أقلام حرة

علي حسين: أين التعليم؟!

الجدل في صفحات الفيسبوك حول تدني مستوى التعليم في العراق، لم يحسمه بيان وزارة التعليم العالي التي لا يزال اصحابها يصرون على ان جامعاتنا تنافس كبرى جامعات العالم، ان لم تتفوق على هارفارد وجامعة سنغافورة وستانفورد وأكسفورد وكامبريدج وجامعة بكين .

قبل ما يقارب الخمسين عاما بدأت الصين عملية الإصلاح الكبرى والتي قادتها إلى مصاف الدول الكبرى بعد أن كانت تعاني من مشاكل في السياسة والتنمية، وكان اول اهداف هذه النهضة هو التعليم حيث اعتبر قادة الصين ان التقدم في التعليم يجب ان يكون ركيزة أساسية للتنمية الشاملة، فعملت الصين على تطوير المدارس والجامعات ايمانا منها بان النهوض بالبلاد يتم العلم والتعليم، في الوقت الذي لاتزال فيه بلاد الرافدين مهمومة بغياب الخدمات والكهرباء والماء الصالح للشرب.

عندما قرر الحزب الشيوعي الصيني عام 1978، ان يعين دنغ شياو بينغ قائداً أعلى للحزب والدولة، بدأت آنذاك حركة إصلاحية كبرى غيرت مسار الصين المعاصرة بصورة جذرية.

كان شياو بينغ قد أدرك أن التنمية هي فرصة بلاده الوحيدة، فتبنى مبدأ العمل المتواصل ريثما تلحق الصين بركب الدول. لكن المعجزة الصينية لم تتحقق نتيجة عمل قلة متربعة على القمة، بل إن الشعب الصيني كله شارك في العزم والتعليم لإثبات قدرته على النجاح. ليست أسطورة أو خرافة أن الصينيين يعملون كفريق أو شركة واحدة، فلكل فرد دوره المحدد ومكانه الدقيق والمناسب. يقول توماس فريدمان: "إن المشكلة التي تقلق الأمريكان، أنهم يواجهون شعباً من المهرة والمتعلمين جيداً ".

اعتقد الكثيرون في الصين ان دينغ شياو بينغ لن يكون إلا شخصية عابرة. ولكنه خيب ظنهم، عندما أطلق حملة كبرى تهدف إلى تحديث البلاد، حيث أبدى تأييده لحزمة جديدة من الإصلاحات الاقتصادية قضت على نمط الاقتصاد الاشتراكي، واستبدلته بنمط من اقتصاد السوق يخضع لسيطرة الدولة. وعندما رحل عن عالمنا عام 1992، كانت أصبحت الصين قد تحولت الى عملاق اقتصادي .

في شبابه تعرض دينغ شياو بنغ إلى الإقصاء والسجن، لكن ما إن سنحت له الفرصة أن يشارك في بناء بلاده، وليخرج على الشعب قائلاً: "سوف نكمل بناء الصين ولكن من خلال العمل فقط، لا من خلال المنشورات".. لم يشتم ماو الذي سجنه وأقصاه.. ولم يطالب باجتثاث كل من عاش في زمن ماو.

قال دينغ شياو بنغ أول خطاب له بعد استلامه السلطه إن الخطر الأكبر الذي يواجه الصين هو أن يتوهم بعض قادة الحزب بأن المال العام يمكن أن يتحول إلى مال خاص، في الوقت الذي لا يعرف المواطن العراقي حتى هذه اللحظة كيف تحولت موازنات الدولة إلى مصرف جيب لقادة العراق.

***

علي حسين

في المثقف اليوم