أقلام حرة

بديعة النعيمي: الحرب على غزة (19): نشوة القوة هل تهوي باليهود مجددا نحو الشتات؟

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام ١٩٩١ وتشكل عالم أحادي القطبية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وتربعها على عرش العالم تحكمه بالتهديد تارة وأخرى بأسلحة متقدمة صنعت بنفط عربي ثم بقواعد على مرمى البصر. وفي المقابل دعم كامل لدولة الاحتلال التي تتوسط قلب الوطن العربي.

بعد أن نكّل الفلسطينيون بهذه الدولة خلال الانتفاضة الأولى عام ١٩٨٧ استثمرتها منظمة التحرير الفلسطينية وسعت من خلالها إلى إقامة سلام مع دولة الاحتلال. وكان وقتها إسحاق رابين رئيسا للحكومة،فمنذ وصوله إلى الرئاسة شرع في تنفيذ خطوات من أجل تسوية نهائية مع العالم العربي. فكان ما سعى إليه من خلال أوسلو التي رفضها المتطرفون من اليهود. فكان من نتائج الرفض اغتيال رابين وصعود اليمين بقيادة بنيامين نتنياهو سدة الحكم. ومنذ تسلمه رئاسة الدولة كان قد انشغل عن متابعة النمو الاقتصادي وباقي الأمور المهمة لدولة الاحتلال بنشوة القوة والثقة بالنفس والانفراد بالآراء. ففي جلسة الافتتاح للكنيست عام ٢٠١٦ ألقى خطابا قال فيه انه( في هذه السنوات تحديدا فيما الشرق الأوسط ينهار كله من حولنا ،جعلنا إسرائيل دولة عظمى ليس دولة عظمى عليا.ولكن دفعنا مكانتنا قدما بشكل كبير كقوة عالمية في مجالات كثيرة جدا ومفتاح الأمن والازدهار واحد وهو قوتنا والقوة هي الأمل والأمل نابع من القوة).

والسؤال الذي يطرح تعقيبا على ما قاله نتنياهو هل قوة هذه الدولة نابعة منها ام أن هناك طرف خارجي سبب لهذه القوة؟

الإجابة التي لا تخفى على أحد انه ومنذ ولادة دولة الاحتلال والولايات المتحدة الأمريكية هي سبب هذه القوة،اي قبل وصول نتنياهو إلى رئاسة الحكومة. اما الخطر الذي يواجه هذه الدولة الآن لا يكمن بدول الطوق ولا من غيرها لأن معظمها قامت بالتطبيع معها إنما يكمن الخطر أنها باتت تقاتل منظمات إسلامية على راسها منظمة حماس في غزة وحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن.

فعلى مستوى حماس وبقية الفصائل الفلسطينية في غزة نجد أن دولة الاحتلال قد تكبدت خسائر وصلت إلى مليارات الدولارات وليس أدل على انهيار هذه القوة المزعومة ما قامت به دولة الاحتلال عندما سحبت لواء النخبة جولاني بعد انكساره على أعتاب أسلحة المقاومة الغير متكافئة مقارنة مع أسلحة العدو وذلك أثناء المعارك البرية التي تورط بها في قطاع غزة والآن لا يعرف كيف يخرج منها بحفظ ماء الوجه الذي اندلق تحت أقدام كمائن مقاتلي القسام وبقية الفصائل.

والسؤال الموجه لنتنياهو بالذات. هل باتت القوة التي ينتشي بها تكمن في الاستقواء على المدنيين الأبرياء بصواريخ غادرة وقنابل محرمة يسقطها جبن ضباط وجنود الاحتلال من الجو؟ هل باتت القوة في ارتكاب ما ارتكبه جيشه ولا يزال من مجازر؟ هل قوته تكمن في مقارعة جثامين الشهداء ،فمرة يسطو عليها وأخرى يتركها لسباع الارض تنهشها في شوارع غزة المدمرة؟ ولصالح من يرفض وقف إطلاق النار ؟ لصالحه؟ لصالح أمريكا؟ أم ماذا؟

وأخيرا هل باتت نشوة القوة والتمسك بالكراسي من سيكسر عنق الاحتلال؟ هل هذه النشوة التي يعاني منها نتنياهو وكيانه الهش ستهوي بهم نحو قاع الشتات من جديد؟

***

بديعة النعيمي

في المثقف اليوم