أقلام حرة

ليلى الدسوقي: قوى فاجر خير من صالح ضعيف

ليلى الدسوقيحث الاسلام على العمل منذ بدأ الخليقة، جاء في القرآن الكريم: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ‎﴿١٥﴾‏ سورة الملك

الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ ‎﴿٥٣﴾‏ كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَىٰ ‎﴿٥٤﴾‏ سورة طه

فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ‎﴿١٠﴾ سورة الجمعة

وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ ‎﴿١٠﴾سورة الاعراف

وفي السنة: " ما أكل احد طعاما قط خير من ان يأكل من عمل يده وان نبى الله داود كان يأكل من عمل يده " البخارى 3/ص74

" لان يأخذ احدكم حبله ويحتطب خير له من ان يسأل الناس اعطوه او منعوه " البخارى3/75

و يروى ان رسُولُ اللَّهِ ﷺ دخل المسجد فرأى رجلا يطول فى الركوع والسجود فسأل عنه فقالوا انه رجل عابد فقال : ومن الذى ينفق عليه ؟ قالوا : أخوه يعمل ويعوله فقال : اخوه أعبد منه

كما يروى ان رسُولُ اللَّهِ ﷺ كان جالسا مع اصحابه فنظر الى شاب قوى البنية سليم الجسم فقالوا ان هذا من افضل من يسعون فى سبيل الله فقال الرسول ﷺ : لا تقولوا هذا فان كان يسعى على نفس ليكفيها المسالة ويغنيها عن الناس فهو فى سبيل الله وان كان يسعى على نفسه ليكفيها عن المسالة ويغنيها عن الناس فهو فى سبيل الله وان كان يسعى على ابوين ضعيفين او ذرية ضعاف ليغنيهم ويكفيهم فهو فى سبيل الله وان كان يسعى تفاخرا وتكاثرا فهو فى سبيل الشيطان

اذن فالوظيفة العامة فى الاسلام تقوم على مبدأ الجدارة والكفاءة فى شغلها اى تولية الكفء والصالح والجدير بها تطبيقا لقول المولى سبحانه وتعالى

قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ‎﴿٢٦﴾ سورة القصص

و ليس كما هو شائع بعصرنا الحالى شغل الوظيفة العامة بالواسطة وليس بالكفاءة ، فالوظيفة العامة فى الاسلام امانة ومسئولية وتكليف لا تشريف

يقول الله عز وجل فى كتابه الكريم :

" إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا" سورة النساء 58

" وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ‎﴿٨﴾ " سورة المؤمنون

يؤكد هذا المعنى ما ورد فى الاحاديث النبوية الشريفة :

فلقد طلب الصحابى الزاهد الجليل ابو ذر الغفارى من الرسول الكريم ان يقلده احدى الوظائف فقال الرسول ص : الا تستعملنى يا رسول الله قال الرسول " يا ابا ذر انك ضعيف وانى احب لك ما احبه لنفسى وانها امانة انها يوم القيامة خزى وندامة الا من اخذها بحقها وادى الذى عليه فيها

و فيما رواه ابو هريرة رضى الله عنه ان النبى ص قال " اذا ضيعت الامانة فانتظر الساعة قيل يا رسول الله وما اضاعتها قال : اذا اسند الامر الى غير اهله فانتظر الساعة "

لهذا يجب على ولى الامر اسناد الامر الى مستحقيه سواء ائمة الصلاة او المؤذنين المقرئين المعلمين .....الخ

و العلاقة بين الموظف والدولة دائمة حتى لو توفى ولى الامر الا اذا تغيرت حالة الموظف وعجز عن القيام باعباء الوظيفة او فقد احد شروطها وايضا يكون الموظف وكيل ولى الامر فى كل الامور المنوطه له

و على هدى ما تقدم يتضح ان الولاية تلازم المسئولية

فالشعور بالمسئولية لدى الولاة والموظفين كان متأصلا فى النظام الاسلامى فهذا عمر بن الخطاب يقول " لو ان بغلة فى العراق عثرت لخشيت ان يسالنى الله عنها يوم القيامة اذا لم امهد لها الطريق "

و من الشروط الاساسية لتولى الوظيفة العامة فى الاسلام هو الصلاحية لشغلها وترتكز الصلاحية على القوة والامانة

قال الله تعالى فى كتابه الكريم :

"يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ‎﴿٢٦﴾‏ القصص

" إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ" ‎﴿٥٤﴾ يوسف

" إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ‎﴿١٩﴾‏ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ‎﴿٢٠﴾‏ مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ " التكوير 19 -21

فالقوة هنا يقصد بها القوة فى تدبير شئون الامة ومصالح الافراد وايضا يكون قوى الايمان بالله ولديه قدرات عقلية ومهارات فكرية لكى تمكنه من ادراك حقائق الاشياء وقد اهتم الاسلام بالعقل فهو وسيلة العلم والتكليف فطلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة وايضا ان يكون الشخص سليم الجسد ليس به عجز حتى يقوم بأعباء وظيفته على اكمل وجه ويكون بالغ سنا معينا وهى خمسة عشر عاما لما روى عن ابى عمر عن نافع قال عرضت على رسول الله ص فى جيش وانا ابن اربعة عشر فلم يقبلنى عرت عليه وانا ابن خمسة عشر فقبلنى فحدثت عمر بن عبد العزيز فقال : هذا حد بين الصغير والكبير " اى لا يتم عمالة الاطفال كما يحدث الان بالمهن الحرفية

و ان يتسم الشخص بالامانة والعدل " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ " سورة النساء 58

" إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ " سورة النحل 90

فيجب فى الموظف العام ان يعدل فيمن تحت ولايته من الموظفين ويساوى بينهم فى الحقوق والواجبات

و هكذا بتكامل عنصر القوة والامانة تتحقق الصلاحية المطلقة لشغل الوظيفة العامة ونادرا ما يجتمع القوة والامانة فى شخص واحد

فهل يعنى هذا تعطيل مصالح الافراد وعدم تعيين من يشغل الوظائف العامة ؟

بالطبع لا فلقد اجاب ابن تيمية على هذا بقوله : اجتماع القوة والامانة قليل لذا كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول ( اللهم اشكو اليك جلد الفاجر وعجز الثقة ) فالواجب فى كل منصب تولية الاصلح فاذا تعين رجلان احدهما اعظم امانة والاخر اعظم قوة قدم انفعهما لتلك الولاية واقلهما ضررا فيها

فمثلا يقدم فى امارة الحروب الرجل القوى والشجاع وان كان فيه فجور على الرجل الضعيف العاجز وان كان امينا

كما سئل الامام احمد عن الرجلين يكونان اميرين فى الغزو احدهما قوى فاجر والاخر صالح ضعيف مع ايهما يغزى ؟ فقال : اما الفاجر القوى فقوته للمسلمين وفجوره على نفسه واما الصالح الضعيف فصلاحه لنفسه وضعفه على المسلمين يغزى مع القوى الفاجر

و لقد كان النبى ﷺ يستعمل خالد بن الوليد على الحرب منذ اسلم ويقول : ان خالد سيف الله على المشركين مع انه احيانا كان يعمل ما ينكره النبى ص حتى انه مرة رفع يده الى السماء " وقال اللهم انى ابرا اليك مما فعل خالد " لما ارسله الى بنى جذيمة فقتلهم واخذ اموالهم بنوع شبهه ولم يكن يجوز ذلك وانكره عليه بعض من اصحابه حتى وداهم النبى ص وضمن اموالهم ومع ذلك فما زال يقدمه فى امارة الحرب لانه كان اصلح فى هذا الباب من غيره وفعل ما فعله بنوع من التأويل

و أخيراً .. نستخلص من هذا ان من الواجب تولية الاصلح والانفع لاى وظيفة عامة حتى لو كان فاجر قوى فقوته تكون للمسلمين وفجوره على نفسه واما الصالح الضعيف فصلاحه لنفسه وضعفه على المسلمين

و الله ورسوله أعلم وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين

 

ليلى الدسوقي

 

في المثقف اليوم