أقلام حرة

صادق السامرائي: الإستلهام والإنهزام!!

صادق السامرائيالأمة تعاتب أجيالها لأنهم لا يستلهمون تراثها، وينهزمون إلى الذين أخذوا عنها، وتمثلوا إرثها وإستوعبوا مسيرتها، وأبناؤها في غفلة عمّا تكنزه من درر الأفكار وجمان الإبداع والإبتكار.

الأجيال ومنذ ما يقرب من قرنين – إلا قلة من الذين برزوا في مواطنها ورفعوا راياتها – في غربة عن ذاتها وموضوعها، فبدلا من إنطلاقها من أعماق الأمة ومخزونها المعرفي، راحت تطارد خيط دخان الآخرين، فتعزز التقليد والإستيراد لبضائعهم، وتجمد الجد والإجتهاد والإبداع، وتبددت الطاقات في مطاردة سراب اللحاق بما لا يُدرك.

ويشذ عن ذلك عدد من جهابذة الفكر والثقافة العربية وخصوصا في مصر، من الذين إستلهموا التراث ومازجوه بالمعارف الواردة من بلاد الآخرين، فأنتجوا عطاءً متميزا، وهم أعلام ثقافتنا العربية  المعروفين في النصف الأول من القرن العشرين، وبعدهم تغرّبت الثقافة، وفقدت الأجيال قدرات المساهمة في الإبداع المعاصر الأصيل.

وتجدنا وعلى مدى ما يزيد عن سبعة عقود أمام حالات إنهزامية، متصفة بما تستقدمه من ميادين التفاعلات الحياتية البعيدة، حتى أصبحنا نعتمد على غيرنا فيما نرى ونكتب.

وأخذ الإبداع يتشبّه بالآخرين، ويتباهى بإستنساخ ما يبدعون، ويحسب الناسخ أنه قدم ما ينفع الأمة، ويضع ما جاد به على لائحة الإبداع، وهو محض كلام بلا معنى ولا أثر، ويراه من العطاء العتيد.

ولهذا صارت الأجيال في عزلة عن أبهر أمتها، وبعيدة عن جوهر ما فيها، فراحت تتخبط كالوعاء الفارغ، الذي تركله أقدام الأيام، فتسمع له صوتا متعاليا كالصراخ.

ولا زلنا نفتقر للإبداعات المستلهمة لتراثنا الثقافي، الغني بالأفكار الكبرى والمكنونات المعرفية النادرة، وكلما أمعنا في الإستنساخ، إزدادت غربتنا عن أصولنا وجذور وجودنا الحضاري.

فلا بد من عودة واعية مستوعبة لتراث الأمة، والإنطلاق بآليات إستلهامية قادرة على تفعيل إرادتها، وشد أجيالها نحو التوثب الواثق والإنطلاق الواعد.

فهل لنا أن نجيد مهارات الإستلهام، وننأى عن مواطن الإنهزام؟!!

 

د. صادق السامرائي

30\9\2021

 

 

في المثقف اليوم