تقارير وتحقيقات

جلسة تأبين لـصاحب .. البصرة جنة البستان / جاسم العايف

عبد الكريم كاصد: لا يمكنني حتى اللحظة، أن أتخيّله غائباً، وقد أحتاج إلى زمن لأقتنع أن رحلته تلك هي الأخيرة.

مجيد الموسوي:كيف ليَّ في هذا الشتاء أن أكون بدون محمود عبد الوهاب، ومهدي محمد علي؟.

جاسم العايف: مذ رأيته همهمتُ يا إلآهي، أليس لديك من الطين الفائض عن حاجتك، لتلقيهِ على هذا الشاب النحيل كالقصبة.

 

أقامت اللجنة الثقافية، بمحلية الحزب الشيوعي العراقي في البصرة، وعلى قاعة الشهيد هندال جادر، جلسة تأبين لكاتب (البصرة..جنة البستان) الشاعر (مهدي محمد علي)، عضو هيئة تحرير مجلة "الثقافة الجديدة". حضرها عدد كبير من الجمهور والأدباء والكتاب في المدينة. وقد وضعت على المنصة صورة ملونة للراحل، رسمها حديثاً الفنان صلاح مهدي مع باقة ورد. بدأت الجلسة بالوقوف حداداً في ذكرى الشاعر (مهدي محمد علي). ثم قرأ مدير الجلسة الشاعر والناقد مقداد مسعود نعي هيئة تحرير مجلة (الثقافة الجديدة) للراحل. و قال الشاعر مقداد مسعود: أن ثلاثة من شعراء البصرة، رفضوا الدكتاتورية السلطوية القمعية، التي تنكرت لتحالفاتها وتعهداتها ومواثيقها، في أواخر السبعينيات المنصرمة، قد تسللوا، ضمن مَنْ تسلل خارج العراق، في زمن الرعب والموت، نحو اللامجهول.ثلاثتهم - حينها - من شباب شعراء البصرة، وحداثتها المتواصلة عبر الزمن والتي لم ولن تنقطع أبداً، وهم عبد الكريم كاصد حاملاً حقائبه ونقره المتواصل على أبواب طفولته . و الأجنبي الجميل، مصطفى عبد الله القادم من أبي الخصيب. وصاحب البصرة.. جنة البستان، مهدي محمد علي . وذكر الشاعر مقداد أن طائر الموت خلال عام 2011 لم يدعنا بسكينةٍ، إذ انقض على بصرتنا فخطف الشعراء: عبد الكريم البصري و عبد الله خليل الحرباوي و سلام الناصر، و الكاتب قاسم علوان، ولم يكتف بذلك فافترس في (بصرة – حلب) مهدي محمد علي، ثم استقوى علينا، ليختطف أستاذنا ومعلمنا،الفاضل وهو في ثراه، الراقد حالياً بمقبرة الحسن البصري في الزبير محمود عبد الوهاب. وأضاف: مهدي محمد علي هو (رحيل عام 78)، (سر التفاحة)، (شمعة في قاع النهر)، (سماع منفرد)، ( ضوء الجذور)، وأخيراً (قطر الشذى)، وكذلك مشروع عمره ( البصرة.. جنة البستان) الذي استغرق منه وهو في المنفى ثمان سنوات كاملة. ثم تحدث الشاعر عبد الكريم كاصد وقرأ ورقة مستلة من مقالٍ مطولٍ بعنوان "خمرة مهدي" قال كاصد فيها : "لا يمكنني حتى اللحظة هذه، أن أتخيّل مهدي غائباً، وقد أحتاج إلى زمن لأقتنع أن رحلة مهدي تلك هي الرحلة الأخيرة. قبل أسبوع من رحيله، اتصلت، من لندن، هاتفياً به وهو في حلب، فكلمني دون أن يبدو عليه أبداً أنه سيشرع برحلة على الأرض، أو في السماء، فلا صوته نمَ، ولا ألفاظه أفادت أنه سيغادر دون عودة". بعدها تحدث الشاعر مجيد الموسوي عن مهدي، وعلاقتهما منذ فترة الشباب والدراسة الجامعية، والعمل في سلك تدريس اللغة العربية، ثم تطرق الموسوي إلى هذا الشتاء الحزين بدون أحب الناس إليه وهما، محمود عبد الوهاب ومهدي محمد علي، و قرأ قصيدة عنوانها (موت المغني) خاطبَ فيها مهدي محمد علي. الكاتب جاسم العايف افتتح ورقته متسائلا: "أجد نفسي في موقف صعب جداً الآن، إذ كيف لي الحديث عن صديق بدايات شبابنا، إذ وضع أخي كريم كاصد يده في يدي، وبالضبط تحت ساعة (سورين)، المندثرة، و كنا في أولى تطلعاتنا الثقافية الجادة، خلال أواسط عام 1960 قائلا ليَّ: مهدي محمد علي؟. ومذ ذلك التاريخ،بدأت علاقتنا،التي باتت شبه يومية أو ليلية، خلال حقبة السبعينيات المنصرمة. وأضاف العايف: مذ رأيته على ذلك الجسم النحيل جداً، همهمت- حينها- ياإلآهي وأنت الكريم، أليس لديك من الطين الفائض عن حاجتك، لتلقيه ولو صدفةً، على هذا الشاب النحيل كالقصبة، و كما يقال بالعراقي - جلدٌ على عَظمْ - ليكون أكثر بدانة مما هو عليه !؟. وأضاف: لا أعلم، كيف ولماذا، حتى الآن، أستمكن منيَّ مهدي فجأةً، فخلال أقل من 45 يوماً فقط، قبل رحيله الأبدي، نشرتُ عنهُ وعن شعره وكتابه الفريد (البصرة.. جنة البستان)أربع مقالات متوالية !؟. لذا سأدع مهدي هو المتحدث وليس أنا. ثم قرأ نصاً لمهدي بعنوان (البصرة.. في المنفى) كان مهدي كتبه عام 2002. ثم تحدث العايف عن تلك الليلة الأخيرة، و في بداية شتاء عام 1978، وسهرتهم، كريم ومهدي والشاعر الراحل عزيز السماوي وهو، و كانوا في جلسة حميمة معاً في مسكنهِ، بعد باتت اللقاءات في الأماكن العامة محفوفة بالمخاطر، و إلى ما بعد منتصف الليل. بعدها قرأ الشاعر عبد الباقي فرج قصائد عن الراحل ختمها بموالٍ عن مهدي، ثم قرأ القاص علي جاسم شبيب ورقة بعنوان (القبر العظيم) استذكر أيامهما معاً في مرحلة الدراسة المتوسطة وفي سوريا المنفى ولقائهما مرةً في بيت الشاعر سعدي يوسف بدمشق. و قرأ شقيق الراحل الأستاذ (مكي محمد علي) نصاً أدبياً مؤثراً عنوانه (السفر إلى آخر المنافي) وهو بمثابة كلمة العائلة ومهداة إلى مهدي في منفاه ورحيله، ثم قرأ الشاعر عدنان علي شجر قصيدة عنوانها (ثقوب المعزف) وخُتمت الجلسة بقصائد قصيرة للرحل قرأها الشاعر عبد الكريم كاصد الذي مهد لقراءته بالقول:" أشد ما يميّز قصائد مهدي هو احتفاؤه باليوميّ، لا للتوقف عنده بل من أجل عبوره إلى نقيضه من أحلام وطفولة، ووقائع وأساطير، وهو حتى في أغلب تفصيلاته المعتادة، كان مأخوذاً بما يتجاوز هذه التفصيلات، من مخيلة ومشاعر ورؤى وأفكار . ولم يمارس مهدي هذا بفطنته وقدراته الشعرية وحدها، بل بوعيه، مدركاً انّه جزء من حركة شعرية يمثًلها شعراء عديدون، وهمها هو هذا التوجه بالذات، من دون حصر الشعر في إطارٍ ما، لأن هذه الحركة بلا إطار أصلاً وهي بعمق الواقع وتجدده المتواصل والدائم وغناه وسعته، حيث الجوهر عصيّ على الإمساك إن لم تسعفه ثقافة شعرية و تجربة حياتية عميقتان" . ويُذكر أن الشاعر (مهدي محمد علي) ولد في البصرة خريف عام 1945 ونشر أولى قصائده، مع مقدمة خصه بها الشاعر سعدي يوسف، في خريف عام 1961 بجريدة صوت الأحرار/ بغداد. وكان الراحل قد تخصص في اللغة العربية/ كلية التربية/ جامعة بغداد عام 1968 . وعمل مدرساً في محافظتي بابل، والبصرة التي هرب منها بداية شتاء عام 1978 عبر بادية السماوة برفقة الشاعر عبد الكريم كاصد، وبدلالة بعض المهربين، في رحلة شاقة مضنية دامت ثمانية أيام نحو الكويت، ومنها إلى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي عمل فيها في المجال الصحفي و الإعلامي. وانتقل بعد ذلك إلى منافٍ كثيرة، واستقر في مدينة حلب، التي توفى فيها بتاريخ 30 / 11/ 2011.

 

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :208 السبت 21 / 01 / 2012)

 

 

في المثقف اليوم