِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ).

ولقد وقعت في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه حادثة طاعون عمواس، وهو وباء وقع في الشام سنة 18 هجرية بعد فتح بيت المقدس، سمي بذلك ” طاعون عمواس ” نسبة إلى بلدة صغيرة في فلسطين بين الرملة وبيت المقدس، وذلك لأن الطاعون نشأ بها أولا ثم انتشر في بلاد الشام فنسب إليها.

وطاعون عمواس : وباء وقع في الشام في أيام عمر بن الخطاب سنة : 18 هجرية بعد فتح بيت المقدس، وسُمِّيَ بـ طاعون عمواس نسبة إلى بلدة صغيرة في فلسطين بين الرملة وبيت المقدس، وذلك لأن الطاعون ظهر فيها أولاً ثم انتشر بصورة بشعة وحصد كثيرا من الأرواح في بلاد الشام فنُسب إليها . وبلدة عمواس هدمتها دولة الكيان الصهيوني عام 1967م وشردت أهلها وزرعت مكانها غابة بأموال المتبرعين اليهود الصهاينة الكنديين، وأطلقت عليها اسم منتزه كندا.

قال الواقدي : توفي في طاعون عمواس من المسلمين في الشام خمسة و عشرين ألفاً، وقال غيره : ثلاثون ألفاً .وعُرفت هذه السنة بعام الرماد للخسارة البشرية العظيمة، وهو ذلك العام الذي غزا فيه طاعون عمواس بلاد الشام، حتي أكل الأخضر واليابس، وبلغ عدة الذين ماتوا بحسب بعض الروايات أزيد من 30 ألف نسمة، وفقدت الأمة الأشياخ من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم، مات في عمواس أبو عبيدة ابن الجراح، بلال بن رباح رضي الله عنه، ومعاذ بن جبل والفضل بن عباس، وشرحبيل بن حسنة، ويزيد بن أبي سفيان، وأبو مالك الأشعري، وأبو الأسود الدوؤلي .

وقال الواقدي أيضا: "توفي في طاعون عمواس من المسلمين في الشام خمسة وعشرون ألفاً"، وقال غيره: "ثلاثون ألفاً". من أبرز من ماتوا في الوباء أبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل ويزيد بن أبي سفيان وسهيل بن عمرو وضرار بن الأزور وأبو جندل بن سهيل وغيرهم من أشراف الصحابة وغيرهم. عُرفت هذه السنة بعام الرمادة للخسارة البشرية العظيمة التي حدثت فيها.

وقد سُمِّي هذا الطاعون بطاعون عمواس؛ لأن هذا المرض ابتدأ وقوعه في بلدة صغيرة في فلسطين تسمى عَمَواس، كان بها معسكر المسلمين أيَّام خلافة الفاروق -رضي الله عنه-.تبعد عمواسُ عن القدس ثلاثين كيلومترًا، كانت تلك القريةُ معروفة معمورة بالسكَّان.

في السنة الثامنةَ عشرةَ للهجرة، كان موكبُ الفاروق - رضي الله عنه- يودِّع أهل المدينة، ميمِّماً وجهَه شطر الشام، وقد خرج معه في سفره ذاك مشيخةُ قريش، وأعيانُ المهاجِرين والأنصار، خرج الفاروق إلى أرض الشام، ليتفقَّدَ الأمصار، وينظم الثغور، ويُتابِع أحوال الرعيَّة، حتى إذا أشرف عمرُ على الشام نزل بِسَرْغَ؛ وهي منطقة تقع بعد تبوك على حدود الأردن.

وفي هذا المكان استقبل أمراءُ الشام خليفةَ خليفةِ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، فأخبروه أن الأرضَ سَقِيْمَةٌ، وأن الوَباءَ قد ظَهَرَ، فجمع عمرُ رؤوسَ الناسِ وشاوَرهم، فرأى بعضُهم أن يَرجِع إلى المدينة، وألاَّ يخاطر بأرواح المؤمنين، ورأى آخَرون: إنك خرجت لأمرٍ، ولا نرى أن ترجع عنه.

وبعد صَمْتٍ وتفكير، قرَّر عمر أن يرجع من حيث أتى، فنادَى في الناس: إني مصَبِّحٌ على ظهر بعيري، فأصبحوا على مطاياكم. .وكان أمير الشام أبو عبيدة ممَّن لا يرَى رجوع عمر، فقال: يا أمير المؤمنين: أفِرارًا من قدَر الله؟! فقال الفاروق الملهَم: "لو غيرك -يا أبا عبيدة- قالها! نعم، فرارًا من قدر الله إلى قدر الله". وكان عبد الرحمن بن عوف غائبًا، لم يشهد استِشارةَ عمرَ وحوارَه مع أبي عبيدة، فلمَّا أُخبِر بذلك، قال: عندي من هذا علْمٌ، سمعتُ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول: "إذا سمعتم به بأرضٍ فلا تقدموا عليه، وإذا وقَع بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرجوا فِرارًا منه". فلمَّا سمع عمر -رضي الله عنه- قولَ نبيِّه -صلَّى الله عليه وسلَّم- اطمأنَّتْ نفسه، وحمد الله -تعالى- ثم قفَل راجعًا إلى المدينة، وعاد أمير الشام أبو عبيدة إلى أرض الشام.

وجاء في صحيح البخاري عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام، حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد: أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء قد وقع بالشام، قال ابن عباس: فقال عمر: ادع لي المهاجرين فدعاهم، فاستشارهم، وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام، فاختلفوا عليه، فقال بعضهم: قد خرجت لأمر، ولا نرى أن ترجع عنه، وقال بعضهم: معك بقية الناس، وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي الأنصار، فدعوتهم، فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي من كان ههنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، فدعوتهم له، فلم يختلف عليه منهم رجلان، فقالوا: نرى أن ترجع بالناس، ولا تقدمهم على هذا الوباء، فنادى عمر في الناس: إني مصبح على ظهر فأصبحوا (عليه)، فقال أبو عبيدة: فرارا من قدر الله فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم، نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كانت لك إبل، فهبطت (بها) واديا له عدوتان، إحداهما خصبة والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله، قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف، وكان غائباً في بعض حاجاته، فقال: إن عندي من هذا علما، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا فرارا منه، فحمد الله عمر ثم انصرف"... وللحديث بقية !!

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل

 

في المثقف اليوم