تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

البشير عبيد: التغيير الراديكالي والبوصلة الغائبة

الأوطان الجريحة لا تبنى بالصراخ والعويل.. بل يجسد البناء الفكر الحر والارادة والثبات والذهاب بالحلم الى الأقاصي.. هكذا علمتنا دفاتر التاريخ بكل محطاته. المؤمنون بافكارهم ورؤاهم المستقبلية ليس في قاموسهم الخوف او الرهبة من خوض معركة الحرية والعدالة الاجتماعية والتقدم والحداثة وتجسيد قيم المواطنة على ارض الواقع.. المستقبل للاحرار الشجعان وليس للسفهاء الجبناء..

هناك من يتقدم المشهد العام في تونس والوطن العربي المثخن بالانكسارات والهزائم، وليس في رصيده التاريخية آي مشروعية لأن يكون شخصا قياديا، في كل الميادين.. الثقافة والإعلام والنقابة والسياسة وحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني بشكل عام. هنا مربط الفرس مثلما يقول الأجداد، من لا يمتلك مشروعا متكاملا للنهوض والتغيير والبناء محصنا بالفكر النقدي المستنير والرؤية الإستشرافية البعيدة المدى، لا يستطيع ان يذهب مسافات من أجل تأسيس وتركيز هذا المشروع مهما إدعى وتوهم إنه من عباقرة هذا الزمن اللعين الموبوء بالخيبات.

إن المجتمعات الطامحة للتغيير الجذري وضرب التخلف في معاقله، لم تترقب هذا النهوض النوعي بل كان نتيجة طبيعية وثمرة جهود جبارة قام بها اولادها وبناتها من كل الأجيال والأطياف والفئات الإجتماعية ومن كل الأقاليم، عواصم ومدن كبرى وقرى متاخمة للتهميش والنسيان..

الفكر النقدي المستنير هنا هو البوصلة الحاملة في زواياها وصفحاتها المضيئة بذور الزرع لافكار وبرامج تنموية في أرض صالحة تربتها.

لا تستطيع السواعد المفتولة ان تؤسس البناء وخلق معمار جديد صلب ومتين إذا كانت الأفكار المتسمة بالنقد والمعرفة والرؤية الإستراتيجية والبعد الإستشرافي في حالة غياب تام. هذا ما نلحظه الآن على المستوى العربي، مما جعل مواطن / إنسان هذا الوطن الكبير، من المحيط إلى الخليج، في دوامة الشعور بالانكسار والخيبة والخوف من الغد ..

ما تتطلبه المرحلة العربية الراهنة، هو التاسيس الفعلي لمشروع التغيبر الراديكالي في كل القطاعات بعيدا عن المحاصصات السياسية أو الطائفية أو الفئوية للخروج من النفق المظلم والدخول إلى الأفق الكوني / الإنساني بقيمه الحداثية والعقلانية والمواطنية لتركيز الدولة الاجتماعية، هنا وهناك، مشرقا ومغربا، قوامها الحكم الديمقراطي وتكريس قيم المواطنة بكل شموليتها وابعادها مع العمل الجدي والدؤوب على العدالة الاجتماعية والتنوير الفكري والثقافي لمحاصرة الظلامية في كل مكان.

هذا العمل الجبار، لا تقوم به اجساد لا تحمل مشروعا متكاملا للنهوض والزحف على معاقل التخلف، بل هذا هو الحلم المتنامي في اجساد رحلت عن الدنبا واجساد تكافح بلا هوادة بعزيمة المحاربين الأشاوس الذين لا يعرفون ويعترفون بالهزيمة ..

الغد، تصنعه العقول المستنيرة المحصنة بالفكر النقدي المؤمن بالمستقبل وإنسانية الإنسان مهما إختلفنا معه، لونا وعرقا ودينا ولغة وحضارة.

***

البشير عبيد / تونس

في المثقف اليوم