تقارير وتحقيقات

في مقهى أدباء البصرة: معرض لـ "عبد الصاحب الركابي" وفيلم لـ "فراس الشاروط" / جاسم العايف

تسعى لتفعيل النشاط الثقافي والفني والأدبي والفكري في المدينة، متخذاً مقهى أدباء البصرة مقراً له، وعقده لمؤتمره التأسيسي فيها، وإقرار الهيئة العامة نظامه الداخلي وهيكله الإداري، بدأ نشاطه الثقافي المتنوع كل نصف شهر، فأقام أربعة معارض تشكيلية وجلسة شعرية للشعراء الشباب ختمت بعزف منفرد لأحدهم على العود مع أغانٍ عراقية قديمة وسبعينية، واحتفى التجمع برواية" ستة أيام لاختراع قرية" للقاص والروائي علي عباس خفيف بمشاركة متميزة من قبل بعض النقاد والباحثين البصريين، ثم عقد ندوة حوارية عن" الربيع العربي وآفاق التغيير" بمشاركة المحامي الأستاذ طارق البريسم والباحث محمد عطوان والباحث قاسم حنون والكاتب ناصر الكناني .والاحتفاء بالشاعر كاظم الحجاج لصدور الطبعة الثانية لمجموعته الشعرية"غزالة الصِبا"،وعلى هامش الاحتفالية تلك قدم الفنان عباس السعد معرضه التشكيلي الثاني.واستضاف التجمع في جلسته نصف الشهرية خلال يوم الجمعة الثقافية مؤخراً الفنان التشكيلي" عبد الصاحب الركابي" مع وفد فني من محافظة الكوت. كما أهدى من محافظة الديوانية المخرج السينمائي" فراس الشاروط" للبصرة  فيلماً من فكرته وإخراجه بعنوان"روما ترانزيت" وإنتاج شركة الفارس للإنتاج السينمائي. ومن المهم جداً، أن التجمع عمد لإقامة جميع هذه الفعاليات بعيداً عن المؤسسات والشخصيات الحكومية والرسمية في المدينة. فأختار في فعاليته الأخيرة الفنان والناقد التشكيلي والشاعر "هاشم تايه" لقص شريط الافتتاح لمعرض الفنان (عبد الصاحب الركابي) وأصر الفنان"هاشم تايه " بتواضعه الجم و المعروف، أن يسهمَ معه في الافتتاح الفنان "صلاح مهدي جبر" الذي تزين رسومه العديدة صوراً شخصية ملونة مؤطرة، عملها بيده على نفقته الخاصة، لعشرات الأدباء والفنانين البصريين، والمفكرين العراقيين والعرب الراحلين منهم والأحياء، وهي معلقة بتناسق على جدران مقهى أدباء البصرة. وقال الفنان "هاشم تايه" في كلمته، البليغة المختصرة، خلال افتتاحه معرض الفنان الركابي ومعه العرض السينمائي للفنان الشاروط:" نفتتح كلنا هذه الفعالية باسم العراق و الثقافة الوطنية العراقية، هذه الثقافة المتألقة و الغنية، دائما وأبداً، عبر التاريخ الإنساني والمعروف حجم تأثيراتها على العالم كله، لكنها في الحاضر مهملة بتعمدٍ واضحٍ ". بعدها تم التجول في أروقة المعرض الذي أحتوى على أكثر من 42 عملاً فنياً، وهو استعادة  للمعرض الشخصي الثامن  للفنان عبد الصاحب الركابي الذي أقامه تحت عنوان"طقوس بابلية" عام 1986 على قاعة الرواق في بغداد، مع لوحات تشكيلية جديدة تعتمد الرسم الانطباعي والواقعي . وقد أكد الركابي في حديثه عند التجول في أروقة المعرض انه عمد في أعماله المضافة لمعرضه السابق طرح عذابات الفئات الدنيا القابعة في قاع المجتمع العراقي مع كل الزلزال الذي حدث للعراق وفيه، بعد التغيير الجوهري في 9 / 4 /2003 والذي زادها عذاباً، وخذل أحلامها وآمالها دون حصاد ملموس يغير حياتها اليومية القاسية الراهنة، حيث استأثر بالمنافع وتبديد ثروات العراق الهائلة اللصوص وسراق المال العام، وبقي العراقي البسيط، وسيبقى كما يبدو، يحلم بالعدالة الاجتماعية – الإنسانية، بعيدة المنال، في بلد  يصنف بأنه أغنى بلدان العالم مادياً وروحياً . ثم عُرض فلم المخرج الشاروط . بعد ذلك تم التعقيبات على الفلم وعلى المعرض من قبل بعض الأساتذة الحاضرين وفي مقدمتهم الناقد والفنان التشكيلي خالد خضير. وتحدث  الفنان الركابي عن تجربته الفنية مؤكداً انه لا يمكن له في المرحلة الراهنة العيش بعيداً عما يعانيه الإنسان العراقي ووطنه من  حلول إنسانية من قبل النخب السياسية التي حملتها رياح التغير إلى سلطة القرار، وانه سيبقى أبداً يصطف مع الفئات المهمشة والمسحوقة والتي لابد في يوم ما أن تأخذ دورها الاجتماعي- السياسي عبر تطور وعيها المدني المغيب حالياً بالقهر والتزييف والخداع بالترافق مع ممارسات لم يعتدها العراقي، ولا يمكن لصمتها أن يستمر إلى الأبد. ويذكر  أن الفنان عبد الصاحب الركابي تخرج من معهد الفنون الجميلة في بغداد وأكمل دراسته في اكاديمة الفنون الجميلة في بغداد كذلك، وأقام  ثمانية معارض تشكيلة شخصية وساهم في كل المعارض التشكيلية التي إقامتها جمعية التشكيلين العراقيين بحكم عضويته فيها، و أقام معارض تشكيلية خاصة في البحرين  والمغرب العربي والجزائر وتونس وفرنسا والمانيا،  وقد كتب عنها الكثير حينها . ومن ابرز من كتب عنه وعن تجربته الفنية الناقد عادل كامل الذي رأى في الركابي  بأنه ينتمي لجيل  مازال يشيد مستقبله، وهو يبحث عن أكثر الأشياء استحالة في الفن، وانه يبحث عن خطاب أصيل خاص به عبر لغة فنية ذات أبعاد في الزمن الذي يعيشه، وهو يعمل على معالجات فنية متعددة، منها المنحوتات الآشورية والعراقية الأقدم، وان الفنان صاحب الركابي لا يبحث عن الجمال إلا كمعادل للمأساة، ولا يجد في المأساة ذاتها إلا محفزاً للجمال  ومعادلاً فنيا له،  وهو يبحث عن أكثر الأشياء استحالة وهي: الهوية  أو ما يجسدها. من المهم أن نؤكد أن فيلم المخرج الشاروط "روما ترانزيت"القادم من الديوانية ومعرض الركابي المضَيف من الكوت في  البصرة تجربة ثرة للتلاقح الثقافي في وطن واحد، وان الفلم والمعرض مناسبة لطرح الأسئلة التي لا تنتظر الإجابات الجاهزة الآنية إنما الأسئلة التي تدفع لتناسل الأسئلة المتواصل، ومن المعروف أن اشق المعضلات في الحياة و الفكر والفن والثقافة هو الكيفية  التي تطرح فيها الأسئلة لا الإجابة عليها. وهنا لابد أن أتمنى على "التجمع الثقافي" أن يعزل بشكل مناسب الجلسة الثقافية المقامة في مقره مع انه مقهى، بعيداً عن ضوضاء الجهة الثانية من المقهى، خلال الجلسة الثقافية . وأن يتقن مَنْ يحضر فعالية فنية- ثقافية وفكرية، كيفية تعلم وإدراك(فن) الإصغاء دون الانهماك بالأحاديث الجانبية، وكثرة التنقل من مكان إلى آخر بلا مبرر، وهو ما يفسد على الحاضرين متعة الانتباه و التلقي الفني والفكري والأدبي والثقافي، والتفاعل معه، ولعلي أخمن أن (فن) الإصغاء وتقاليده في الجلسات الثقافية والأدبية والفنية والفكرية، وفي الوضع العراقي الراهن، هو من أصعب الأمور وأشقها على ممن يهم التجمع الثقافي حضورهم الكريم فعالياته، وللأمانة أؤكد أنني لست عضواً فيه، بل مؤازراً ومسانداً له ولكل ممارسة ثقافية مدنية متحضرة في المدينة تمارس هذا النوع من النشاطات، مهما كانت الجهة التي تقوم بها أو تدعمها، لكن لا أحد إطلاقاً، يفرض عليهم أو يجبرهم  على الحضور الذي تزدهي وتفخر هذه الفعاليات بتواجدهم فيها بالترافق مع ضرورة الاهتمام الشخصي المتحضر بـ(فن) حسن الإصغاء.

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2091 الأحد  15 / 04 / 2012)

في المثقف اليوم