أقلام حرة

علي حسين: ترند الفساد والتفاهة

لا تشغل بالك، عزيزي القارئ بمحاولة الوقوف على معنى استقبال محافظ كربلاء لرائد الفضاء العراقي "أبو شاهين " ولا تضرب أخماساً في أسداس وأنت ترى كيف استبدلنا منجزات صبيحة الشيخ داود وزها حديد بحكايات رائدة الفكر الحديث " ام فهد " !!

في مقدمة كتابه المهم "نظام التفاهة" يضع أستاذ الفلسفة الكندي ألان دونو هذه الجملة المعبرة عن الحال الذي وصلنا إليه: "ضع كتبك المعقّدة جانباً.. لا تكن فخوراً، ولا روحانياً، ولا حتى مرتاحاً… لقد تغيّر الزمان، فلم يعُد هناك اقتحامٌ للباستيل ولا شيء يُقارن بحريق الرايخستاغ، كما أن البارِجة الروسيّة "أورورا لم تُطلِق طلقة واحدة باتّجاه اليابان. ومع ذلك، فقد شُنَّ الهجوم بنجاح: لقد تبوّأ التافهون موقِع السّلطة".

قد يقول قارئ عزيز؛ ما الغريب في الأمر ونحن نعيش في زمن مواقع التواصل الاجتماعي التي يخرج فيها البعض ليسخر من علي الوردي ويشتمه، فيما نائب يصر على أن بناء مدينة باسم علي الوردي خيانة للقضية الفلسطينية، وعليك عزيزي القارئ أن تحل لغز العلاقة بين ما يجري في غزة وبين بناء مدينة في العراق تحمل اسم أحد أبرز أعلام الفكر الوطني العراقي؟، فلم العجب اذن ومتولي اقتصاد العراق نور زهير استطاع بمكالمة هاتفية أن يهرب سجيناً، مثلما استطاع أن يلفلف في وضح النهارثلاثة مليارات دولار، فيما تحول موظف صيرفة إلى صاحب عدد من المصارف يتحكم من خلالها بمزاد العملة.. وربما يسخر مني قارئ فيقول: لماذا علامات التعجب ونحن نعيش في بلد تحولت فيه السياسية إلى استعراضات وخطب يصول ويجول أصحابها في الفضائيات، يتحدثون في الاقتصاد والسياسة والقانون وحقوق الإنسان، لكنهم يتحسسون من مفردة " دولة مدنية "، معظمهم يفقدون اتصالهم بالواقع لأنهم مهمومون بالامتيازات والصفقات

في كتابه يؤكد ألان دونو أن التفاهة تظهر بشكل فجّ وصادم في مواقع التواصل الاجتماعي وشاشات الفضائيات . قل أسخف السخافات، وتشدق بأكثر الخرافات لا معقولية، ولا تهتم، فهذه هي البوابة الرئيسية لدخول عالم " المشاهير " بكفالة نظام التفاهة .

منذ سنين ونحن نعيش مسرحية فيلم طويل عنوانه سرقة أموال البلاد،، وثمة أشياء نمر عليها سريعاً، ومنها ما صنعته إرادة شاب يعمل في سلك الشرطة اسمه سيف عباس كَطوف عندما قرر أن يطلق مشروعه الحلم من خلال فكرة أقرب إلى الخيال من الحقيقة، بناء مدينة من مئة بيت للفقراء واليتامى، جمعها من تبرعات المواطنين، هذا الشاب النموذج الحقيقي للمواطن العراقي يعمل بصمت ونكران للذات، في وقت يتقافز فيه "مشاهير الصدفة " على مواقع التواصل الاجتماعي

***

علي حسين

في المثقف اليوم