حوار مفتوح

المثقف في حوار مفتوح مع الأديب ا. د. عدنان الظاهر (4)

  

حمودي الكناني: أديب وقاص / العراق:

لم أعرفه من قبل ولم اسمع به ولربما هذا لأننا ننتمي الى جيلين مختلفين وننحدر من بيئتين مختلفتين هو من بيئة حضرية عُرفت بصفاء هوائها ورقة وطراوة اهلها وسعة ثقافتهم تلك هي الحلة الفيحاء هكذا كان يلقبها الناس وأنا من قرية كانت تغفو على ضفة الفرات القريبة من الصحراء تبعد عن الحلة بمائة وثمانين كيلومترا .عدنان الظاهر او كما هو اسمه في اوراقه الثبوتية عدنان عبد الكريم ظاهر الظاهر ..كنتُ مرةً اخطأتُ باسمه في تعليق على احدى قصائده إذ كتبتُ عدنان الطاهر فرد معلقا ومازحا الحمد لله الذي ابدلت الظاهر بالطاهر وعدنان الطاهر صديقي ايضا يا حمودة قالها مازحا ..... عدنان الظاهر لا يعلق على كتاباتِ الاخرين مهما كان شكلُها ولونُها وطعمُها ولكنه يرد على التعليقات التي تصله بروح لا تخلو من الفكاهة واللكز بالضحك .... أحببتُ هذا الرجل وكأنني أعرفه من زمانٍ بعيد أو أني وجدتُ فيه احدَ اساتذتنا في كلية التربية في جامعة بغداد - قسم اللغة الانكليزية حينما كان يطيب له الجلوسُ معنا في نادي القسم آنذاك لنسمعه الابوذيات والدراميات وانواع الشعر الشعبي و (القصيد أو الكصيد) البدوي الذي كنتُ وما زلت اجيد إلقائه .عدنان الظاهر هذا الشيخ الشاب حدثتني عنه العصفورة طويلا وقالت أني أعجب لقدرتك على تحمل هذا الشخص المتقلب المزاج (اللي ألله ما يجرعه) فأضحكتني وضحكتْ هي الاخرى طويلا عندما اخبرتها انه يغار مني لكنها في الآخر قالت كم هو محظوظ أنت تحبه وهو يحبك جدا .... وكان قولا صائبا فأنا احببت الرجل لأنني رأيت فيه جيلا كاملا من ابناء العراق الرواد النجباء الذين جعلوا من انفسهم شموعا انارت طريق الاجيال ومشروعا علميا رصينا... سلمتُ عليه لأول مرة في شباط 1961 وأنا تلميذ في الرابع الابتدائي في حينها فحنَّ لي ورق قلبه وقال لي يا فتى أ جئت توقظ في عمك عدنان ما أبعدت ذكراه السنون؟ لكنه أخيرا بسط يده لأضع اصابعي فيها وسحبني اليه فسرنا سوية عبر شوارع وازقة السنين المتعرجة فوجدته خلال هذه الرحلة الطويلة مزيجا غريبا من الضحك و المرح والفرح والحزن فكان بحق مصداقاً للصورة التي رسمتها احدى الذيقاريات في ومضتها

 

بيه فرح بيه حزن واثنينهن يردن دمع

والفرحة مدري بيا كتر لاشوفها ولا تنسمع

كنت خلال هذه الرحلة كثير التلفت يمينا وشمالا وبين الحين والحين أحك فروة رأسي لعل ما في داخله يوقظ فيَّ ما يجعلني انتصر للسؤال الذي يرقى لمخيلة هذا الانسان الوقر الضحوك:

والان اقف حائرا متلعثما كيف اتحاور مع هذا العملاق الذي يلين بطيبته كل قاس غليظ .... ولهذا رأيتُ من المناسب أن أعزف على وتر ستطرب له روحُه عند سماع نغماته حزينة كانت ام مفرحة ..... هكذا رافقت عدنان عبد الكريم الظاهر من شباط 1961:

س30: حمودي الكناني: استاذي الكريم يا ابن عبد الكريم ماذا أراد عنترة أن يقول لعبلة بــ:

هلا سألتِ الخيل يا ابنة مالك.............

أرحني رعاك الله ولا تبخل بما تدخره من غمز وضحك وماذا لو استبدل الابنة بالأب؟

ج30: د. عدنان الظاهر: أراد أنْ يقولَ ما قال المتنبي بعده بقرون:

الخيلُ والليلُ والبيداءُ تعرفني

والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقلمُ

تمام يا حمودي يا شكسبير وأنا غيرُ دارٍ؟

 

س31- حمودي الكناني: مطلع ستينيات القرن الماضي كان حافلا بالأحداث الجسام، الصراعات على اشدها فماذا تدخره ذاكرتك عن شباط 1961، عن القائمة المهنية الديمقراطية وماذا جرى لك وأنت احد مرشحيها البارزين؟

ج31: د. عدنان الظاهر: كتبت مطوّلاً عما جرى لي خلال إنتخابات عامي 1961 و 1962 وأكيد أنت قرأتها وربما تأثّرتَ بها لأنك مثلي رجل يمتهن التعليم . التفصيلات موجودة بسخاء في الجزء الأول من مذكراتي فما عسى أنْ أضيف يا كناني؟ إذا اختصرتُ في إجاباتي عاتبني الأستاذ ماجد الغرباوي المخرج من وراء الكواليس .. وإذا أطلتُ ضجرتُ وعانيتُ من الملل وأنا رجل يحب التغيير وضد الركود والهمود والسبات الشتوي .

كنتُ أحد مرشحي هذه القائمة لإنتخابات نقابة المعلمين في لواء الحلة (محافظة بابل) وكنتُ كذلك ممثلها والمنسق العام واللولب النشط المُحرك . نالني جرّاء ذلك ما نالني من أذى وملاحقات واعتقال ومحاولة قتل في وضح النهار صممها وخطط لها متصرف (محافظ) الحلة يومذاك ونفّذتها عناصر كانت محسوبة على البعثيين والقوميين وفلول العهد الملكي . ذكرتهم في مذكراتي بأسمائهم .. كما لعب ضابط الإنضباط وقتذاك الملازم شريف صبيح أدواراً خطرة لإفشال جهودنا وإجهاضها في سعي محموم منه لترجيح كفة القائمة الأخرى المنافسة، قائمة الجبهة القومية التي نجحت في الثامن من شهر شباط 1963 في قلب نظام الحكم وقتل عبد الكريم قاسم وإغراق العراق بالدم والموت كما هو معروف . وثّقتُ هذه الأمور في جزء كامل من مذكراتي فكيف أختصرها في هذه الرقعة الضيقة؟

 

س32- حمودي الكناني: (كلب إبن الكلب .. سرسري .. هتلي .... شيوعي ... كافر .... زنديق .....) هذه شتائم عراقية بامتياز قد سمعها الكثير الكثير ممن كانوا طلائع للمناضلين وقد تلقيتَ مثل هذه الشتائم انت نفسك فأين ومتى كان ذلك ولماذا يحصل كل هذا في بلد تغلب عليه الأسلمة وتتدعي كلُّ أطيافِه الوطنيةَ؟

ج32: د. عدنان الظاهر: كال لي هذه الشتائم جندي مخابرات أسمه إبراهيم السامرائي في مديرية شرطة الحلة وسط المدينة ... إختطفني من الشارع وكنتُ مع بعض الزملاء نناقش شروط ومستلزمات وتحديد مكان الإقثتراع مع ممثلي قائمة الجبهة القومية وحضر الملازم إياه ذلك الإجتماع ثم لفّق ضدي تهمة وجلبني أمام المحاكم بعد جرجرات ومضايقات منها إستدعائي لمركز الشرطة بعد الثانية عشر ليلاً حيث طلب مني المفوض الخفر كفيلاً وإلا سأمضي تلك الليلة موقوفاً ! خابرت المرحوم والدي فحضر يسعى لاهثاً يتعثر في الظلام وكان في السبعين من عمره حينذاك . كفلني ومضينا معاً لبيتنا لا من تاكسي ولا عربانة / ربل في ذلك الوقت .

 

س33- حمودي الكناني: من هو صاحب حداد وما هو فضله عليك وكيف اصبحتم اصدقاء فيما بعد؟

ج33: د. عدنان الظاهر: إنه المربي الفاضل الأستاذ صاحب حدّاد أحد مرشحي قائمتنا والموظف الكبير في وزارة المعارف (التربية) يومذاك . نزل عليَّ من السماء العاشرة في أحد المواقف الإستثنائية الأهمية حيث رفض مدير البعثات محمد المشاط الموافقة على تمتعي بالزمالة الممنوحة لي للدراسة في جامعة موسكو . إستدعاني الراحل من طرف خفي وما كنتُ أعرف من هو ... إستدعاني إلى مكتبه المجاور لمكتب المشاط .. أخذ عريضتي كتب عليها " موافق " .. ختمها وأعادها لي وأنا غير مُصدّق ! وهكذا وبفضله غادرت العراق فجر السادس من شهر آب 1962 للبحث والدراسة في موسكو وبهذا نجوت من موت أكيد كان سيصيبني في إنقلاب شباط 1963 .

 

س34- حمودي الكناني: (ليالي الانس في فيينا.....) الاغنية الشهيرة للمطربة الراحلة الاميرة اسمهان وأنت الشرقي القادم من بلاد محافظة كل شيء فيها " تابو" حتى عبارة "شلونك حبيبي " هل وجدت فينا عندما حللت فيها بين 6 - 22 أب من عام 62 كما غنته الاميرة الراحلة اسمهان؟

ج34: د. عدنان الظاهر: بل وأكثر ! كانت تلك المرة الأولى التي أغادر فيها العراق لأقع في إحدى العواصم الجميلة التي بهرتني إلى حد لا يوصف .. أخذتُ كامل مدايَ في فيينا وفعلتُ الأعاجيب وحققتُ ما كنتُ تخيلتُ في مجمل حياتي يومذاك وأنفقتُ الكثير فما هي الحياة بدون إنفاق؟

 

س35- حمودي الكناني:Grinsingقرية قريبة من فينا هناك يستطيع المرء احتساء النبيذ الاحمر ويتلذذ بطعم الدجاج المشوي عمي العزيز عدنان - تدري شكد احبك واحب الورد جوري عبنه بلون خدك - وأنت عائد من هذه القرية بعد الساعة الثالثة من بعد منتصف الليل ماذا حدث بينك وبين السائحة الفلندية التي كانت جاراتك في المقعد؟

ج35: د. عدنان الظاهر: لقد حدث ما حدث في تلكم الليلة التي حفظتَ أنت تفصيلاتها ... شربت الكثير من النبيذ الأحمر القاني مع الدجاج المشوي والمعتّق بعصير الثوم . لا أدري كم دورقاً عببتُ من النبيذ (يقدمونه بدوارق زجاجية مخروطية) وكم نصف دجاجة مشوية أكلت . غادرت المكان الصيفي لا أعرف هل كنتُ أمشي للأمام أم للخلف ! ركبت الحافلة الأخيرة التي تغادر إلى مركز مدينة فيينا بين الصاحي والنائم . أيقظني ضجيج وغناء نسوة جئنَ معاً للإستمتاع بذاك المكان / المطعم والمقهى معاً.

فتحتُ عينيَّ وإذا بسيدة شقراء فارعة الطول تجلس جنبي وتشارك الباقيات الغناء بلغة لم أسمعها قبلاً . سألتها من أنتم ومن أي بلد أتيتم؟ قالت من هلسنكي عاصمة فنلندا . كانت تغني وأنا أتملاها وأتمناها مثل معيدي لندن !

قلت لها " أحبّكِ " بالإنكليزية .. لم تتأخر في إجابتها فقالت: أنا كذلك أحبّك ! قلت لها على الفور إذاً نلتقي في ساعات الصباح المتبقية أو في أي وقت تشائين . قالت للأسف ... سنغادر فيينا اليوم بعد الظهر . لعنتها مع نفسي وشتمتها بالشتائم العراقية التي نعرف وتساءلتُ: قالت لي هذه الشرموطة أنا كذلك أحبّك لكنها أعرضت عن رغبتي في أنْ نلتقي معاً ... لعنت أوربا وشككتُ في مدنيتها ! قصة مُضحكة مثل قصص ألف ليلة وليلة .

 

س36- حمودي الكناني: من هي Lilly ? وكيف تعرفت عليها وهل كنت تتمنى ان تدوم معرفتك بها؟

ج36: د. عدنان الظاهر: كنت أتمشى قريباً من ضواحي فيينا وفي أخر النهار .. قفلت راجعاً إلى مركز المدينة لأرتاح قليلاً وأستحم وأستعد لجولة ليلية أخرى . صادفتني هذه الفتاة فحسبتها ملاكاً ولا أدري لماذا . حييتها وعرضت عليها أنْ نرتاد إحدى دور السينما فوافقت على الفور . في السينما حيث كنا جالسين أحدنا لصق الآخر لفتت نظري أنها لا تُطيق سماع صوتٍ عالِ .. فمع كل صوت عالٍ كانت تصرخ وترتجف وتستغيثُ بي فأقرّبها مني وألتصق بها ليفارقها خوفها . إنتهى الفيلم فعرضتُ عليها أنْ نواصل التمشي حتى الشقة التي مكثتُ فيها فوافقت . حلَّ المساء فدعوتها لطعام العشاء في مطعم مجاور لشقتي . لم ترفض الدعوة . أكلنا وقصدنا شقتي فحيرتني ... لم تكن خائفة ولم تتحوط لما قد يحدث لها هي بصحبة شاب غريب لا يعرف لغتها وكنا نتواصل باللغة الإنكليزية . إنهارت فجأة عزيمتي وغلبتني النخوة والشهامة الشرقية فأشفقت عليها ثم عرضتُ عليها أنْ نغادر الشقة وأنْ أصطحبها حتى مكان سكنها . وافقت ! ما كان سرّ تلك الشابة النمساوية التي لاحت لي كملاك شاحب الوجه برئ إلى أقصى حدود البراءة؟ كانت تلك ليلي .. تركت معي رقم تلفونها على أنْ نلتقي اليوم التالي . جاء اليوم التالي فخابرتها على الرقم الذي تركت معي فجاءني الجواب باللغة النمساوية وما كنتُ أفهم شيئاً منه ... أنا أتكلم الإنكليزية فيأتيني الجواب باللغة الأخرى حتى يئستُ فأقفلت التلفون . كنتُ في طريقي إلى موسكو لذا ما كان وارداً أنْ أبقى معها أو أن أقيم معها علاقة متينة وما كنتُ مقتنعاً أنها تصلح لي خاصة بعد ما رأيتُ من ظاهرة خوفها وهلعها من الأصوات العالية .

 

س37- حمودي الكناني: في موسكو المدينة التي كانت تداعب خيالك ازدحمت عليك الدروس فاللغة الروسية جديدة عليك و لربما كانت صعبة التعلم لكني وجدتك صممت على تعلم الرقص، ما الذي دفعك الى ذلك، هل هو احساسك بالخجل امام تلك الفتاة في فينا أم أن روح الشباب وعنفوانه دفعا بك الى ذلك؟ ج37: د. عدنان الظاهر: الإثنان معاً . الرقص فن الناس المتمدنين في تلك البلدان. ثم إنه وسيلة جيدة للتعرف على بنات حوّاء . نعم، تجربتي الفاشلة في فيينا مع الفتاة الفرنسية الرائعة التي تورطتُ فدعوتها للرقص فاستجابت بسرعة أذهلتني . ما كنتُ أعرف فن نقل الخطوات ولا مطابقتها للإيقاعات الموسيقية لذا وجدتُ نفسي (أهبّش) تهبيشاً وعلى صدري تلك الغادة إبنة باريس وبرج إيفل فأجبرني الحرجُ على ترك الفتاة وحلبة الرقص والرجوع إلى طاولتي وطلب المزيد من النبيذ ! لم أتعظ ! طلبتها للرقص مرة أخرى فوافقت ولكن بشرط: قالت لا تتركني في وسط الراقصين والراقصات فأبقى وحيدة مُحرجة خجلى . قلت لها سوف لا أتركك هذه المرة !

أي نوع من الرقص تُجيد يا كناني؟ الحسجة أم الهجع أم؟

 

س38ـ حمودي الكناني: موسكو بلد الجمال والجميلات ومما سمعته من بعض الموظفين العراقيين وبعض الدارسين عسكريين او مدنيين انهم كانوا مستهدفين من قبل المخابرات الروسية بتسليط الجميلات لجر ارجلهم وكسبهم ليكونوا عملاء، سيدي الظاهر الجميل، أنت صريح بما يكفي هل وقعت في شراك واحدة او اكثر من ذينك الجميلات ..قل شي ولا تخبيش يا عدنان ..؟

ج38: د. عدنان الظاهر: لم أقع في شراكهنَّ لأنني ما كنت طيارا ولا ضابطاً . نعم، كان اليهود الروس واليهوديات نشطين جداً للتغلغل بين الطيارين العرب والمصريين بشكل خاص قبل وبعد حرب عام 1967 . لا علاقة للمخابرات الروسية بهذا الموضوع أبداً لأن الروس هم الذين يدربون الضباط والطيارين العرب ويعرفون عنهم كل شئ ويعرفون أماكن سكناهم وكان كل شئ تحت إشرافهم .

 

س39- حمودي الكناني: من خلال قراءتي لمذكراتك المنشورة في موقعك وجدتك ساردا بارعا ووصافا لا تضاهى لك القدرة على تصوير الحدث بمهارة المصور الحاذق والفنان المقتدر وقد اشرت لصورة التقطها لك مع خنزير الدكتور حسين قاسم عزيز استاذ التاريخ الذي درَّسنا مادة التاريخ الاسلامي المقررة لطلاب اللغة الانكليزية في الصف الاول عام 68-69 ... ومما كنت اتذكره ان الدكتور عزيز كان رئيس تحرير جريدة طريق الشعب، هل كنت أحد محرري هذه الجريدة او احد كتابها؟

ج39: د. عدنان الظاهر: ما كان الصديق المرحوم حسين قاسم عزيز رئيساً لتحرير جريدة طريق الشعب إنما كان رئيس التحرير إبن مدينتك الأستاذ عبد الرزاق الصافي .

نعم، كنت أحد محرري صفحة التعليم والمعلم في هذه الجريدة ولأربعة أعوام .

 

س40ـ حمودي الكناني: لاحظتُ أن لك جاذبية مع النساء فلقد كانت لك علاقات متعددة مع شابات روسيات و اوكرانيات وغيرهن جميلات جدا ... فهل انت محظوظ مع النساء ولك قدرة جذبهن دون غيرك من الشباب وهل كان مدعاة لغيرة الاصدقاء منك؟

ج40: د. عدنان الظاهر: إسأل السيدات إياهن ولا تسلني أنا ! إذا لم يلهُ الإنسان في شبابه فمتى يلهو يا كناني؟ الحياة مثل لعبة دومنة او أزنيف حيث تدور الأحجار قبل انْ تستقر . في مثل هذه البلدان لا بدَّ للإنسان ذكراً أكان أم أنثى .. لا بدَّ من عقد صداقات متفاوتة المستويات ... معرفة عابرة ... صداقة بريئة ... حب جارف ... زواج ... وكلّ مّنْ عليها فان .

 

س41 ـ حمودي الكناني: ما هي اسباب انهيار النظام الاشتراكي في روسيا بنظرك؟

ج41: د. عدنان الظاهر: الأسباب كثيرة نظّرها المنظرون وفلسفها المتفلسفون وداخ فيها المهتمون بالنظرية الإشتراكية وخاض فيها خصومها وما استقروا أو إتفقوا على جواب واحد . نشرتُ مقالة حول هذا الموضوع في موقع الحوار المتمدن . رأيي المتواضع جداً هو: غياب الدمقراطية وحرية الرأي الآخر والتعبير العلني عنه ... تدني مستويات الرواتب حتى يُضطر المواطن الروسي في ذاك الزمان أنْ يقبل بالأقل من القليل في دنياه من حيث المأكل والملبس وحرية السفر إلى خارج حدود الإتحاد السوفياتي حينذاك . ثم أضاف بعض المهتمين بهذا الموضوع مسألة سباق التسلح بين القطبين في حقبة الحرب الباردة التي كانت تستنزف الكثير من مال وإقتصاد وتكنولوجيا الإتحاد السوفياتي . أنا أضيف عبء بقية الأقطار الأشتراكية الذي كانت موسكو تتحمله من حيث التسليح ومدّها بالنفط والغاز وتوفير كفايتها من العملة الصعبة والدفاع عنها بوجه شراسة وحماقات واستفزازات حلف الناتو .

 

س42 ـ حمودي الكناني: ورد ذكرُ الكثير من الشابات في مذكراتك ؛ إيما، سونيا، عايدة زويا إيفا وغيرهن وفي التقديم لعلاقتك بالارمنية عايدة تقول الحظُ كالبراكين والعواصف ضربات فجائية غير متوقعه، ما الذي جعلك تقول ذلك؟ ج42: د. عدنان الظاهر: ندمتُ ... ندمتً أني عدتُ للعراق أيام حكم حزب البعص وجرى لي ما جرى وكان الأفضل أنْ أبقى مع الأرمنية عايدة أو بعدها مع الفتاة اليابانية التي خطبتني وعرضت عليَ الزواج منها والعيش معها في طوكيو . ضيّعتُ على نفسي هاتين المناسبتين وغيرهنَّ الكثير ولكن هل ينفعُ الندمُ وهل يُجدي؟ الفُرص التي تضيع هيهات أنْ تتكرر أو تعود .

 

س43- حمودي الكناني: وأنت تغرق في البحر الاسود جراء الشد العضلي الذي تعرضت له وكدت أن تموت غرقا بماذا كنتَ تفكر في تلك اللحظات؟ ج43: د. عدنان الظاهر: كنتُ أفكّر بنصيحة شقيقتي المرحومة نجاة لحظة توديعها ووالدتي في دمشق في أنْ لا أسبح في البحر ! هل كانت تتنبأ أو تتوقع أنَّ أخاها سيتعرض لمحنة حقيقية وهو في عرض البحر الأسود صيف عام 1966؟

لم أأبه أو أحزن لأني كنت قاب قوسين أو أدنى من الموت غَرَقاً لكني شعرت بتأنيب ضميري أني لم أصغِ لنصيحة شقيقتي العزيزة عليّ وما عساها أنْ تقولَ لو جاءهم خبر موتي غريقاً؟

 

س44- حمودي الكناني: لقد اقمت علاقات كثيرة مع فتيات جميلات جدا ومنهن من عرضن عليك الزواج، من منهن كنت تتمناها زوجة لك وهل انت نادم أنك لم تقبل عرض الفتاة اليابانية؟

ج44: د. عدنان الظاهر: أجبتُ عن هذا السؤال في جوابي الرقم 13 فهل تطلب مني إعادة ما قلتُ هناك؟ الفتاة الأرمنية كانت أستاذة في جامعة يرفان الأرمنية لكننا كنا نلتقي في موسكو وجامعة موسكو . أما الفتاة اليابانية فقد إلتقينا في أمريكا / ولاية كالفورنيا وأخوها عرضها عليَّ !

 

س45- حمودي الكناني: في معرض سردك عن الحادثة التي كادت ان تؤدي بك غرقا في البحر الاسود تقول: الزمنُ جراحٌ خطير الشأنِ وخبير يعرف كيف يعالج الجروح ويعرف اي عقارٍ يصلح لهذه العلة أو تلك، وأنا أتساءل هل عالج هذا الجراح العظيم الشأن جراحك أم ما زالت لم تندمل بعدُ؟

ج45: د. عدنان الظاهر: فعل الزمان فعل موضوعي يصنع ما يريد بمعزل عن إرادة وتمنيات البشر. لا من أحد يطلب منه معالجة جرح أو مساعدته على الشفاء منه . كان قصدي فيما سألت عنه أنَّ الجروح تندمل وتشفى بمرور الزمن ... الزمن يُنسينا حتى مّنْ نحنُ . جروح الإنسان نوعان نوع يعالج نفسه بنفسه فيتعافى المريض .. أما النوع الآخر من الجروح فإنها لا تشفى ولا تتعافى ولا تندمل فيألفها صاحبها ويتكيف لها ويتأقلم حتى يخال أنه شفي منها تماماً وتلك خدعة كبيرة . يتهربُ الإنسان مما يؤذيه فينسى أو يتناسى لكي تصفو له حياته .

 

س46ـ حمودي الكناني: ورد ذكر كثير من الاسماء منذ شباط 1961 منهم من كان في صفك ومنهم من كان ضدك وأراد لك الهلاك وقد ورد ذكر " و . غ . ق " و "صادق الجلاد" ما تأثير العلاقة بهذين الرجلين في خط سيرك في الحياة وقتذاك؟

ج46: د. عدنان الظاهر:  من هو غ. ق؟ تعرّفت على الصديق صادق الجلاّد في موسكو حين كان مذيعاً في القسم العربي من إذاعة موسكو وربطتنا علاقة حميمة قوية وما كان الرجل في العراق في أعوام إنتخابات نقابة المعلمين .

 

س47ـ حمودي الكناني: نحن في عام 1968 سنة الطيران من موسكو الى نيويورك وأنت تأخذ مكانك في الطائرة الى ماذا كنت تتطلع وماذا تركت خلفك في موسكو، هل تؤلمك الذكرى تسقط دمعتان على وجنتيك؟

ج47: د. عدنان الظاهر: تنازعتني وأنا في طائرة بان أمريكان الأمريكية متجهاً صوب نيويورك

... تنازعتني وتناهبتني خواطر وأفكار ومخاوف شتى كان من بين أقواها

ذكرياتي مع آخر صديقة روسية لي في موسكو " زويا " . ثم إعتراض الأهل على المشروع الأمريكي جملةُ وتفصيلاً . لكني رغم كل ذلك كنتُ سارحاً مع أحلام مختلفة في درجات وضوحها أني سأرى قارة جديدة وعالماً جديداً وسأبحث في جامعة جديدة .. لكنْ بقي الهاجس الكبير الآخر: هل أستطيع التكيف مع كل هذا وكل هذا كان عليَّ جديداً؟ هل سأصبر على الحياة الجديدة وأقبلها بديلاً عن الوطن والأهل؟

 

س48- حمودي الكناني: ها وقد نزلت في العالم الجديد "امريكا " وقد رأيت ما رأيت وواجهت ما واجهت، كيف توضح لنا من وجهة نظر العالم والأديب الفرق بين سلوك ومشاعر الروس وسلوك ومشاعر الامريكان إذا أخذنا نيسميانوف ورولاند مثالا؟

ج48: د. عدنان الظاهر: عايشتُ الفروق الكبيرة ما بين جامعة موسكو وجامعة كالفورنيا في منطقة إرفاين من حيث الفروق بين أستاذ روسي وآخر أمريكي حيث كان البروفسور الروسي مثالاً للأخلاق والنزاهة والبساطة والإستعداد للتعاون والمساعدة .. كان أباً لي حقيقياً . ما كان الأستاذ الأمريكي كذلك كان بارداً في علاقته معي كان يتدخل أحياناً في بعض شؤوني الخاصة فقد سألني مرةً بكم إبتعتُ سيارتي؟ لم يعجبني سؤاله ذاك وما كنتُ أتوقعه منه . أما جوانب البحث العلمي في حقول كيمياء التحولات النووية فكانت الجامعة الأمريكية أفضل من حيث وفرة الكيميائيات وحداثة أجهزة البحث وسرعة تصليح أي خلل يطرأ على هذا الجهاز أو ذاك . وكنتُ مخوّلاً حتى بطلب أية مادة كيميائية تختص بأبحاثي من الشركة المنتجة .. وهذا أمر لا وجود له في جامعة موسكو . كانت مفاتيح الجامعة الأمريكية في حوزتي أفتح أي باب أشاء وأدخلُ اي مختبر أشاء وأواصل بحثي في أية ساعة أشاء سواء في الليل أو النهار . في موسكو كنا نوقف الأجهزة ونطفئ الكهرباء ونغادر مختبر البحث في الساعة السابعة مساء .

 

س49- حمودي الكناني: تقول في مذكراتك:

قطعتُ خطوط الرجعة الى أمريكا ونبذتها ظهريا بعد ان كادت ان تكون لي وطنا وبلدا امنا فيه حريتي وفيه عملي ومستقبلي ثم كرامة وكبرياء الانسان المستقل التي لم اجدها في وطني

ثم في الوطن وجدت صنوف العذاب والتمييز الطائفي والوظيفي والأكاديمي" والصورة مازالت هي كذلك مع الأسف وسؤالي هل كنت تظن أن نظام البعث في العراق سيفتح لك ذراعيه ويستقبلك بالترحاب ويستوظفك في المكان المناسب من باب الرجل المناسب في المكان المناسب، هل غابت عنك أحداث شباط 1961 وما تعرضت له على أيدي " القومجية "؟

ج49: د. عدنان الظاهر:  تركتُ أمريكا تحت ضغط الأهل ثم حين عدتُ للوطن الحبيب ندموا أنهم ضغطوا واستدرجوني للمقصلة ... أخي المرحوم جليل كان أكثر أهلي تطرفاً في الضغط عليَّ للرجوع للعراق ولم يندم أنه أسرف وألحَّ في ضغوطاته تلك ... كان يريدني أنْ أبقى معه لأنه هو من تعهدني بالكامل في فترة معينة من حياتي في الحلة . كان لي بمثابة الأب والصديق فما كان عليَّ هيّناً أنْ لا ألبي ما طلب . خدع البعثيون الجميع في رجعتهم الثانية للحكم ... خدعوا الجميع أفراداً وفئاتٍ وأحزاباً ومارسوا الخداع حتى مع دول عظمى مثل الإتحاد السوفياتي .

 

س50ـ حمودي الكناني: أبا أمثل استاذي العزيز صحبتُك لا تُمل والمشي معك على شواطئ الذكريات يبعث في النفس راحة واستراحة وودت ان اختم الجزء الاول من اسئلتي بسؤال تجر نفسا عميقا وتغمض عينيك لدقائق ثم تجيب عليه:

ما الفرق بين الوصولية والانتهازية، هل يمارسهما الاذكياء أم اؤلئك الذين لا حياء لهم؟

 ج50: د. عدنان الظاهر: الوصولية هي فلسفة الإيطالي مكيافيللي صاحب فكرة أنَّ الغاية تبرر الوسيلة ... أي لا بأس للإنسان من ممارسة التعريص أو الدعارة ليكسب مالاً ... على سبيل المثال . أما الإنتهازية فإنها لعبة القرود حيث تتقافز بين أغصان الشجر وأنت تعرف نماذجَ من هذا النوع من البشر الذين يتنقلون من هنا إلى هناك يلتحقون بهذا السياسي ثم يخونونه ليلتحقوا بسواه وفي آخر أمرهم تنفد أساليبهم وتحترق أوراقهم لينكشفوا أشباه بشر ونفايات رجال .

أعذرني صديقي العزيز فإني أحسُّ كأني لم أوفر لك الإجابات الشافية على ما سألتَ .. وقد أكون مُخطئاً فيما قلتُ .

 

يمكن توجيه الاسئلة عبر الاميل الاتي

 [email protected]

 

للاطلاع

حوار مفتوح مع الأديب ا. د. عدنان الظاهر

 

 

خاص بالمثقف

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2269 الخميس 08 / 11 / 2012)

 

في المثقف اليوم