تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

إغتيال الهاشمي

قاسم محمد الكفائيالمقدمة: الإغتيال بحسب التعريف العام يعني تصفية الضحية لأسباب يحتفظ بها الجاني (المخطِّطُ والمُنفِّذُ) وينسجُها على هواه، قد تكون بدوافع سياسية أو عسكرية أو مذهبية وطائفية وغيرها. فحاجةُ الجاني باغتيال المجنى عليه هو إزهاق روحَه وقطع صلته بالحياة،عندها تتوقف كلُّ حركتةِ وفاعليتهِ ولم يَعُد مؤثرا.

فليس بمقدوري أن أحدِّدَ عمليةَ إرتكاب مثل هذا الفعل- الإغتيال – بالخطأ البسيط مهما حاولتُ أن أصنف الفعل وأخفف من وقعه تحت أي مبرر لأن الذي يترتب عليه يخالف الطبيعة الإنسانية، ويخالف مبادىء الأديان، ويتعارض مع مبادىء المؤسسةِ القضائية للدولة التي وقع فيها الإغتيال، وترفضها.

إذن: يُعَدُّ الإغتيال جريمة جنائية إرتكبها عارف بحجم فعلته، وأثرها، والدوافع الحقيقة لها وإن فسرها على هواه دون أن يكترثَ بتفاصيل القانون القضائي والجزائي. وما بين كلمتَيْ الإغتيال والقتل هو انضباط اللغة في توصيف الدوافع وليست تحديد نتيجة الجريمة التي ترسو على القتل المتعمد.

في هذا المقال وضعتُ نفسي بقليل من الحرج  مع أني لم أكن وصيا على أحدٍ ولا باحثا عن حق طرفٍ دون آخر لسببٍ مُهمٍّ هو أني بعيدا عن ساحة الحدث فلو كنت قريبا وفاعلا فيها سأجد منفذا لتغيير نمطي الآخر بمتابعتي للفاعل وجذور الجريمة،  لكنني رأيت حالاتِ ضَعفٍ في السلوك العام عند الضحية والجلاد معا، وفي عناصر الإثبات فارتأيت طرحَها وإعطاء رأيا قد لا تسوغه جميعُ الفرقاء...إنها قضية إغتيال الدكتور هشام الهاشمي. إنتهت.

في الإسبوع المنصرم تحت سكون الليل، وعلى صوت إطلاق سبعة رصاصاتٍ إنطلقت من سلاح ناري هرع بعضُ القاطنين الى جوار بيته في منطقة زيونة ببغداد ليجدوا جارَهم المدعو هِشام الهاشمي مضرجا بدمه داخل سيارته. نقلوه الى مستشفى بن النفيس وفارق الحياة متأثرا بإصابات بليغة بسبب رصاصات نفذت الى جسده.

هذا الفعل يرتقي الى مرتبة الجريمة الجنائية ومن الدرجة الأولى وإن توفرت الأدلة التي تدين الضحية فلا يمكن تحديد درجة العقوبة خارج المؤسسة القضائية للدولة والدوافع كثيرة كما أسلفنا. فبعد إن خسرنا إبنا من أبناء العراق وله بحسب توصيف الكثيرين من الكفاءة في الإعلام والخبرة الأمنية ما يُحسدُ عليها وهو محلل استراتيجي. لكن الذي دفعني للكتابة بهذا الخصوص وكنت أرصدُ من بعيد على الإنترنيت وأنا خارج حدود العراق السلوك الغير منضبط لدى الفريقين، فريق الضحية، وأقلها غلظه لدى الفريق المتهم بارتكاب تلك الجريمة. فلابد إذن من الوقوف صوب الحقيقة مع مراعاة الإحتفاظ بحق المجنى عليه دون الإصغاء والتقيد بمهاترات المخلصين أو المنتفعين.

في مقالات سابقة كنت أشير الى ظاهرة الخبراء الأمنيين والمحللين الاستراتيجيين المنتشرين في المؤسسات العراقية المهمة أنهم فقراء ليس لهم كفاءة سوى المهاترة الإعلامية ببعض القدرة على الكلام وترديد مصطلحات سياسية وعسكرية وأمنية. فالواقع يشير ويؤكد فشلهم المهني في بناء المؤسسة الأمنية العراقية أو من خلال حربهم على الإرهاب، فهم وبالتشخيص الصحيح لديهم ثقافة عامة في علم الأمن وليست متخصصين وخبراء ( أستثني أهل الكفاءة الذين أتابع أدائهم المشرف مثل الدكتور أحمد الشريفي والفريق عبد الكريم خلف والوزير السابق عامر عبد الجبار إسماعيل وكل له اختصاصه، وهناك نخبة بعدد أصابع اليد يمكن أن نسميهم أكفاء). إن الدمار الذي لحق بالعراق في كل مؤسساته بسبب الفساد المالي والإداري والإقتصادي والأمني سيُسئل عنها المعنيون يوم يقوم حسابُهم. المصيبة الأعظم أن هؤلاء يحظون باحترام رؤساء الحكومات المتعاقبة وهم من المقربين ويأخذ بتوصياتهم خلال اجتماعاتهم المبرمجة مع رئيس الوزراء، ( هم يحاولون بدافع الأنانية والفساد المالي إبعاد أي عنصر كفوء يريد أن يخدم وطنه بكفاءة عالية مخلصة )..كون الرئيس أغبى منهم فما يسمعه منهم يبقى هو الصحيح الى أن وصلنا الى بلد متراجع منكسر وفاشل. فالضحية الهاشمي شخصية مرموقة، ليس عليها غبار في هذا الظرف الإستثنائي الذي يعيشه العراق من وهن وفوضى يصير فيه الغراب بلبلا كما أسلفنا. لكنه يبقى واحدا من أولائك الذين لهم قدرة على الكلام بشطارة ويمتلك الثقافة العامة في شؤون الأمن، وليس له القدرة على المواجهة والعمل الفعلي في تثبيت أركان الدولة كمؤسسات، ولا محاربة داعش كإرهاب عاث فينا فسادا ودمارا. قد يسأل خبير ومحلل منهم عن إندحار داعش في الموصل مثلا... بلا، لقد اندحر داعش ببركات فنوى المرجعية وجهود كل صنوف الجيش العراقي وصنوف الحشد الشعبي وليس بمهاترات فوج الخبراء الأمنيين مع أن لي تعليقا على عمق الخسارة التي لحقت بالمؤسسات والآثار والبنية التحتية بسبب ضَعف الأداء الإستخباري الذي رافق مهمة التحرير وساهم بشكل مباشر في حجم الخسارة وتراجع الحكومة على كل الصعد.

أنا لا أجد في شخصية هاشم الهاشمي ما يدعو (حزب الله) في العراق لارتكاب مثل هكذا حماقة وإن طرأ عليها بعضُ المخالفات أثناء المهاترات الإعلامية كخبير ومحلل لأن حزب الله كباقي الفصائل مرهون في محاربة الإرهاب والأمريكان وليس الشخصنة.

لو بحثنا وتمحصنا جيدا في شريط الفديو الذي نشرته جهات متعددة على اليوتيوب بخصوص اللحظات الأخيرة من عمر الضحية ودرسنا الكيفية التي أقدم فيها القاتل وأجهز على الضحية بدراسة موضوعية وكفاءة عالية سنجد أن هشام الهاشمي في تلك اللحظات كان أقوى فنيا وتقنيا من خصمه بسبب حركته الخطأ والفاشلة التي هجم فيها على السيارة، فلو باغته الضحية ( كان له الوقت الكافي ومتحصنا نوعا ما بسيارته ) برصاصة عاجلة يمكنه التخلص منه إما بإصابته وطرحه أرضا أو قتله فيهرب جميع العناصر الذين معه فهو أقل ما يكون فعل الصحيح وإن لحق به ضرر من عنصر مرادف آخر، لكن خبرته الأمنية فقط على السبورة ليس لها جذور حقيقية على الواقع (هذا ما أريد فضحه إبتغاء تخليص العراق من عصابات الخبراء الأمنيين مع اعتزازي ببعض منهم لما يملكونه من  (بعض) المهنية)

كذلك وردت أخطاء لدى فريق الضحية فمنهم المهرجون، ومنهم المراقبون لما هو جديد، ومنهم من قدَّم أدلة ثبوتية تدين (حزب الله) في العراق بارتكاب تلك الجريمة. كان أكثرهم عنادا وإصرارا هو الشيخ سابقا (غيث التميمي).

نشر التميمي الرسائل التي وصلته من صديقه المغدور عبر الوااااتساب التي مفادها أن حزب الله قد ارسل له تهديدا بالقتل في بيته الى آخر الكلام... في هذه الجزئية هناك نقاط ضَعف شخصناها لأنها لا تتناسب وشخصية المحلل الإستراتيجي والخبير الأمني كما يزعم الضحية في حياته وكما يروج له مريدوه... 

أولا: هل الخبير الأمني والإستراتيجي مثل الدكتور هشام الهاشمي بحاجة الى إرشاد من غيث التميمي الذي ليس لديه غير الثقافة الروزخونية ليستنجد به ويطلب منه (الإستشارة)؟

فالضحية لم يعرض عليه أمره وكفى وقد يكون ممكنا وواردا لكنه طلب من غيث التميمي ما لا يملكه وهو مناف للكم المعرفي في قواعد الأمن والجريمة الذي عند هشام كما يدعون.

ثانيا: ما قدمه غيث من دليل ورد على الواااتاب ظهر نقيضا له على الانترنيت هو أن المغدور سبق وإن حذر من الأمريكان باغتياله وهذا ممكن لأن المخابرات الأمريكية لا يهمها هشام بقدر ما يهمها النتائج من دمار وخراب وسيطرة على العراق، أو أن الرد بنفس الترتيب الغرض منه فضح الكذبة بكذبة أخرى تشبهها.

ثالثا: في الساعة الأولى التي تلت عملية الإغتيال خرج علينا كم هائل من أنصاره يشجب ويطعن ويتحدث بلهجة واحدة باتهامهم إيران هي التي قتلت هشام الهاشمي وبأمر من خامنئي.

لقد نسوا أن السيد خامنئي مرجعا دينيا لو أراد أن يهتم في السياسة يهتم أولا ببلده، ويهتم بالدفاع عنه من شرور الأمريكان. فهو لن يأمر أو يوجه بقتل رجل ليس له قيمة كظاهرة غير محاربة ولا مؤثرة على أمن إيران ولن يفوض هذه المهمة ضد من هو يستحق العقوبة القصوى حفاظا على موقعه الديني والأخلاقي. مع أن الأخطر في تقديرات حكومة إيران هم مجاهدي خلق وليس الهاشمي.

رابعا: هذه النقطة الأخيرة لن أطرحها على الملأ إطلاقا حتى لا يستفيد منها من هب ودب، فهي تحليل ناعم وبسيط جدا يطعن ويفند غيث التميمي ومن يقف ورائه، حتى المحامون لا يفهمونها على الإطلاق. مستعد طرحها بشكل خاص لمن يعنيه أمرها خارج دائرة الإنترنيت. فلو شاء( الفريق الآخر) معرفتها فأنا هنا ليس ببعيد. E-mail.. [email protected]  Qasim4canada  Twitter

وفي نظرة موضوعية وسريعة على المُنفِذ يمكنني أن أحدِّد شخصيته أنه أحمق ولا يملك الدراية بإنجاز مهمته، أما المُخطط لتفاصيل الجريمة فهو أغبى منه مما يدعوني لنصيحة كل المعنيين أن يبحثوا في سلوك هشام الهاشمي خارج دائرة مهنته كخبير أمني ومحلل إستراتيجي فهو تحليل آخر يستدعي الإلتفات إليه، فلدى كلِّ إنسانٍ سلوكه الخاص الذي هو ينتهجه وسط مجتمعه وبيئته. قد تكون لنا وقفة أخرى في هذا المضمار.

 

قاسم محمد الكفائي/  كندا

 

 

 

 

في المثقف اليوم