مقاربات فنية وحضارية

جورجيو كيريكو والفن الميتافيزيقي

khadom shamhodجورجيو كيريكو 1988-1978 Giergio Chirico- من رواد الفن الحديث ولد في مدينة فولوسvolos ببلاد اليونان، والده ايطالي الاصل من مدينة باليرمو – صقلية – يعتبره البعض الممهد الاساسي للمذاهب الفنية الحديثة ومنها المدرسة السريالية التي شقت طريقها في اتجاهاتها الرمزية و المعتمدة على اللاشعور .. وقد بنت هذه المدارس التقدمية الحديثة تنظيراتها الفكرية على مبدأ ميتافيزيقي ..

 

فلسفة المثل والفن:

كان موضوع الميتافيزيقية قد طرح في زمن فلاسفة الاغريق .. وحكم افلاطون على ان الفن لا يمثل سوى مظاهر الطبيعة .. وانه محاكات للطبيعة والطبيعة نفسها هي محاكات للاصل لمثالها ... فالجميل عنده يتدرج من الجمال الحسي الى الجمال العقلي او الروحي الذي يبلغ ذروته في الانسان عن طريق الاقتراب من الجمال المطلق .. وتتلخص نظرية افلاطون بان النفس الانسانية موجودة بصورة مستقلة عن البدن في عالم المثل وكانت تملك معارف كونية . ثم نزلت وحلت في البدن واصبحت ترى مظاهر الاشياء التي كانت تمثل الحقائق الازلية الخالدة في ذلك العالم ..

733-khado

وقسم افلاطون الشكل الجميل الى نوعين الاول الشكل النسبي والثاني الشكل المطلق والشكل النسبي هو الشكل الذي كانت نسبته او جماله موروث في طبيعة الاشياء الحية وفي طبيعة الصور المقلدة للاشياء الحية .. اما الشكل المطلق فهو يعني عنده الخطوط المستقيمة والمنحنيات والسطوح والاشكال الصلبة وامثالها .. وهذه الاشكال جميلة بطبيعتها ... وكلما تخلصت الروح من المادة اقتربت من الحقيقة، وهذا ما سلكه الفنان الروسي كاندنسكي في اشكاله التجريد ية للوصول الى المطلق ..

 

الفن الميتافيزيقي:

733-khado1ن المبدأ الميتافيزيقي بقى قائما في الفن الحديث واعتبر الاساس الهام الذي تقوم عليه نظريات المذاهب التقدمية الحديثة، لان الفن الحديث قد هدم القيم الاخلاقية والجمالية وابقى على الماهية او لماء وراء المادة والذي اصطلح علية بالمطلق .. وقد ظهر هذا التيار بين اعوام 1910 و1915 ورغم ان هذا المذهب لم يدم طويلا واختفى ولكنه يعد من اهم الينابيع في تصوير القرن العشرين .. ويعتبر كيريكو في طليعة المصورين الميتافيزيقيين وهم قلة . درس الهندسة المعمارية والتصوير في اثينا، ثم كرس كل وقته للتصوير، بعد ذلك اخذ يتنقل بين الدول الاوربية ووصل الى باريس عام 1911 وهناك عرض اعماله التي اطلق عليها اسم – اسماء الغازواحاجية الرمزية – وكان بيكاسو قد علق على اعمال كيريكو (انه اكثر المصورين ادهاشا في زمنه) وقد تكونت بين الاثنين علاقات طيبة . وكان اثناء اقامته في ميونخ درس عن فلاسفة الالمان امثال نيتشة وديكار وشوبنهاور وغيرهم، مما عمق افكاره الفلسفية وطروحاته الفنية . عاش كيريكو حياته عاشقا للآثار باعتباره قد درس الهندسة المعمارية . كما ان ما يشاهده من احلام صدى في اعماله الفنية واستطاع بحسه العميق ان يكشف الغموض عن الخيالات والاشباح المقنعة .. وقد قادته تأملاته الفلسفية الى ان ما يراه من الناس والاشياء انما هي مظاهر تخفي ورائها الكثير من الحقائق ...كانت اعمالة تثير التامل من حيث العمق والفنتازية الخيالية، كما نجد انها تحملنا الى آفاق بعيدا عن عالم الواقع .. وهي التي مهدت الطريق الى ظهور التيار السريالي ..

 

التقنية:

لقد استفاد كيريكو من المدرسة التكعيبية من ناحية التكوينات والالوان تلك التي كان يستعملها بيكاسو وبراك .. ورغم ان هذه المدرسة ظهرت في باريس الا انها وصلت الى ايطاليا خلال الحرب العالمية الاولى . واصبحت تستخدم - المانيكان الخشبي – في اوضاعها ومبادئها الفنية كرمز واحجية .. والذي يعتبر من اهم السمات لهذه الحركة . والمانيكان هو نوع من الشكل المجسم او تمثال، الذي يستخدمه عادة الخياطون لتفصيل الملابس او تستخدم لعرض الازياء في المحلات التجارية .. وقد وظف كيريكو المانيكان الخشبي في اعماله عاريا او مكسوا والذي نراه شاخصا في اغلبها، و يستخدم ايضا في تكويناته عناصر فنية متنوعة سواء كانت من بقايا اثرية او من الاشخاص . وكذلك نشاهد صور واشكال ورموز من الاحلام متداخلة ومتراكبة نفذت باسلوب المفكر المتأمل .. وفي اعماله نرى ايضا ان الزمان والمكان مفقودين وليس لهما اثر، كما نرى انعدام للحركة، مثل لوحته – لغز مساء الخريف – حيث نشاهد تمثال اثري محطم على قاعدته قرب بعض المباني التي يطغي عليها الحزن . وكذلك لوحته – النسبة الزائفة – والتي نشاهد فيها رمزه المانيكان .. حيث يسود اعماله الصمت والحداد .. وفي احد اقواله (نحن الذين ندرك رموز الابجدية الميتافيزيقية، نعرف اي سرور واي حزن مبعثه تلك البواكي القائمة في ركن من الطريق ....) (انني انا وحدي .. قد بدأت القي شعاعا من الضوء يمثل اول علامة لفن يعتبر اكثر اكتمالا ... بل بالاحرى اكثر ميتافيزيقية ..) .

ثم جاء من بعده فنانا آخر سلك نفس المسلك والاسلوب في تقنياته وطروحاته الفلسفية التشكيلية يدعى كارلو كارا Carlo Cara 1881-1966 وقد اعلن عن موقفه ذلك بقوله (اننا نحن المصورون الميتافيزيقيون انما نعمل للابقاء على الحقيقة ...) . ولكن لم تدم هذه المدرسة طويلا فسرعان ما تلاشت واختفت كما حدث ذلك للدادائية والمستقبلية، ويعوز ذلك حسب بعض النقاد الى غموض الهدف والدقة الزائدة في الرسم كما لم تتمكن من توسيع بحوثها الفكرية الى جانب المجهودات الادائية ولم تكن الحركة ناضجة بعد في بحثها الميتافيزيقي ..

 

د. كاظم شمهود

 

في المثقف اليوم