أقلام حرة

زوايا الإختلاف!!

صادق السامرائينظرنا سوية إلى صورة على قدح ملون فسألته: ماذا ترى؟

قال: ضفدعة.

فقلت له: إني أرى رجلا برأس ضفدعة

فتأمل الصورة ثانية وقال: لم أنظر إلى الصورة بكاملها، وإنما نظرت إلى الرأس فقط.

وتلوّن وجهه باللون الأحمر، ومضينا في عملنا اليومي الصاخب.

هذه من وقائع اليوم المتكررة، والتي نغفلها ويحصل ما يحصل بسببها، وفي كثير من الأحيان نحن نتفاعل كالأعمى الذي لا يمكنه رؤية الفيل، لكنه يحسبه أي شيئ وفقا لما تلمسه يده منه، فقد يقول أنه جدار أو جلد، أو  أي شيئ يوحي به الجزء الملموس منه.

وفي تفاعلاتنا اليومية لا يمكن لإثنين أن يريا ذات الصورة في نفس الوقت، ولا يستطيع جمع من البشر أن يرى الصورة كما يراها أي من الجمع منفردا، ولو سألنا مجموعة من البشر أن ترسم ما تراه أو تصفه بكلمات، لتبين لنا الإختلاف الكبير فيما نراه، وتلك حقيقة واقعة في الحياة نغفلها ونريد العمل بغيرها، ونحسب أن ذلك صحيحا.

لا يمكن لأي مخلوقين على وجه البسيطة أن ينظرا إلى الأشياء بزاوية نظر واحدة على الإطلاق، وإن حصل ذلك فأنه معروف في عالم الأمراض النفسية، ويندر أن تجد شخصين أو أكثر يتشاركان بذات الرؤية الوهمية، وتراهما وكأنهما شخص واحد في عدة أبدان.

لا يمكن أن يكون المجموع فردا، ولا يمكن أن يكون الفرد البشري إلا فردا متميزا في كل شي، متميز في أنفاسه وملامح وجهه وجيناته وفسلجة أعماقه وجسمه.

الإختلاف حقيقة خلقية قائمة في الحياة،  ولا يمكنها أن تدوم وتتواصل من غير طاقاته وتفاعلاته الخلاقة المتجددة، التي تنجب الصيرورات الحية الباقية.

إن دعاة الرأي الواحد والنظرة الواحدة حالات مرضية بحاجة إلى علاج ذهني، يزيح من عقولهم النظرات السلبية، ويزرع فيهم النظرات الإيجابية المتحققة في الحياة.

إن الركض وراء التصورات السلبية مرض خطير يصيب بصائر الناس، ويدفع بهم إلى الويلات وفقا لتصوراتهم العمياء المحددة بزاوية نظر ظلماء.

إن الحياة لا يمكنها أن تكون بلون واحد وطعام واحد وشكل واحد، الحياة مسرح التفاعلات المختلفة، وميدان الولادات المتباينة، التي تتواشج بأواصر الإختلاف لكي تصنع حالة أقوى من التي سبقتها، ولكي توفر مقومات الأصلح القويم، الذي يستوعب التطورات وحركة الزمن وتفاعلات المستجدات على أرض تدور، وتنجب المزيد من التغيرات وفقا لإيقاع حركتها الدورانية وتفاعلاتها الكونية.

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم