تقارير وتحقيقات

في ليوبليانا: ديوان عراقي بنكهة الشاي

talib abdulamirفي منطقة هادئة، وسط العاصمة السلوفينية ليوبليانا، لا تبعد سوى بضعة أمتار عن شواطئ نهر لوبيانيتسا، وعلى بعد بضع خطوات من متحف المعماري السلوفيني يوجه إبليتشنيك، الذي ترك بصماته المعمارية الجميلية على وجه المدينة، تصادفك لوحة دائرية كتب عليها بالعربية كلمة "ديوان". وما ان تقف أمام المبنى حتى ينتابك شعور بأنك تمر من مكان تشم فيه رائحة الشرق، وحين تتطلع الى رواقه الممتد من بابه الخارجي، عبرالباب المشبّك والمتوّج بالزهور تجد نفسك قريباً من نفس تلك الرائحة التي تعرفها، رغم أنك تبعد عنها عشرات السنين، فطريقة تصميم الحديقة التي يخترقها الممر الخارجي تحملك الى المكان الذي نشأت على ارضه.

انه بالفعل يشبه الدواوين العربية، بل هو نسخة من الديوان الذي كان والد مهندس تنظيم  المدن والفنان التشكيلي اركان النواس يستقبل فيه زواره، لكن أركان الذي يعيش في مدينة ليوبليانا منذ ما يقرب من أربعة عقود، استبدل دلال القهوة التي كانت توزع على ضيوف أبيه الحاج مزهر النواس، في ديوانه في سوق الشيوخ، جنوب العراق، الذي لا يبعد كثيراً عن ضفاف الفرات، استبدلها باستكانات الشاي المهيّل بطعم النومي.

- فكرة إنشاء ديوان ظلت تراودني طويلاً، يقول اركان النواس مواصلاً القول.. بأن والده  كان لديه ديوان، عبارة عن صالة واسعة مرتبطة بالدار، لكن لها بابها الخارجي الخاص بها.

وكان ديوان الوالد يفتح أبوابه مساءً ثلاثة ايام في الأسبوع، وكان هو قد نشأ مع تلك الأمسيات التي تتحول فيها تلك الصالة، الى ملتقى لأصدقاء ابيه ومعارفة، يتبادلون فيه أطراف الحديث بمختلف المواضيع الاجتماعية وأخبار البلد وأيضاً في تداول إمكانية فض النزاعات اذا ما طرأت بين شخص وآخر.

- كنت أدخل الى ذلك الديوان من باب يطل على باحة البيت، أما الضيوف فهم يدخلون من بابه الخارجي، وأجلس هناك مستمتعاً بتلك الأحاديث التي يتناولها الكبار على وقع ارتشاف القهوة العربية المُرّة، التي كان الوالد يقوم بتحضيرها قبل يوم وبطريقة خاصة

1378 arkan

متقنة وتتطلب الدراية والخبرة، حيث تنتصب الدلال مهيأة للضيوف. يدور بفناجينها الصغيرة ساقي تفنن بطريقة حملها وتقديمها.

بجهوده الشخصية وبمساعدة زوجته "مايده"، إبنة مدينة ليوبليانا التي إرتبط بها في علاقة حب  متألقة منذ أكثر من ثلاثين عاماً، إستطاع أركان أن يثبّت أعمدة ديوانه، ويمد روابطه وعلاقاته بفنانين وكتاب وشعراء وشخصيات ثقافية سلوفينية لها ثقلها في الساحة الثقافية في ليوبليانا. حضرت معظمها وشاركت في نشاطات الديوان التي تنوعت بين إقامة معارض فنية لرسامين عرب وسلوفان، وندوات ومناقشات في مجالات مهمة. وعرض افلام ثقافية. يشترك في هذه النقاشات عدد من المثقفين بجلسات تشبه الى حد ما  جلسات الدواوين العربية، ولكن بدلا عن دلال القهوة وفناجينها، هناك اباريق الشاي المهيّل، الذي يضفي جواً من الألفة.

كما شهد الديوان، ورشات عمل للشباب و اقامة ندوات تتعرض الى تاريخ الثقافات وحضارات وادي الرافدين. الذي تحس وانت في داخله كأنك في بلد من بلدان الشرق، من ناحية الديكور واللوحات المعروضة فيه.

أركان، الذي درس هندسة تنظيم المدن فأصبح بارعاً في تنظيم الحدائق وتشكيلات الزهور، وصافح الألوان والفرشاة واللوحة، ليكون واحداً من التشكيليين العراقيين الذين عاشوا ودرسوا في هذه المدينة، ولم يبق منهم الا أفراد معدودين متباعدين في السكن، سعى الى جعل الديوان محطة تلاقي ثقافية تسع للجميع ومن مختلف الخلفيات الاثنية وغيرها. وقد تحقق ذلك، الى حد ما. لكن هذا الملتقى لم يأت إنشاؤه سهلاً، يقول أركان النواس، بل "تطلب عملاً متواصلاً وجهداً مادياً ونفسياً كبيرين، كما واجه، وما يزال، مواقف حاولت التقليل من شأن هذا العمل،  وكبح جماح الطموح الذي ظل يعزف ايقاع خطواته بصبر ومثابرة، وبمساندة زوجته، وابنتيه، ادت الى ان يحصل الديوان على اسناد معنوي من قبل آخرين وجدوا فيه مكانا يحظى بأهمية ثقافية من خلال عرضه  وجهاً آخر عن العراق والمنطقة العربية، "مختلفاً عما يتصوره الاوربيون عنا من حروب ودماء. وهذا الدعم المعنوي نتلمسه من خلال تزايد التعليقات والمشاركات عبر الانترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي التي تشيد بما نقوم به".

 

طالب عبد الأمير

 

 

في المثقف اليوم