أقلام حرة

الغابر المقدس!!

صادق السامرائيلا شك في أننا نقدّر ونحترم ونفتخر بعلمائنا الأجلاء الذين أسهموا في صناعة الحضارة وغيّروا مسارات الإنسانية، ولهم دورهم في ميادين العلوم المتنوعة، لكن النظر إليهم وكأنهم منتهى ما يمكن للأمة أن تقدمه، وكل ما بعدهم دونهم ولا يرقى إلى بعض ما قدّموه، نوع من إضطراب الرؤية والتقدير.

فكم سألتُ الأجانب المختصين بالعلوم الإجتماعية عن إبن خلدون، وما وجدت مَن يعرفه، فهم منغمسون بدراسة النظريات الحديثة في علم الإجتماع، وعندما تعود إلى المختصين بعلم الإجتماع في مجتمعاتنا، فلن تجد عندهم سوى مقدمة إبن خلدون التي بموجب ما طرحه يفسرون وينظّرون، بينا الرجل إعتمد الملاحظة ودرسها بعلمية وتوصل إلى ما رآه وفقا لأحوال مكانه وزمانه، وربما أصاب أو أخطأ، لكنه إجتهد وأبدع، ومثله العديد من الرموز العلمية والمعرفية التي أشرقت في مسيرة أجيال الأمة.

ولا توجد أمة غير أمتنا مقيّدة بما مضى وما إنقضى، وتحسبه أعظم ما يمكنها أن تقدمه للإنسانية، وتغفل دور الأجيال التي تمر على الحياة وكأنها ليست فيها، ولا تعرف غير إجترار الماضيات، التي تقطعها عن حاضرها ومستقبلها.

فترانا اليوم أمام مَن يرى أن حل مشاكل الأمة في إستحضار إبن رشد، الذي قدم ما قدم في زمانه وما تمكن من التفاعل مع عصره في أمته، أي أنه فشل في زمانه ومكانه، ونريد أن نحييه في غير زمانه، ونتوهم بأن الحل يكمن بتبني آرائه ومنطلقاته.

ولابد من القول بقوة وجرأة وليغضب مَن يغضب، من الذين ينصفدون في زنازين الماضيات المقدسة، بأن الذي يقرأ لعلمائنا الأجلاء الذين نقدّسهم، سيرى أن كلامهم لا نفع منه لنا، فمعظمهم قد إتخذ من الإقترابات الفلسفية اليونانية القديمة سبيلا للتفاعل مع المعطيات القائمة، وأكثرهم راح يقرأ الدين بعيون فلسفية، وما إستطاع الواحد منهم أن يتفاعل مع الواقع بعقلانية وروح ذات تأثير في مسيرة الأجيال.

فالكثير مما كتبوه لا قيمة له ولا معنى في الزمن المعاصر، ولا توجد أفكار واضحة وعملية فيما سطروه، ولهذا عاشوا في عزلة وتحاوطوا الكراسي، ومن الصعب تفريقهم عن المداحين من الشعراء الذين كانوا يتسولون بشعرهم، فهم يتسولون بعلومهم ومعارفهم!!

فعلينا أن نعيد النظر بمواقفنا وتصوراتنا، وأن نغيّر ما في أنفسنا وعقولنا، التي تترنح على قارعة طريق الويلات والتداعيات المدلهمة، وهي عاجزة عن المواجهة ووضع الحلول والوصول إلى منافذ ذات قيمة حضارية وإبداعية تمنح الأمل والشعور بالعزة والكرامة والحياة!!

فهل لنا أن نرى لنكون؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم