أقلام حرة

كيف نجحت الصين في الحد من انتشار فيروس كرونا؟!

محمود محمد عليشهدت الشهور الماضية خاضت الصين حرباً عنيفة مع فيروس "كورونا" الجديد، الذي سجل حالات إصابة تبلغ 80778 حالة حتى الآن، فيما وصل عدد الوفيات إلى 3158 حالة، ليتابع العالم أجمع، تطورات الأمر بخوف وترقب شديدين، بينما انتشر الفيروس في أكثر من 70 دولة بمختلف القارات.

وقد بدا أن خطة الصين الطارئة لقهر فيروس الكورونا الجديد قد بدأت تؤتي ثمارها، فبعد أن وصلت الإصابات الجديدة المسجلة يوميًا في ذروة الوباء خلال فبراير إلى بضعة آلاف يوميًا، مع مئات الوفيات، أصبح الحالات اليومية المسجلة أقل من 50 حالة، وانحسر عدد الوفيات كثيرًا. يوم 15 مارس على سبيل المثال، سُجلَت في الصين 25 حالة جديدة فحسب، و10 وفيات، بينما في إسبانيا وإيران على سبيل المثال، سُجِّلَ أكثر من 1200 حالة جديدة، ونحو 100 حالة وفاة لكل منهما.

ولقد حظيَت تجربة الصين في تحجيم هذا الوباء الخطير بالكثير من الإعجاب من العدو قبل الصديق، وذلك رغم الانتقادات الكثيفة التي تعرَّضت لها مع اندلاع هذا الوباء، نتيجة تأخر السلطات الصينية في الأيام الحرجة الأولى في الاعتراف بوجود وباء تنفسي جديد، وتقديم الهاجس الأمني، والقبض على أو إسكات من تجرأ من المواطنين ولفت الأنظار لتلك المشكلة. وكذلك نتيجة عدم التعلم جيدًا من تجربة الماضي مع وباء السارس عام 2002م – 2003م، والذي نتج من اختلاط الحيوانات الحية في أسواق الصين مما أتاح حدوث تفاعلات وتلاقحات بين فيروساتها الخاصة، نجم منها الفيروسات الجديدة القادرة على غزو الإنسان.

والسؤال الآن : ما هي الإجراءات الإحترازية التي اتخذتها الصين لمواجهة هذا الفيروس اللعين والحد منه؟

وللإجابة علي هذا السؤال نقول بأن الصين قد تعاملت مع فيروس كرونا بمنتهي الحرفية ؛ فقد قامت حكومة الصين بإنتهاج العالم من خلال ضبط سلوكهم حيث تنجح الصين في ضبط سلوك مليار ونصف المليار بشكل يسير من خلال الحكم الرشيد والإيمان بالعلم، والشعب الصيني شعب صامت وهادئ ويواجه المشاكل بالحلول والأبحاث العلمية، وليس بالصراع بالمقالات والبرامج الفضائية التي تملآ الدنيا صخباً وجنوناً .. تم حظر التجوال في العديد من المدن أقل مدينة عددها 12 مليون نسمة وعلي الفور التزم الصينيون بالأوامر وأغلقت المطارات وتوقفت السيارات وألتزم الصينيون بالأوامر في شققهم وبناياتهم وقد أعدوا طعاما يكفيهم أسبوعين .. لم نسمع عن معارضة صينية تستغل الوباء وتخرج بالصراخ وتحرض السكان علي خرق حظر التجوال .. وفي غضون أيام قلائل قام الصينيون ببناء مستشفيين في "ستة أيام".. المستشفى الأولى هو "هوشنشان" الذي يبنى على مساحة 269 ألف قدم مربع ويسع ألف سرير، والثاني مستشفى "ليشينشان" على مساحة 323 ألف قدم مربع، ويسع 1300 سرير .

ثم لجأت القرى والمدن في الصين إلى استخدام طائرات دون طيار، مزودة بمكبرات صوت، للقيام بدوريات في الشوارع وتوبيخ الأشخاص الذين لا يرتدون أقنعة في الأماكن العامة، وسط تفشي فيروس كورونا، حسب وسائل الإعلام الصينية الحكومية.. نشرت كل من "شينخوا" وصحيفة "جلوبال تايمز" مقاطع فيديو لطائرات بدون طيار تنبه الناس في المناطق الريفية لضرورة ارتداء الأقنعة في "هذه الأوقات". وانتشرت مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية بشكل واسع وتمت الإشادة بها كوسيلة جديدة لزيادة الوعي بالمرض، وذلك حسب قول أمجد المنيف في مقاله تايم لاين .. مواجهة كورونا".

كما أعلن البنك المركزي الصيني عن ضخ 173 مليار دولار لمكافحة فيروس كورونا القاتل، بالإضافة إلى ضخ 156 مليار دولار لدعم الاقتصاد الصيني، كما أمر رئيس الصين شي جين بينغ، بصفته رئيس اللجنة العسكرية المركزية، بتكليف 1400 من أطباء وممرضي القوات المسلحة بمعالجة مرضى "كورونا" بمستشفى "هوشنشان" في "ووهان" علي بعد 9 كيلو متر من أول تجمع سكني وتم تجهيز المستشفي بالمعدات والأطباء وطواقم التمرير.

وبدأ العلماء بالبحث علي علاج للفيروس ولم ينتظر علاج منظمة الصحة العالمية أن ترسل لهم العلاج، فالحكومة الصينية كانت صادقة ولم تتعامل مع الأمر أنه سرا عسكريا وبشهادة جميع المنظمات الدولية أن الصينين شعب صادق ولا يخلط بين الكوارث بالمواقف الإنسانية مثلما يفعل البيت الأبيض .. المدن والتجمعات السكانية تنقسم إلي أحياء وكل حي من الأحياء يتكون من عدة ملايين من السكان ولا هو مسؤول مباشر ويستطيع السكان الاتصال بمكتب الحي طوال اليوم والحصول علي أية خدمات يحتاجونها من دون واسطة ومن دون أن يضطر المواطن الصيني إلي أن يقول أنا فلان وابن عم فلان وأنه من هذا الحزب أو لا .

وفي حالة وجود أي تقصير يتم تقديم المسؤول الحي للمحاكمة وقد تتعرض العقوبة إلي الإعدام .. ومن لا يجد طعام في منزلة خلال حظر التجوال يتصل بمكتب الحي وتقوم شركة التوصيل الحكومية بإرسال الطعام المناسب إلي العائلة بما يكفي لمدة أسبوعين، ويقوم عمال التوصيل بقرع الجرس وترك الطعام أمام الباب والمغادرة وتأخذ الأسرة طعامها مجاناً دون طلب شرح أو تفسير أو أن يخصم رب البيت مئات النقود لأنه لا يملك طعام .. في الأساس هو السلوك الصادق ومن يثبت السلوك العشوائي في مثل هذه الحالات فإنه سينال عقابا لا يمكن أن يتخيله .. وأصحاب السيارات لا يحاولون اختراق حظر التجوال ولا تجد في الشوارع غير المتطوعين الذين يتطوعوا بأرواحهم من الممرضين والأطباء ولم تجد صيني يهرب إلي قناة فضائية مجاورة بل عمل الإعلام الصيني كخلية نحل من أجل انقاذ الصين والبشرية من هذا الوباء .

سلوك الصين كدولة وحكومة وشعب ولجنة حي ومواطن يمتزج مع راية وهو وقف الوباء وانقاذ الأرواح .. وحين حاولت دول مغرورة اعتقدت نفسها أفضل من الصين قامت بإجلاء رعاياها فوراً ومغادرة الصين لم تنظر الصين في طلب هذه الدول علي أنه تشويه سمعة أو مضاعفة .. وبدل من أن تسارع أمريكا لإرسال علمائها إلي الصين، فقد طلبت أمريكا إجلاء عشرات الدبلوماسيين من الصين وهي خطوة غبية قد تنقل الفيروس إلي الكارثة الأمريكية.. الصين خسرت مئات الأرواح وخسرت مليارات الدولارات في هذه الكارثة ولم نسمع عن الرئيس الصيني أو مخابرات الجيش أو الأمن من يتحدثون عن مؤامرة وعن تقارير سرية لاستهداف الصين مع أن الاحتمال وارد بل شاهدنا كيف بادر الصينيون إلي البحث عن علاج.

قبل أيام زار الرئيس الصيني شي جين بينج، مدينة ووهان مركز تفشي فيروس كورونا، معلنا الانتصار على الفيروس المستجد الذي لم يتم إيجاد لقاح له حتى الآن، وذلك بعد انحسار عدد الإصابات والوفيات به بمعدل كبير، مما أدى إلى إغلاق عدد من المستشفيات المؤقتة التي أنشئت من أجل محاصرة المرض وعلاج المصابين، فقد بدأت الصين في تسجيل إصابات لا تتعدى الـ20 يوميا بعدما كانت تسجل في بداية الأزمة أكثر من ألفي إصابة.

والسؤال الآن : هل انتصرت الصين حقا على فيروس كورونا؟.

الإجابة يمكن اعتبارها نعم، بمقاييس الصحة العالمية قلة عدد الإصابات الجديدة تعني محاصرة الفيروس وحتى إن لم تنعدم فهذا يعد تغلبا من هذه الدولة على المرض بكل المقاييس، وذلك حسب شهادة عدد كبيير من الخبراء في الصحة العالمية الذين أكدوا أن الصين اتخذت الصين أساليب صارمة ومبتكرة قائمة على معايير الصحة العامة، لم نر مثيلا لها في التاريخ.

لقد نجحت الصين نجاحا كبيرا في مواجهة فيروس عندما طبقت بالقوة الجبرية حجرا صحيا على حوالي 60 مليون شخص في مقاطعة هوبي التي سجلت أكبر عدد للإصابات في بداية الوباء، وفرضت قيودا صارمة على السفر، واستخدام التكنولوجيا في تطبيق الإجراءات الصارمة وتتبع تنفيذ المواطنين لها، كما قامت ببناء مستشفيين في ووهان في ظرف أسبوع لاحتواء المصابين.

وكان أبرز وأشد الإجراءات هو فرض حالة الإغلاق التام الصارم على أكثر من 56 مليون مواطن صيني، هم سكان مقاطعة هوباي، لا سيّما عاصمتها مدينة ووهان ذات 11 مليون نسمة، التي فُرض عليها الإغلاق يوم 23 يناير. التزم غالبية السكان بالعزل المنزلي، وطافت دوريات الشرطة بالشوارع للتأكد من عدم تواجد الناس إلا للضرورة.

كذلك استخدمت الدولة قدراتها الهائلة في إنشاء 14 مشفىً لاستيعاب عشرات الآلاف من مرضى الكورونا، ولعزل الحالات المحتملة، واستقدمت آلاف الفرق الطبية إلى مقاطعة هوباي للمساهمة في هذا الجهد الهائل. ولم تتردَّد السلطات في إغلاق آلاف المصانع وغيرها من المؤسسات الكبرى، لا سيَّما في بؤر العدوى وذلك للسيطرة على انتشار الفيروس، وأعان على هذا فائض القوة الاقتصادية للدولة الصينية، واحتياطاتها النقدية والمالية الهائلة.

كما استخدمت الصين التكنولوجيا في مراقبة العدوى المحتملة للفيروس شملت تقنيات مثل كاميرات التعرف على الوجوه حتى تحت الأقنعة الطبية، وتقنيات التتبع عبر الهاتف من خلال برامج مخصصة للتتبع وربط الشبكة بإشارات المرور ومراكز التسوق وبطاقات الدفع الإلكتروني، وهو ما ساعد على جمع بيانات ضخمة عن جميع المواطنين في مقاطعة هوبي والمناطق الأخرى التي كانت تظهر فيها ولو حالة عدوى واحدة، وهي تقنيات تستخدمها الأجهزة الأمنية في مراقبة المواطنين عن طريق الهاتف وبطاقات الائتمان.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل

 

 

في المثقف اليوم