أقلام حرة

تحجّر الأجيال!!

صادق السامرائيالأجيال تتصارع وتتكاتف وتتنافر، أما أن تتحجّر فهذه صفة يتميز بها بعض أعلامنا المصابين بعدم القدرة على مغادرة مواضعهم التي إنطلقوا فيها، فتراهم يلغون الأجيال ويتمترسون في الجيل الذي ينتمون إليه أو الذي تفتحوا في ظلاله.

فيحدثونك عن جيل الأربعينيات والخمسينيات والستينيات، وما قبلها وما بعدها، وكأنها خنادق عميقة كمنوا فيها وتوحّلوا وتعفنوا وتفسخوا، ففقدوا قدرات التواصل والتفاعل والتجدد والإبداع المتوافق مع مكانه وزمانه.

فجيلهم هو غاية المنتهى وذروة الذرى، وما قبله وبعده دونه بكثير، فلا ثقافة إلا ثقافتهم ولا إبداع إلا إبداعهم، ولا رؤية إلا رؤيتهم، وهكذا تجدنا في محنة التآكل والنفي والإلغاء الفاعلة في واقعنا الجريح، المدمّى بهذه الآفات الفكرية والتصورات العليلة.

ولن تجد مثل هذا الإقتراب لدى المجتمعات الأخرى، شرقية أم غربية، لكنه حالة مترسخة فينا ويمثلها مثقفون يدّعون أن الثقافة تنتهي عندهم، ولا بعدهم ولا قبلهم، وهم لا يستطيعون التفاعل مع الواقع القائم بقدرات إبداعية ذات قيمة ثقافية ناعمة.

وما يتملكهم هو الإزدراء والتعالي والحَنق، ومشاعر إحباطية عدوانية، وتفاعلات نرجسية فائقة تحجب عنهم رؤية الواقع، وما يتحقق فيه من إضاءات وعطاءات مهمة ومؤثرة في صناعة الحياة الأفضل.

وهذه أزمة مجايلة، ونكران لدور ومسؤولية، ولجوء إلى تبريرات وإسقاطات واهية  تمنحهم بعض الشعور بسلامة الضمير،  والتحرر من عذاباته وتأنيبه.

ومن الصعب تفسير هذا السلوك السلبي من الذين يفترض بهم ان يكونوا قدوات ومنارات للأجيال، بدلا من عملهم المعوّق المستصغِر للآخرين، وكأنهم يهينون أنفسهم ويدمّرون تأريخهم وهم لا يشعرون.

هذه ظاهرة عجيبة تعصف بالواقع الثقافي في مجتمعنا وتصيبه بالإحباط والتداعي والخسران، والفاعلون هم نخبته الذين يَسْخَرون منه ويستحضرون ما يدفع به إلى متاهات الحضيض وقيعان الوجيع.

ولهذا فأن النخب في مجتمعاتنا تتحمل مسؤولية كبيرة فيما آلت إليه الأوضاع، وما وصلت إليه الأحوال من سوء إنحدار.

فهل للنخب أن تتحمل مسؤوليتها وتعرف دورها وتحترم الأجيال؟!!

النُخب: أحسن وأفضل ما في المجتمع

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم