مدارات حوارية

د. صالح الرزوق يحاور: د. قصي الشيخ عسكر حول: الأدب في المهجر

saleh alrazukqusay askarفي هذه الحلقة من مدارات حوارية تستضيف المثقف الروائي والشاعر د. قصي الشيخ عسكر، وحوار شامل وصريح أجراه معه الأديب الناقد د. صالح الرزوق، فاهلا وسهلا بهما في المثقف.

 

لا يجوز الكلام عن الأدب العربي كمؤسسة دون التطرق لظاهرة أدب المهجر، ويبدو أن هذه الأمة ابتليت بهذا الداء ، وهو تبديل الأوطان، مثلما نغير ثيابنا وملابسنا، كل يوم وطن جديد ، وهذا يعني هجرة وخروج من المكان وصدام مستمر مع العادات والتقاليد وأنظمة المعرفة.

وإذا كانت أسماء جبران ونعيمة وعريضة هي التي أسست لهذا النوع الأدبي، فقد أعقب ذلك هجرات متنوعة. في المقدمة نزوح الفلسطينيين مرتين بعد النكبة والنكسة. ثم نزوح العراقيين بعد ثلاثة حروب مدمرة، والآن الظاهرة تتوسع لتشمل آفاقا جديدة لم تكن بالحسبان.

لقد أنتجت الهجرة، والمنفى السياسي، وأدب الرحلات، وهو نوع يختاره الكاتب بلا قسر، كمامن الأعمال، وهي بالطبيعة والضرورة، تتراوح بين المعقول والمتميز. ولكن في نفس الوقت توجد استجابة متواضعة سنتجاوز الإشارة إليها منعا للتحسس. فالأدب فن ذاتي وتختلف أساليب اساقباله وهضمه.

من هذه الأسماء التي عملت بدأب وصمت، مع أنها في الرعيل الأول من هذا الجيل، الدكتور قصي الشيخ عسكر (الأسدي). من مواليد البصرة. يقيم حاليا في نوتنغهام في إنكلترا – منطقة ميدوز. غادر العراق في وقت مبكر هربا من الطغيان. وتقلب بين عدة دول وعدة مهن. وأنتج خلالها أعمالا ذات طيف واسع: في الشعر، ثم في الخيال العلمي، وأخيرا القصة والرواية باتجاه يحب أن يقول عنه: الواقعية المستنيرة.

حازت تجربة الدكتور الشيخ عسكر على اهتمام محدود لا يرقى لما قدمه من مجهود وعطاء. وفي هذه الأسئلة والإجابات محاولة متواضعة لاستكمال الصورة.

 

س1: د. صالح الرزوق: ما هو مفهوم أدب المهجر، متى بدأ عند العرب وكيف تطور؟.

ج1: د. قصي الشيخ عسكر: تطلق الدراسات العربية التي صدرت في القرن العشرين، وكذلك المناهج التدريسية كلمة أدب المهجر على الأدب الذي أنشأه  عرب مهاجرون من بلاد الشام منتصف القرن التاسععشر إلى قارتي أمريكا الشمالية والجنوبية حيث كونت تلك الجالية المهاجرة صحفا ومجلات تهتم بهم وبأدبهم.

أما الشعر الذي أنتجه هؤلاء المهاجرون فله خصائص من حيث الشكل والمضمون كما تتحدث عنها المناهج المدرسية التي قرأناها في مرحلتي الثانوية والمتوسطة منها النزعة الروحية والحنين والتجديد في الموضوعات ، والتساهل في اللغة إلخ... ولا مجال هنا لتكرار ماذكره المهتمون  بتاريخ الأدب لأن الفكرة الأساس التي دارت حول الموضوع هي علاقة الشاعر بالمكان. المهجر والهجرة.. نلاحظ أن الشاعر في عصر ماقبل الإسلام كان يهاجر من المكان إلى مكان آخرفيقف ويستوقف ويبكي. إنه يقرأ فعل الزمن بالمكان، أماالشاعر المهجري فقد رحل إلى مكان آخر بعيد فكان يهدف إلى تحقيق ذاته بطريقة أخرى عبر الحنين والنزعة الإنسانية العامة وفلسفة الروح  وربما نجد مثل هذا عند الأمم الأخرى أظنني قرأت في تاريخ الدنمارك عن المهاجرين الدنماركين إلى قارة أمريكا الشماية خلال القرن التاسع عشر وكانت الرحلة تستغرق وقتها أكثر من شهر بالباخرة إلى أرض سموها أرض الحليب والذهب ، وقد أسس المهاجرون الأوائل صحفا وكتبوا شعرا يذكر مؤرخو الأدب الدنماركي أن شعر هؤلاء المهاجرين وأدبهم كان أضعف من الأدب الأصلي أماالجيل الثاني والثالث فكانت لغتهم ضعيفة جدا ونطقهم الكلمات يختلف.

ويبدو أن حالة الأدب المهجري العربي لها خصوصيتها وفرادتها لأن الذين هاجروا هم أدباء مثل جبران وغيره من المهاجرين الأوائل.

هذا ماكان في المرحلة الأولى لكن ماذا عن مرحلتنا نحن المعاصرين هل هناك من أدب مهجري معاصر؟ إن أول من فتح الباب في هذا الموضوع هو الدكتور الأديب يوسف نوفل أستاذ الأدب العربي في جامعة عين شمس  الذي أعلن في ندوة في القاهرة نشرتها جريدة الشرق الأوسط  قبل سنوات أن أدب المهجر لم يمت وأثبت بقوله أنه ألف معجما عن شعراءالمهجر ضم أكثر من 7500 شاعرا وشاعرة، وقد قسم الدكتور نوفل الأدب المهجري  إلى ثلاث مرحل:

الأولى مرحلة جبران ، الثانية مرحلة عام 1948، الثالثة المعاصرة وهي أقل بريقا من الأولى وقد وضعني في رأس تلك المرحلة.ثم جاءت الباحثة السورية الدكتورة هدى صحناوي أستاذة الأدب الحديث في جامعة دمشق لتؤلف عني كتابا تقول إنها قضت في تأليفه أكثر من أربع سنوات. الكتاب وصل إليّ من بيروت قبل أيام فتصفحته والشيء المهم وجدت أنهاقسمت أدب المهجر إلى مرحلتين فقط هما مرحلة جبران والمرحلة المعاصرة.

 

س2: د. صالح الرزوق: ما الفرق بين أدب الرحلة وأدب المهجر والأدب السياحي؟ وتهمني هنا ذكر أمثلة لأن الأنواع الحديثة تتداخل وأدب ما بعد الحداثة ينمو خارج المفهوم الفني للنوع ويحاول تقديم نص بموضوع ولكن من غير شكل، فموت المؤلف في الحداثة،تبعه موت النوع الفني في ما بعد الحداثة؟.

ج2: د. قصي الشيخ عسكر: سنحصر الأمر أولا في القديم: أدب الرحلة . إن الرحلة قديما تستغرق وقتا طويلا ربما أكثر من عشرين عاما  كما في رحلة ابن بطوطة، في هذه الحالة يكون العالم المفتوح هو العالم البديل والمجتمعات المختلفة هي المجتمعات الحاضنة في حين يبقى مكان المؤلف الأصليّ ثابتا في ذهنه. أنا حدث الشيء نفسه لي. هاجرت عام 1979 وبعد سقوط بغداد في 2003 زرت البصرة وجدت الشوارع أصبحت أكثر ضيقا ربما لازدياد نفوس المدينة وازدحامها ، كثير من الأماكن تغيرت ، شط العرب ظننته ومازلت أصبح أكثر ضيقا  وأكثرألفة كنا نعادله ببحر لقوة اندفاع مائه، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى في أدب الرحلة القديم نظرا لطول الوقت تطلع من خلال قراءة كتاب الرحلة على اختلاف المجتمعات فيالسياسة والفقه والتشريع والدين ولعلك تجد مدنا كانت واندثرت وتكتشف حقائق تاريخية تصدمك، يقول ابن بطوطة كنا نعبر من  جبال تونس إلى الجزائر وكان هناك مجموعة منقطاع الطريق اللصوص العرب، هذا يدل على أن جماعتنا العرب كانوا أقلّية في شمال إفريقيا ثم تعرب ذلك الزمان بمرور الزمن. لقد قرأت عن رحلة ابن فضلان بالدنماركية وهميقرون أن ماثبته عنهم في رحلتهم يعدّ توثيقا مهما، في الوقت نفسه قرأت عن رحلة كارستن نيبور إلى جزيرة العرب، وقرأت عن رحلة مستكشف إنكليزي للربع الخالي ودليلهالعربي أما أدب الرحلة الآن فقد اختصرت وسائل المواصلات الحديثة كثيرا من مضمونه أصبح أقرب للوصف لأن الرحلة كانت تستغرق في الماضي وقتا طويلا فيضطرّ كاتبهاالرحالة إلى التفاعل مع المجتمعات التي يمر بها ويعيش بينها مضطرا  ليستفيد من تلك المجتمعات وليتفادى شرهم وليعرف أشياء عنها هو يجهلها أساسا. أدب الرحلة الحديث أصبح أقرب إلى المذكرات والسيرة الذاتية ، من الكتب المهمة كتاب لا أذكر عنوانه عن الدنمارك كتبه السفير السوري السابق في كوبنهاغن، نحن نعرف أن مدة من يعمل في السلكالدبلوماسي لا تزيد عن أربع سنوات لكن هذا الكتاب يشمل مواضيع مهمة مثل حورية البحر، وحب الدنماركيين لمنصب قنصل فخري، وغير ذلك، يمكن أن تسمي هذا أدب سياحةأو أدب رحلة.  إن الأدب السياحي الذي يكتبه أشخاص هو أدب رحلة قصيرة قد تكون أسبوعا أو أسبوعين أو شهرين، لذلك وفق المفهوم الحديث نقول يصعب الفصل،أما إذا توغلنافي عمق التاريخ وتاريخ الأدب فنجد أن أجدادنا كانوا لايفصلون أحيانا بين النوعين من جنس واحد، الشعر نوع من الأدب والنثر: القصيدة، المثل، الخطبة، الحكمة، القول المأثور،القصة.سجع الكهان، يقول امرؤ القيس:

عوجا على الطلل المحيل لعلنا            نبكي الديار كما بكى ابن حذام

نحن لا نعرف هل بكى ابن حذام الديار شعرا أم نثرا؟ الزحافات الكثيرة في شعر عبيد بن الأبرص تدلّ على تشابك النوعين: الشعر والنثر، وعندما نزل القرآن الكريم وهو نص نثري  ظنه العرب شعرا، يقول تعالى" وماهو بقول شاعر" هذا يدلّ على تداخل الأنواع أما الكتب الحديثة التي قرأتها في صباي وأعجبت بها فيمكن أن أعدّ منها كتاب ملوك العرب لأمين الريحاني وقد أعجبني حين قارن بين ابتسامة الملك شريف مكة حسن وعبوس ابن مسعود ، أدب رحلة توقف عند لحظة نفسية.. أما الكتاب الذي لم يعجبني فهو وطني حياتيلكاتبه محمد أنور السادات مذكرات تختلط فيها الرحلة.. قرأته بالدنماركية والإنكليزية، مبالغة جعلتني أكره الكتاب وذلك حين يقول السادات إنه تعلم الألمانية في السجن بمصروحينما زار ألمانيا أخبروه أنه يتحدث الألمانية أفضل بكثير من بعض الألمان، سلمان رشدي مزج أيضا بين مكانين  الهند وبريطانيا .. في إحدى قصصه القصيرة بالإنكليزية يصوريوم مولده فيصف احتفالات الهند باستقلالها ليعطي نفسه العظمة ذاتها كأنّه مثل الهند انفصل عنه أمّه، ومن النساء تعجبني غادة السمان في حديثها عن الهجرة،لقد كتبت عن أعماليأن القاريء قد يختلف معي لكنه يقر بخصوصية أدبي، وقد أهدت لي كتابا وعليه إهداؤها  dedication  لكن الكتاب ضاع مني للأسف، في إحدى قصصه تصور موظفين في مكتبالإقامة أحدهما فرنسي والأخرى فرنسية من أصل إفريقي ، الفرنسي يعامل الأجانب بطيبة واحترام والفرنسية الإفريقية بتعال وأنفة، وأظن أن هذه النماذج التي ذكرتها تتداخل فيهاالرحلة بالسياحة بالمهجر بالمذكرات بالسيرة الذاتية، والقضية الأساسية والمهمة تتجسد لا في تداخل الأنواع فقط بل في طريقة العرض والمزج، أنت بصفتك كاتبا تشبه في عرضك أدبا مهجريا بكيماوي يخلط مزيجا من مواد مختلفة، أي خلل يمكن أن يطيخ بعملك.

 

س3: صالح الرزوق: ما الفرق بين ادب المهجر وادب المنفى. وهل من امثلة في الادب العربي والآداب الأجنبية؟.

ج3: د. قصي الشيخ عسكر: هناك محاور يصورها أدب المنفى. منها : الحديث عن الوطن في الخارج،والحنين إليه، والتوجه السياسي من قبل المؤلف أي المبدع، والانفعال ، وقد يضطر الشاعر إلى المباشرة،ومن أبرز كتاب المنفى وشعرائه البياتي والجواهري وبلند الحيدري ، ولنا مثال على ذلك قصيدة الجواهري الشهيرة دجلة الخير التي نظمها في براغ وأذاعتها حينذاك بصوتهالإذاعة السرية الموجهة إلى العراق من جيكسلوفاكيا، يقول فيها:

حييت سفحك عن بعد فحييني      يا دجلة الخير يا أمّ البساتين

حييت سفحك ظمآنا ألوذ به       لوذ الحمائم بين الماء والطين

ففي هذه القصيدة يتحدث الشاعر عن حنينه إلى دجلة وشوقه إليها ثم يعرج على وصف الحالة الاقتصادية والسياسية  والاجتماعية في العراق وتحكم السلطة بالبلد ومقدراته ،والدعوة إلى الثورة، أما من الأدب العالمي فأستطيع أن أضرب على ذلك مثلا برواية توثيقية عن الحرب الأهلية الإسبانية ترجمت إلى العربية لمؤلفتها " دولوريس إيبارودي" وهيسياسية مشهورة اشتركت في الحرب الأهلية وقدمت وصفا دقيقا لها ولجرائم جيش الدكتاتور فرانكو، سألت عن المؤلفة في الدنمارك بخاصة النساء كنّ يعرفنها لكنهنّ لا يكنّ لها الودّ !!

 

س4: صالح الرزوق: أدب الهجرة في الداخل، ولا سيما هجرة أبناء الريف إلى المدينة للعمل، هل ترى أنها جزء من متاهة الاغتراب والانفصال عن المهد والبيئة الأصلية؟.

ج4: د. قصي الشيخ عسكر: إن أدب الهجرة في الداخل من القرية إلى المدينة لايعدّ أدبا مهجريا ولنا عبرة في ذلك أدب الكتاب المصرين الذين هاجروا من الصعيد ومن القرى المصرية إلى القاهرةوالإسكندرية. هناك اختلاف ملحوظ وإن كان في طريقة التفكير وفي الشخصية فيما يخص الرواية، لكن في كل الأعمال نجد القروي المهاجر سواء كان أمياأم مثقفا فإنه سرعان مايتكيف في مجتمع المدينة الجديد. إنه هاجر إلى مكان في بلده لا تعقيد فيه من حيث الإجراءات الرسمية فلا يحتاج إلى زيارة قريته لتأشيرة دخول " فيزا" ولا إلى جواز سفر،  وقدسافر أساسا للعمل أو الدراسة في بيئة تتكلم نفس لغته، فهو وإن مارس الأدب الإبداعي إلا أنه يعيش في المجتمع ذاته وأظنّ أن الأديب يشعر بنوع من الاختلاف إذا انتقل في بلده إلىمجتمع آخر يتكلم لغة أخرى في وطنه نفسه كأن ينتقل ابن البصرة أو بغداد للعمل في كردستان أربيل ، السليمانية، دهوك حيث اللغة هناك الكردية. إن عدم وجود قيود رسمية  فيالتنقل داخل البلد وكون سكان المنطقة الأخرى غير العرب يتكلمون مع العربي اللغة الرسمية للبلد وهي العربية  فإن الحال لاتعد ضمن أدب

المهجر .وهذا مانجده في أدب العربالجزائريين الذين يعيشون في مناطق تسكنها أغلبية من الأمازيغ إنه أدب عربي جزائري.

 

س5: صالح الرزوق: والهجرة والاغتراب في البلاد العربية، هل تحمل نفس خصائص الهجرة في الغرب حيث تكون المشكلة صراع ثقافات وليس انتقالا في المكان فقط، فالمقصف الملكي لك رواية مهاجرة ولكن تدور احداثها في لبنان،، ما أوجه الاختلاف فيها عن رسالة أو الحبل والنار التي تسري؟.

 ج5: د. قصي الشيخ عسكر: هناك ملامح مشتركة بين بعض الدول العربية، الملامح المشتركة بين تونس والجزائر والمغرب أقوى من الملامح بين المغرب والعراق من حيث التقاليد والعادات والدين والمذهب،وبين العراق وسورية والأردن وفلسطين ملامح مشتركة أقوى مما هي عليه بين العراق والإمارات مثلا، أنا كتبت في سورية بعض الأعمال، وفي سورية ولبنان والدنمارك رواية "نهر جاسم" وفي لبنان وسورية " المقصف الملكي" بعض أعمالي هذه  أصنفها ضمن دائرة

الاغتراب وعمل مثل " المقصف الملكي" يمكن للناقد أن يعده ضمن دائرتين : الأول ىأدب مهجري كتبه المؤلف في بلد أخر غير بلده، أو أن يعده عملا عربيا ضمن دائرة النتاج القومي الأدبي العربي.

 

س6: صالح الرزوق: ما علاقة الواقع وسيرة الكاتب بأعماله، هل تفرض نفسها عليه بالضرورة. لهذا السؤال سببان. وجود روايات عن مدن لا يعرفها الكاتب مثل امريكا لكافكا، وايطاليا في ترنيمة امرأة لسعد رحيم، وبنغلاديش في حلم حقيقي لمحمود الريماوي، وفينيسيا في الموت في البندقية لتوماس مان، وفي حالة مان أضيف  المثلية الجنسية وهو النصف الثاني من السؤال.

لماذا يتخيل الكاتب سلوكا لا يتبناه، والشيء بالشيء يذكر، كتبت غادة السمان عن الانحرافات في بيروت 75. ومثلها سارة ووتيرز في إكرام المخكل. بينما أهمل كولم تويبين الموضوع مع أنه لا يخفي ميوله أو معاشرته للرجال. أين المشكلة. لماذا نكتب عن أشياء نفتقد للتواصل الحقيقي معها. وهل الكتابة عن بلد لا تعرفه جزء من الرغبات السياحية عن أو حب الهجرة والتنقل. أم هناك سبب حضاري آخر، ما رأيك؟..

ج6: د. قصي الشيخ عسكر: لا يخلو العمل من بعض أفكار الكاتب يجسدها أحد شخوص قصصه ليس بالضرورة البطل، وقد يعكس في بعض أعماله بعضا من سيرته بشكل يبتعد عن أسلوب المذكرات، الأمثلة التي ذكرتها كلها صحيحة وأنا شخصيا أعجب بجرأة غادة السمان، وفي نهاية الثمانينيات ( كما ذكرت سابقا) بعثت لي بأحد كتبها وعليه إهداؤها بخط يدها. مع الأسف فقدته فيتنقلاتي الكثيرة ،الكتاب يضم مجموعة من القصص وفيه قصة جريئة جدا تتحدث بضمير الأنا عن أن زوجها أخبرها عن نية انتقاله من باريس إلى بيروت وصفى أعماله ولكييرضيها فقد فتح في بيروت باسمها محلا" لا أتذكر نوع المحل وأظه محل ملابس أو عطور" في تلك الليلة وقد اتفقا على العودة مارس الزوج معها فحولته أو شعرت أنه يمارسفحولته، هذا جزء من السيرة تحول إلى أسلوب فني، وهناك في العراق قاصة لم تحظ بالشهرة الكافية اسمها بثينة الناصري تتحدث في بعض المشاهد بجرأة تامة بضمير ال " هي"بشكل يوحي من طر خفي أنها بعض من السيرة.و قد قرأت عشرات القصص باللغة الدنماركية تتحدث عن المثلية وشاهدت بعض الأفلام ليست عندهم مشكلة.المشكلة كما يقول أحدالدنماركيين الذين زاروا الشرق إن الأمور عندهم مكشوفة، المثليون والمثليات معروفون في المجتمع، إنهم علنيون والكتاب عندما يكتبون عن سيرتهم وميولهم يكتبونها لمجتمعاتهم التي  تتقبلهم أما نحن فحسب رأي الدنماركي  فنخفي الأمر بسبب ديني (حرام) وبسبب اجتماعي(عيب) وبسبب صحي (المرض) لذلك أرقام هؤلاء مجهولة، في بداية وصولي إلىالدنمارك قرأت قصة قصيرة لكاتبة دنماركية في نهاية القصة تصاب بحزن أو صدمة حين تكتشف أن ابنها مثلي، قلت للمعلمة التي تدرسني اللغة هذا عجيب هل هو شاذ عندكم،قالت كاتبة القصة كتبتها في سبعينيات القرن ونحن الآن في منتصف الثمانينيات، المجتمع لايرى الآن هذا السلوك abnormal، الطلاق مرتين كان عندهم فيه حرج في خمسينياتالقرن العشرين والإجهاض إلى الستينيات ، أذكر أن أحد أعضاء البرلمانات العربية طالب بإقرار حق المثليين في ذلك البلد العربي، سخر الشارع منه وقالوا: يبدو أنه واحد من الجماعة!! في حين أن الكاتب الأوروبي إذا تحدث من خلال سيرته عن مثلية وجنس، فليس حديثه من باب الهجرة الداخلية ولا يعني مشكلة، بل هو يصور واقعا موجودا وأحدالمواضيع التي يناقشها مثلما يناقش أي موضوع آخر في كتاباته مثل الضمان الاجتماعي والسلم والحب والسرقة والكذب والصراحة والعدل .

 

في المثقف اليوم