حوارات عامة

عماد العبادي ما بعد المحنة بقليل

مكابرا ومتحديا لتلك الرصاصات الغادرة التي كان هدفها إبعاده عن هذه الدنيا كصوت أعلامي مثابر ونبيل .

عماد العبادي واجه محنة الموت، وخزينه المؤلم في رأسه ووجدانه وروحه المتعلقة بكل ما هو عراقي أصيل بشجاعة واقتدار .. ربما لم ترتسم صورة في خياله المقبل على مجهول تغلفه ضبابية الموت، كما أرتسمت نخلة عابرة في سماوات الغيب التي دفعته إلى التوحد والإصرار على البقاء .

هاهو من جديد بعد أن تجاوز محنته بإرادة الله، صوتا عراقيا شجاعا من أجل الكلمة والحق، من أجل العراق والصحافة والأعلام، الذي نريده حرا صادقا معبرا عن آلام وهموم المتعبين الباحثين عن الخلاص، في عراق يخرج من بحور الظلمات إلى بحور النور، عبر أزمنة القهر والاستعباد أجيالا تعقبها أجيال، من خلال الكلمة النبيلة لأيام مليئة بالقسوة والحرمان، وأخرى حافلة بالنعيم والرخاء وعلى مر الدهور .

كنا نعتقد إننا لن نشاهده مرة أخرى في العراق لشدة الصدمة، وربما لن نسمع له صوتا مؤثرا في الساحة الإعلامية العراقية، ولكنه أثبت لنا وما يزال وشم الرصاص مرسوما على رأسه، بأنه ابن العراق واليه يعود ومعه باق دائما وأبدا .

أخي عماد قبل كل شيء حمدا لله على سلامتك وعودة ميمونة مكللة بالعطاء

 المستمر والنجاح الذي تستحقه دائما . أسمح لأسئلتي أن تكون طويلة بعض الشيء، وأرجو أن تكون الإجابة عليها بصراحتك المعهودة التي تخيف البعض وتسبب لك المشاكل أحيانا، وابدؤوها من حيث نقطة انطلاقك في عالم جديد لحياة جديدة أخرى كتبت لك مؤخرا. وسؤالي

 الأول هو :

 

* هل أيقظت الرصاصات الأربع التي اخترقت رأسك الجميل نبوءة نائمة فيه تحكي عن كونك كطائر العنقاء أو الفينيق عند الإغريق، الذي يوقد جذوة الرماد ويحيلها إلى شعلة متوهجة تمزق خيوط العتمة المهيمنة، في نفوس أتعبها الحزن .

- لله الحمد والشكر له قبل كل شيء وبعد كل شيء، هو الذي أمدني بقوة منه وجعلني أتجاوز حدود المحنة بقدرته عزوجل، وجهود الخيرين من أبناء العراق العزيز الذين كانت وقفتهم معي وقفة عز وإجلال، أتشرف بها وأكن لأصحابها كل محبة وتقدير.. وأسمح لي من خلال لقائك هذا أن أوجه الشكر والعرفان لكل من وقف موقفا نبيلا ولكل من قال كلمة صادقة ولكل وجدان اشتعل بالألم والتأثر تجاهي في محنتي تلك، وأعاهد الجميع على أن أكون بذات النفس الأول، وأن أقف بوجه المفسدين الذين يتلاعبون بالمال العام وأحاسبهم إعلاميا على ما بددوه من ثروات عراقية طائلة وأن أحمل كلمة الصدق في وجداني خدمة للعراق وشعبه الأبي كأعلامي وصحفي حر.

 

* بدايتك الإعلامية كانت مع قناة الديار الفضائية بعد التغيير مباشرة وكان برنامج (أفكار بلا أسوار) هو نقطة الانطلاق في عالم السياسة والأعلام في آن واحد هل أنا محق في ذلك أم أن مشاريعك الإعلامية الأولى خلاف ذلك؟

- لا أوافقك الرأي في هذا .. فقد عملت في الصحافة العراقية قبل سقوط النظام وكانت بداياتي كمعد للبرامج السياسية في إذاعة بغداد، إضافة إلى عشرات المواد المنشورة في صحيفتي الجمهورية والعراق، كما عملت بعد السقوط مباشرة كمدير تحرير لصحيفة (السلطة الرابعة) التي كان يترأس تحريرها الأستاذ الشاعر جواد الحطاب، بعد ذلك عملت في قناة الديار الفضائية العزيزة على قلبي ووجداني، وخاصة مديرها المربي الفاضل والأخ الكبير الأستاذ فيصل الياسري، الذي لا يمكن أن أنساه أو أتناسى فضله الكبير علي، وأعتقد جازما أن كل الذي أنا فيه الآن وبتواضع شديد يعود فضله إلى الأستاذ فيصل الياسري

 

* كان الصحفيون والإعلاميون الوطنيون في زمن الاحتلال وما زالوا أصواتا تحمل هموم الناس وتفيض بسيل من التجليات الإنسانية الغارقة في البحث عن الخلاص، وقد أتعبت تلك الأصوات الكثير من السياسيين الذين يبحثون عن مصالح خاصة بعيدا عن مصلحة العراق والناس .. وكان قلمك في هذا الاتجاه مميزا وحادا .. هل دفعت ضريبته من دمك الساخن وأنتهى الأمر؟ أم أن هنالك ضرائب أخرى تنتظر أصحاب الأقلام الوطنية ولا أبعدك عنهم؟

- لاشك بأن العاملين في الصحافة والإعلام، هم من يدفعون الثمن ويتحملون المسؤولية في ذلك .. لكنني بصراحة وجدت الدخلاء على الإعلام والذين يحاولون التصيد في الماء العكر وتقنص الفرص وهؤلاء هم من يسيء إلى المهنة وشرفها ..لكن الجزء الأكبر من الإعلاميين هم أصحاب أقلام شريفة وما زال صدى كلماتهم المؤثرة يملأ وجداني، ولن أنسى أبدا الأخ عماد الخفاجي، ذلك الإعلامي الرائع الشريف بكل ماتعنيه معاني الشرف من كلمات وقد ترك وظيفته، وهي استحقاقه الكامل وأقل من استحقاقه بكثير وذلك عندما وجد أن هيئة الإعلام والاتصالات تسير بشكل غير مقبول . أن مثل هؤلاء الإعلاميين وغيرهم الكثير مشاريع دائمة لضرائب دم لن تنتهي في أي زمن من أزمنة القهر والتعسف .

 

* ظهرت مسميات صحفية في العراق خارج نطاق نقابة الصحفيين كان لها الدور الأول في الدفاع والمطالبة عن حقوق الصحفيين والكف عن سياسة تكميم الأفواه التي تمارس ضدهم، وكان لك فيها دورا فاعلا .. هلا سميت لنا قسما منها، وما صفتك التأسيسية فيها؟

- ومن المؤكد أن يكون هنالك منظمات إعلامية أخرى غير نقابة الصحفيين تعني بشؤون الصحفيين ومتطلباتهم، لان ذلك قد ورد في الدستور العراقي، و لايجبر أي شخص كان على الانتماء لنقابة معينة، أو مجموعة ناشطة مهما يكن شكلها أو اتجاهها، وبالتأكيد أنا من الداعمين لمرصد الحريات الصحفية الذي يرأسه الزميل زياد العجيلي، كما أن هنالك الكثير من المنظمات التي تسير بهذا الاتجاه، وأنا من الداعمين لها أيضا .

 

* كيف تجد دور نقابة الصحفيين العراقيين في هذا المخاض العسير الذي يخوض فيه صحفيو وإعلاميو العراق في دوامة العنف والاحتلال والحاجة إلى قول الكلمة الفصل في كل شيء .. وهل أنت متقاطع مع النقابة أم سائر في ركابها؟

- أنا لم أتقاطع في يوم ما مع نقابة الصحفيين واحترمها وأجلها واحترم الأستاذ مؤيد ألامي نقيب الصحفيين العراقيين .. لكني أتقاطع معهم في بعض الأحيان وفي بعض الأشياء، ومن غير الوارد أن أحسب ضد النقابة أو نقيبها، وهذا غير صحيح على الإطلاق .

 

* هل تطمح في إعلامك السياسي إلى منصب رفيع في السلطة؟ أم إنها مسؤولية التطوير والأغناء وخدمة الناس لا غير؟

- أنا لا أطلب أو أتمنى أن احصل على ما ذكرت، فالمناصب لا تعنيني اطلاقا وهي بعيدة كل البعد عن طموحاتي، لأن هدفي الأساس هو خدمة أهلي وناسي وأحبتي عن طريق الأعلام الصادق النبيل، ودوري تنويري توعوي ليس أكثر .

 

* لقد كتبت لك حياة جديدة كما تعرف، وقد توقع البعض في هذه الحياة أن تكون بعيدا عن العراق وأجوائه الساخنة، وربما بعيدا عن الأعلام والسياسة حصرا، ولكنك ما أن أبصرت نور الشمس ثانية حتى كنت صوتا عراقيا خالصا في ذات المسار الذي سبق الحادثة .. ما السر في ذلك؟

* ليس هنالك أسرار بقدر ما إن هنالك حقائق يجب أن يطلع عليها الجميع،

 والحقيقة الأولى فيها هي عندما كنت تحت العلاج في ألمانيا، وقد زارني وفد من الخارجية الألمانية، وعرضوا علي البقاء في ألمانيا كلاجئ سياسي، لكنني رفضت ذلك وعدت مسرعا إلى ارض الوطن، الذي تربطني به أواصر أقوى من أن تفككها أية روابط أخرى، والأمر ينطبق أيضا على مهنتي في الأعلام التي أحبها واعشقها، كما أعشق فضح المتسترين خلف الجدران الكونكريتية، ونشر غسيلهم .. رغم أنني استثني البعض منهم واحترمهم .

 

* هل تشعر أن قناة الديار الفضائية لم تكن بقدر المسؤولية في محنتك، وأنها لم تقف الموقف الذي تستحقه معك كما فعلت قناة البغدادية مثلا في محنة منتظر الزيدي ومساندتها له حتى مرحلة الخلاص الأكيد؟

- ليس هنالك تقصير من قناة الديار على الإطلاق، ولقد وقفت معي وقفة شجاعة ومشهودة للجميع ..لكني رأيت أن أقدم برنامجي من القاهرة وبشكل مؤقت لحين استتباب الأمن، ولو لفترة قصيرة وذلك يعود لظروفي الخاصة التي تعرفونها، وكان هذا أيضا مقترح من العائلة كذلك..أما أن تقول لي بان الديار قد قصرت معي فهذا أمر غير وارد، واعتقد بأنكم شاهدتم كيف كان موقف الديار معي

 

 

* في (سحور سياسي) وحسب اعتقادي أنك تجاوزت برنامجك الأول (أفكار بلا أسوار) .. هل يكمن السر في قناة البغدادية وما تقدمه لك من دعم خاص، أم أنها بداية الانطلاق نحو أفق إعلامي سياسي جديد؟

- لاشك بان البغدادية تملك من التقنيات والأمور الفنية أكثر بكثير من قناة الديار لان الديار إمكانياتها محدودة..أما الانطلاق إلى الأفق الأوسع فهذا ما يحدده المشاهد مستقبلا .

 

* هل يصوم السياسيون عن السياسة؟ سؤالك هذا أصبح ترنيمة لسحور رمضان يردده الكثيرون .. ما الذي اكتشفته فيه من خلال لقاءاتك مع الساسة العراقيين، هل هم صيام عن السياسة فعلا؟ أم هم أبعد من ذلك بكثير؟

- اكتشفت بان الساسين لايعرفون ماذا يريدون، والى أين يتجهون، ولا كيف تدار بوصلة السياسة، وهم حائرون في أمورهم أكثر من الناس البسطاء، الذين أتمنى أن يعينهم الله على انقطاع التيار الكهربائي المستمر، وانعدام الخدمات والأمن المتردي و كان الله في عون الجميع .

 

* وصف بعضهم برنامجك هذا (بسحور حكومي) بدلا عن (سحور سياسي) كون أغلب محاوريك هم من الساسة الحكوميين . ما الذي ترده ..عليهم؟

- أعتقد أن اسم (سحور سياسي) اسم ممتاز، وقد اختاره الدكتور عون الخشلوك رئيس مجلس إدارة البغدادية شخصيا وليس (سحور حكومي) كما أراده البعض، لان اغلب الأشخاص الذين اشتركوا في البرنامج وسيشتركون فيه لاحقا هم من خارج الحكومة، واغلبهم ليس من سكان المنطقة الخضراء وكانت هنالك حوارات فكرية تخللت البرنامج خارج الإطار الحكومي .

 

* ساحة ( سحور سياسي ) هي المنطقة الخضراء حصرا وحسب ما أعتقد .. ألا يوجد سياسيون عراقيون متميزون خارجها يستحقون الحوار أم للضرورة أحكام؟

- كما قلت لك أن أغلب ضيوفي ليسوا من سكان المنطقة الخضراء، وسنستضيف في حلقاتنا المقبلة سياسيين عراقيين مهمين من خارج الحكومة والمنطقة الخضراء معا .

 

* من خلال لقاءاتك المتميزة مع أغلب الفرقاء السياسيين المؤثرين على الساحة السياسية العراقية .. ما الذي اكتشفته عن تشكيل الحكومة المقبلة وفي أي الخانات سيكون منصب رئيس الوزراء؟

- ما يدعو للقلق فعلا بان سفينة الدولة، ولا أقول هنا الحكومة، بأنها سائرة إلى المجهول ومن المحتمل جدا أن تتعرض للغرق يوما ما لا سامح الله .

 

* هل تخطط لبرامج إعلامية سياسية جديدة لقناة البغدادية الفضائية؟ أم أن لك عودة أخرى لقناة الديار وربما لقنوات فضائية آخر؟

-..اعتقد بان البغدادية محطة مهمة في حياتي واحترم الديار التي نشأت فيها وقدمت لها الكثير مثلما قدمت هي لي .

 

* هل تعتقد بكونك إعلاميا ناجحا؟ أم أن أمامك طريق طويل لتحقيق النجاح

الأكيد؟

- الناس هي من تحكم على ذلك والمتلقي مرآة الإعلامي الناجح من عدمه.

 

لا يسعني في ختام هذا اللقاء أخي عماد سوى أن أقدم لك جزيل شكري واحترامي على سعة صدرك ورحابته، وأمنياتي لك بالصحة الدائمة النجاح الأكيد في جميع أعمالك ومشاريعك الإعلامية والصحفية .. والى الملتقى في لقاءات أخرى إنشاء الله .

 

Zydan_98@ yahoo.com

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1503 الاربعاء 01/09/2010)

 

في المثقف اليوم