أقلام حرة

مضر الحلو: مآلات الخطاب الديني (1)

ما يلفت النظر في عالمنا الاسلامي ويميزه عن غيره، كثرة خطب الوعظ والإرشاد، والوعد والوعيد، مع تعدد واختلاف القنوات الاعلإمية التي تكفلت نقلها وبثها من خطب الجمعة إلى خطب المناسبات كالأعياد وغيرها أضف إلى خطب محرّم، وشهر رمضان وباقي مناسبات أهل البيت (ع) عند الشيعة فلا يكاد يمر يوم إلا ويستمع الفرد المسلم إلى خطبة واحدة على الاقل لكن في المقابل يجد المراقب المجتمعات ذاتها يعصف بها الفشل، يدمّرها التخلف، تمر بحالة من التقهقر والنكوص في كل ما هو ايجابي وبنّاء مع طغيان الظواهر السلبية كانتشار الايتام في الشوارع وتسللهم من مقاعد الدراسة (حيث بلغ عدد الايتام في العراق مثلا 5 مليون حسب احصائية اليونسيف الصادرة في ابريل 2017 منهم نصف مليون مشرد في الشوارع بدون مأوى يحصل هذا في بلد وصفت ميزانياته بالانفجارية ولكنها لم تستوعب هؤلاء الاطفال)، إلى تفشي الرشوة، والفساد المالي بأسوء صوره، وتلاشي الخدمات، وغياب المسؤولية. وحيث كنت أدوّن هذه السطور صدرت إحصاءات ومسوح عن القمة الحكومية العالمية المنعقدة في دبي وتقارير رسمية تشير إلى تراجع كارثي في التنمية البشرية حيث أظهرت النتائج فيما يخص العالم العربي أن 13.5 مليون طفل عربي لم يلتحقوا بالمدرسة عام (2016)، 30 مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر، تريليون دولار كلفة الفساد في المنطقة العربية، 5 دول عربية (من ضمنها العراق)  في قائمة العشر دول الأكثر فسادا في العالم، 20 ألف كتاب فقط ينتجها العالم العربي سنويا أقل من دولة مثل رومانيا، 410 مليون عربي حظهم 2900 براءة اختراع فقط أقل من كوريا حيث أنجز 50 مليون كوري 20201 براءة اختراع، أما الإرهاب والحروب والفتن الداخلية فللعرب والمسلمين الحظ الأوفر منها فرغم أن العالم العربي يمثل 5% من سكان العالم إلا أنه يعاني 45% من الهجمات الإرهابية عالميا، 75% من اللاجئين عالميا هم عرب، 68% من وفيات الحروب عالميا عرب، من عام 2011 حتى 2017 خسائر بشرية تصل إلى 1.4 مليون قتيل وجريح من العرب، من عام 2011 حتى 2017 تم تشريد 14 مليون عربي، من عام 2011 حتى 2017 تم تدمير بنية تحتية بقيمة 460 مليار دولار، من عام 2011 حتى العام الحالي 2017 خسائر في الناتج المحلي العربي بقيمة 300 مليار دولار.(١)

فقد الخطاب الديني في هذه المجتمعات تأثيره الإيجابي الذي يمكن أن يسهم في منع أو تحجيم كل هذه النتائج الفجائعية، والامراض الفتاكة، والظواهر المدمرة، والسؤال الذي يطرح نفسه بجدارة: لماذا لم يتاثر سلوك أفراد المجتمع المسلم بهذا الخطاب خصوصا هو لا يبرح: قال الله تعالى، وقال رسول الله (ص)، وقال الامام (ع)، في مجتمع يفترض انه الاشد تمسكا بهذه المقدسات واحتراما لها؟ لماذا أصبح قوت اليتامى، والفقراء مستباحا للطبقة الحاكمة، وللاقوياء؟ لماذا لم يعالج هذا الخطاب الفساد، وموجات الكراهية والاحقاد والكذب والنفاق والغش، ...الخ؟ لماذا فشل هذا الخطاب غالبا في بناء مجتمع صالح عبر تربية ابنائه على قيم المحبة، والتسامح، وحب الخير، والصدق، والامانة، والنصيحة، والحرص على الصالح العام، وروح الانسانية، والمسؤولية، الخ؟ وفشل في بناء الايمان بالله تعالى في النفوس قبل كل شئ؟.

***

 يتبع.

مضر الحلو

....................

(١) القمة الحكومية العالمية التي انعقدت في دبي بتاريخ ١٢-١٤ فبراير عام ٢٠١٧م.

في المثقف اليوم