أقلام حرة

بين سرقة القرن وسرقة البلاد

منذ أن أعلن عن ما يسمى بـ"سرقة القرن"، والمواطن العراقي واجه أطناناً من الكلام والخطب استهلكت معظم وقت الفضائيات، وخرج علينا من يعلن القضاء على الفساد وأنه قُبر وإلى الأبد، واستغرقنا في مناقشات ومشادات كلامية عن بطولة الذين كشفوا عن أسرار السرقة، وشاهدنا المتهم الأول نور زهير وهو يجلس بكامل قيافته خلف القضبان،

واستمعنا إلى تحليلات هيثم الجبوري عن براءته، وخرج علينا من يهتف باسم النائب "الهمام" الذي أعاد أموال العراق للعراقيين، وبسرعة البرق توقف الحديث عن ملفات فساد كبيرة وانشغلنا بتغريدات تحيي جهود الحكومة بالحفاظ على المال العام.

لكن اللافت أن موضوع "سرقة القرن" تم توظيفه في تثبيت تلك الصورة المصطنعة عن أن الحكومات السابقة لحكومة الكاظمي حافظت على المال العام، وحاربت الفساد، ولكن ماذا نفعل للإمبريالية الأمريكية التي فرضت علينا الكاظمي؟، ولأن النواب والسياسيين يعتقدون أن هذا الشعب ينسى بسرعة وأنه يملك ذاكرة سمكة وأن العراقيين لا يتذكرون أن أكثر من 80 مليار دولار نهبت من أموال الكهرباء وأن ميزانيات كاملة وبعشرات المليارات تم نهبها قي وضح النهار، وأن أموال الحصة التموينية حولها فلاح السوداني لحسابه الخاص، وأن أموال طبع الكتب المدرسية أوصلت مثنى السامرائي إلى قبة البرلمان، ولهذا كان لابد من اعتبار "سرقة القرن" هي الأخطر، بينما ما سرق من أموال منذ عام 2005 وحتى عام 2020 حق مشروع لمسؤولين ناضلوا في سبيل رفاهية هذا الشعب .

لقد جرت عمليات تشويه للحقائق بطريقة ممنهجة من الأكاذيب، حتى تصور الناس أننا كنا نعيش في دولة تحتل القائمة الأولى في سلم النزاهة والتنمية والتطور، وإذا بحكومة الكاظمي تضعنا على سلم البلدان الأكثر فساداً.

أتمنى أن لا يتوهم البعض ويعتقد أنني أدافع عن حكومة الكاظمي، فقد كتبت في نقدها عشرات المقالات، لكن ياسادة أن يسعى البعض لمحو 17 عاماً من الخراب ويوهمنا أن البلاد كانت تعيش في ربيع النزاهة، فهذا أشبه بنكتة سوداء.

لعل السؤال هو: كم مسؤول متهم بتبديد المال العام وسرقته؟ ثم ــ وهذا هو الأهم ــ من الذي يتحمل مسؤولية ضياع عشرات المليارات من الدولارات في مشاريع وهمية؟. بلغة الحساب لدينا أكثر من تريليون دولار من عائدات النفط دخلت إلى الموازنة منذ حكومة أياد علاوي وحتى حكومة عادل عبد المهدي ونريد أن نعرف أين ذهبت ولماذا ظل الحال على ما هو عليه .

إنسوا أن نور زهير خرج منتصراً ويعيش الآن في فيلته بشارع الأميرات وتعالوا نقر بأن الكاظمي ارتكب مخالفات مالية وإدارية وأن ملفات الفساد التي يتحدثون عنها الآن بها قدر كبير من المصداقية، ولكننا نسأل؛ أليست هناك ملفات فساد كثيرة يضعون تحتها عبارة " ممنوع الاقتراب"؟!

***

علي حسين

في المثقف اليوم