مقاربات فنية وحضارية

الملوك = (صُنّاع القرار) حينما يعملون

583 الملوك1الملك (أورنمو) السومري حاكم مدينة (أور) يحمل على رأسه إناء أو (سلة من التُراب) = (طاسة مال عمّالة) دلالة على مُشاركة (الملك) = (صانع القرار) لشعبه في البناء والاصلاح والإعمار كي يُشيّد زقورة (اي كور) قبل (٢٠٥٠ ق. م) في مدينة (نفر) المُنحدر توليفة لفظها من اللفظة السومرية (نيبور) التي ورد ذكرها في الأساطير السومرية والأخبار البابلية.

كانت (نيبور) مركزاً لبلاد سومر وثقافتها.

لم يكن (أورنمو) يحمل (الطاسة) للدعاية لأنها لم تكن من وسائل الترويج الإعلامي من قبل، فلم يكن هُناك (تلفاز) ولا (فيس بوك) ولا ولا ولا...

في سُلالة أور الثالثة (٢٠٠٠ ق. م) أعاد (شلكي) ثاني ملوك هذه السُلالة بناء الزقورة (المعبد). ووجد تحت أسسها سبعة من الآجر المطلي بالزفت داخل كُل منها تمثال من البرونز للملك (شلكي) وعلى رأسه سلة من التُراب ليضع الحجر الأساس للمعبد.

ما يجدر ذكره أنه لم يُكتب من قبل أن زقورة (إي كور) في مدينة (نفر) = (نيبور) قد وضع حجر اساسها (أورنمو) ولا (شلكي).

لم يُشر بأي لوح طين على أن العمل بها قد أُهملَ، إنما كُل ما تُشير له (الحفريات) الآثارية أن العمل فيها كان على قدخ وساق، ولم ينشغل الملك (صانع القرار) بتصوير الإعلان ونقل وسائل الإعلام له، لغيابها في ذلك الوقت أولاً، ولحرص صانع القرار على أن تُدون أفعاله لا أقواله ولا إظهارها بمشهدية لا مصداقية لها في (المابعد) من حياته السياسية.

583 الملوك

من بنى الزقورة (المعبد) عراقيون من دون الاستعانة بشركات ولا مكاتب استشارية عربية أو أجنبية، ومن دون توأمة ولا أتمتة، بل ومن دون عناء في كسب رضا جامعات الدُنيا لو كانت هُناك جامعات، إنما كُل حضارات الدُنيا يطيب لها أن تنهل من معارف أرض (بلاد ما بين النهرين)، فلا جوّدة ولا أداء يُتقنُها البعض قبل اتقان أبناء الرافدين لها.

صناعة التاريخ وبناء حضارة مُثلى إنما يشترك بها صاحب القرار (الحاكم) مع الجماهير، فكُلما زادت اواصر الثقة بجدّيته في العمل تجد الجماهير أكثر إلتصاقاً به.

إبحث عن ذاتك في فضائك الاجتماعي والجغرافي لا تبحث عنها في فضاء آخر، فأنت من تجود وأنت من ينبغي عليك الإجادة في العمل، وستجد كل دُعاة الجودة والأداء يضعون نتاجك مقياساً للنجاح.

نحن بُناة الحضارة فلا نستجدي أحداً في (الاعتراف) إن عملنا بما كان يعمل به الأجداد السومريين والبابليين والآشوريين ومن بعدهم المُسلمين في نتاجهم الحضاري في العصر الذهبي (العباسي).

كل أمم الأرض كانت تبحث عن (اعتراف) منّا، وهذه حقيقة تاريخية وليس تمشدقاً بنتاج الماضي، وهي ليست دعوّة اتبناها للعودة للماضي والركون عليه، إنما هي دعوّة للثقة بالذات وترك نزعة الاستجداء للحصول على (اعتراف) الآخرين بنا، لأن العمل الجادّ أُس النجاح، وفي كل نجاح يتلوه نجاح ستجد الآخرين يضعون رؤيتك للتنمية مقياساً لتحسين الفكر والعمل، وستكون مُتبعاً لا تابعاً، ومُقلَداً لا مُقلِداً، وتلك من مظاهر التقدم عند الأمم التي يُجيد العمل عليها وإنجازها (الملوك) = (صُنّاع القرار) الذين يعرفون قيادة مُجتمعاتهم كي يكونوا قادة لا مقودين.

 

د. علي المرهج

.........................

ملاحظة: المعلومات التاريخية والآثارية مأخوذة من كتاب (نفر) للدكتور فرج بصمه جي مُدي المُتحف العراقي، مطبعة الربطة ببغداد، ط١، ١٩٦٠.

 

في المثقف اليوم