أوركسترا
بدايات المرأة في صناعة السينما في هوليوود
السينارست فرانسيس ماريون فازت مرتين بجائزة الأوسكار عن أفضل سيناريو
على عكس من يعتقد ان المرأة كانت مجرد ممثلة جميلة في الافلام، المرأة ساهمت في تطور صناعة السينما من الناحية التقنية ايضا، فقد كانت منتجة ومخرجة وكاتبة سيناريو ومونتيرة، منذ البدايات الاولى لانطلاق الفن السابع. فمثلا ان الفضل يعود الى المخرجة الفرنسية أليس گي بلاشيه Alice Guy-Blaché، التي بدات العمل في شركة گومو Gaumont عام (1896)، وفِي نفس العام اخرجت فيلم بعنوان "الجنية في الملفوف La Fée aux Choux"، الذي قد يكون أول فيلم خيالي على الإطلاق.
وتخبرنا الإحصائيات، أن "فرانسيس ماريون" و "أنيتا لوس" كنّ أول كتاب السيناريو الموظفين ضمن الفريق التقني في الأستوديو في ذلك الوقت، وكانتا هاتين المرأتين في طليعة مجموعة من النساء الناجحات في مجال كتابة السيناريو في هوليوود. ان نصف نصوص الافلام الـ25000 المسجلة بين عامي 1911 و 1929 كانت مكتوبة من قبل النساء.
في الوقت الذي تطالب فيه صانعات الأفلام اليوم بالمساواة في الوظائف للمرأة في هوليوود، كانت فرانسيس ماريون (Frances Marion) 1888 - 1973 واحدة من أكثر الكاتبات التي كان يُطلب منها كتابة السيناريوهات، أي في بدايات الاولى للسينما، إلى جانب كاتبة السيناريو والممثلة أنيتا لوس Anita Loos والسينارست والمنتجة جين ماتيس June Mathis الَتِي كانت أول سيدة تصل الى مسؤولة تنفيذية في هوليوود وهي بعمر 35 سنة عملت في شركة الانتاج السينمائي مترو جولدوين ماير (MGM).
ولدت ماريون بينسون أوينز Marion Benson Owens وهذا كان اسمها، في سان فرانسيسكو، كاليفورنيا، تركت المدرسة في سن الثانية عشرة، بعد أن تم القبض عليها وهي ترسم شريط كاريكاتوري لمعلمها. ثم انتقلت إلى مدرسة للفنون في سان فرانسيسكو عندما كان عمرها 16 عامًا.
قبل ان تصل ماريون إلى نجاح في كتابة السيناريو ، عملت ماريون كمراسلة حربية خلال الحرب العالمية الأولى لعدد من الصحف، ووثقت مساهمة المرأة في المجهود الحربي على الخطوط الأمامية في عام 1914.
بدأت العمل كاتبة وممثلة ومساعدة عامة للمخرجة وكاتبة السيناريو والممثلة والمنتجة الاميركية الأسطورية لويس ويبر (1879 - 1939) Lois Weber. وتحت إشراف المخرجة، شاركت ماريون في كتابة أول سيناريو لها مع كاتبة السيناريو كورين انيتا لوس Corinne Anita Loos فيلم قبعة نيويورك (The New York Hat ) 1912 للمخرج الكبير دافيد ورك جريفث David Wark Griffith، وتمثيل ماري بيكفورد، وليليان گيش، وليونيل باريمور.
وبعد ثلاثة سنوات أعدت سيناريو عن رواية سيدة الكاميليا (La Dame aux Camélias) للكاتب الفرنسي ألكساندر دوما الابن بعنوان كَاميلْ Camille، من اخراج ألبيرت كابيلاني، انتاج 1915، تمثيل كلارا كيمبال، يونغ كاميل، وبول كابيلاني. وفِي نفس السنة أعدت سيناريو كوميدي، مع صديقتها الممثلة ماري بيكفورد، بعنوان فتاة الامس A Girl of Yesterday عن قصة الكاتب الاميركي ويسلي ماكديموت، تمثيل ماري بيكفورد، جيرترود نورمان وهو الفيلم الوحيد الذي مثلت فيه، وأخرجه الآن دوان.
في عام 1916 كتبت سيناريو فيلم درامي القفص الذهبي The Gilded Cage عن قصة للكاتب والشاعر والمسرحي الاميركي جوزيف قسطنطين كلارك، دراما سينمائية من إخراج هارلي نولز وبطولة أليس برادي، أليك فرانسيس، وجيردا هولم، وقد تمّ المحافظة عليه بضمه الى مكتبة الكونغرس السينمائية.
وما بين عامي 1917 و 1918 كتبت سيناريوهات 7 أفلام للممثلة ماري بيكفورد، منها الاميرة الصغيرة A Little Princess، من إخراج مارشال نيلان، أعدت ماريون السيناريو استناداً إلى رواية (الأميرة الصغيرة) للكاتبة البريطانيّة فرانسيس هودجسون بورنيت. بما في ذلك فيلم (ريبيكا من مزرعة سونيبروك) اخراج مارشال نيلان، عن قصة صدرت عام 1903، لكاتبة قصص الاطفال كيت دوغلاس ويگين، وسيناريو فيلم درامي- كوميدي (الفتاة الصغيرة الغنية قليلا) The poor little Rich Girl، اخراج موريس تورنير.
الممثلة ماري بيكفورد، وكاتبة السيناريو فرنسيس ماريون 1918
كانت ماريون غزيرة الانتاج، فقد كتبت سيناريوهات اصلية ومقتبسة وكذلك حوار للأفلام. كتبت سيناريو 26 فيلما في الأعوام من 1920 وحتى سنة 1930، من بينها فيلم "ضوء الحب The Love Light” كتبته وأخرجته ايضا عام 1921، ومثلته صديقتها ماري بيكفورد، فيلم “النور القليل Lightnin”، والذي اعدته عن مسرحية كوميدية شهيرة، أخرجه جون فورد. والمسرحية من تآليف وينشيل سميث و فرانك باكون. وقدمت سيناريو فيلم كوميدي اخر للمخرج جون فورد معد عن مسرحية ايضا بعنوان “شكرا لك Thank you” من تمثيل جاكلين لوكان، وألك فرانسيس. ويعتبر هذا الفيلم مفقوداً. وظهر الممثل المعروف كاري كوبر، في اول دور متميز له في فيلم من نوع الكابوي “فوز بربارا وورث The Winning of Barbara Worth” أعدته ماريون عن رواية بنفس الاسم تاليف هارولد بيل رايت وأخرجه هنري كينك.
ومنْ مَن محبي السينما لا يتذكر فيلم "ابن الشيخ The Son of the Sheik"، انتاج عام 1926. أعدت ماريون السيناريو عن رواية "الشيخ" للكاتبة البريطانية اديث مود هول Edith Maud Hull وهي رواية مغامرات رومانسية، والتي كانت الأكثر مبيعا عام 1921، اخرج الفيلم جورج فيتزموريس، وبطولة الممثل رودولف فالنتينو بدور احمد ابن الشيخ والممثلة فيلما بانكي بدور ياسمين. حقق الفيلم نجاحا جماهيريا كبيراً وأرباحاً قدرها مليونين دولار وكان هذا المبلغ كبيرا جدا في ذلك الوقت. والغريب ان الممثل فالنتينو توفى اثناء جولة للترويج للفيلم في 23 اب 1926.
كتبت ماريون سيناريو واحد من بين اعظم أفلام الفترة الصامتة للسينما، وهو فيلم ( الريح The Wind ) وهو فيلم درامي رومانسي من انتاج مترو جولدوين ماير عام 1928، الفيلم الاخير الصامت للشركة. وايضا الفيلم الاخير للنجمة ليليان گيش، وتمثيل لارسون هانسون ودورتي كومينك و مونتغمري لوف، الفيلم اعداد عن رواية الكاتبة الاميركية دوروثي سكاربورا ومن اخراج احد كبار مخرجي ذلك العصر السويدي فيكتور سيوستروم Victor Sjöström، ومن تصوير جون ارنولد والموسيقى المرافقة للفيلم للاميركي دينيس جيمس. واعتبرته السينماتيك الفرنسية سنة 2008 من بين اعظم مائة فيلم في تاريخ السينما.
ونلاحظ ان عدد من كاتبات السيناريو في بدايات السينما، كان لهن وجود مؤثر، فقد شاركت مع كاتبة السيناريو ماريون جاكسون Marion Jackson اعداد سيناريو فيلم ( مين وبيل Min and Bill 1930)
اخراج جورج هيل، لصديقتها الممثلة ماري دريسلر Marie Dressler، التي توقفت عن التمثيل بعد دخول الصوت الى الافلام، ولكنها اصرت على ان تقوم باداء شخصية مين صاحبة فندق في الميناء تحاول حماية براءة ابنتها بالتبني من الصياد بيل المقيم في الفندق، وبذلك ساعدتها في احياء مسيرتها الفنية، وفازت الممثلة عن هذا الدور بجائزة الاوسكار عام 1931. ومثل في الفيلم ايضا الممثّل، والاس بيري Wallace Beery. الذي كتبت له عدة سيناريوهات، منها البيت الكبير The Big House، فيلم ناطق، عن العنف والجريمة، القصة مستوحاة من اعمال الشغب التي حدثت في السجون الاميركية عام 1929. كتب المخرج جورج هيل معالجة أولية عن الجريمة والعقاب وقامت ماريون بكتابة القصة والسيناريو، تمثيل شيستر موريس، وروبيرت مونتغمري، و ولاس بيري الذي كان نجما في الافلام الصامتة، وتم ابعاده من قبل استوديو بارموونت حيث كان يعمل في السّابق، بعد ان دخل الصوت. رشح بيري لجائزة الاوسكار، عن أدائه دور مجرم محترف عنيف، حقق الفيلم نجاحا كبيرا، وفازت السينارست ماريون بجائزة الأوسكار لأفضل سيناريو، وهي اول امراة تفوز بهذه الجائزة. كما فاز دوجلاس شيرير بجائزة الأوسكار الأولى للصوت، وكان لهذا الفيلم تأثير كبير على أفلام أُخرجت فيما بعد من هذا النوع. وعادت ماريون لتكتب قصة وسيناريو فيلم البطل Champion على قياس الممثل بيري الذي حصل على جائزة الأوسكار لأفضل ممثل (مناصفة مع الممثل فريدريك مارش للدكتور جيكل والسيد هايد) عن دائه الملفت بدور بطل العالم السابق في الملاكمة الذي يعيش مع ابنه الصغير ظروف مزرية بسبب إدمانه على الكحول، محاولا العودة للملاكمة. اخراج كينك فيدور King Vidor، وفازت فرانسيس ماريون للمرة الثانية بجائزة الأوسكار لأفضل قصّة، هكذا كانت تسمى جائزة السيناريو في ذلك الوقت للمرة.
السينارست فرنسيس ماريون
وفِي السنوات العشر التالية كتبت وأعدت 19 فيلما حتى عام 1940، وفِي هذه الفترة كتبت فرانسيس ماريون الفيلم الأعلى ربحية في عام 1930، فيلم آنا كريستي Anna Christie، اعدته عن مسرحية للكاتب يوجين اونيل Eugene O'Neill وإخراج جاك فايدر Jacques Feyder، وقد تم تصويره بنسختين واحدة باللغة بالانكليزيّة والأخرى بالألمانية وفِي الفلمين كانت البطلة، النجمة غريتا غاربو Greta Garbo، من انتاج مترو جولدوين ماير، مثل الى جانب غريتا غاربو، تشارلز بيكفورد، جورج ماريون وماري دريسلر، وفي النسخة الألمانية، ممثلين ألمان ثيو شال، هانز جونكيرمان، وسالكا فيرتيل. وفِي الفيلمين كان مدير التصوير الألماني، وليم دانيال William H. Daniels الذي كان المصور المفضل للممثلة غاربو، في بداية حياته المهنية كان يعمل بانتظام مع المخرج الألماني إريك فون ستروهيم. ورشح الفيلم لجوائز الاوسكار كأفضل فيلم وأفضل تصوير وأفضل ممثلة. تم تسويقه باستخدام شعار : غاربو تتكلم"Garbo Talks!"، حيث كان أول فيلم ناطق لها. وعادت الى اعادة كتابة سيناريو اخر للممثلة، كانت قد سبق وان كتبته في بداية حياتها المهنية "كميل" Camille مع زوي أكنيز، وجيمس هيلتون، وهيئته ليلائم النجمة "غاربو" عام 1936، مثلته مع روبرت تايلر، الذي اصبح نجما فيما بعد، اعداد عن رواية إلكسندر دوما الابن "سيدة الكاميليا" اخرجه جورج كوكور George Cukor. صورت غاربو بشكل رائع دور مومس باريسية جميلة، التي تقع بجنون في حب نبيل فرنسي (روبرت تايلور البالغ من العمر 25 سنة ) وهو واحد من أكثر الافلام رومانسية على الإطلاق، فلم كلاسيكي مستدر لدموع المشاهدين، حب ميلودرامي، مأساوي من العصر هوليوود الذهبي. أدرجته مجلة تايم عام 2005 ضمن أفضل 100 فيلم اميركي، ومنحه معهد السينما الاميركية (AFI) رقم 36 من بين أفضل 100 فيلم في 100عام.
كتبت ماريون سيناريوهات لأهم النجوم السينما المعروفين في مرحلة السينما الصامتة والناطقة، منها سيناريو فيلم عن الجاسوسية "فارس بلا درع Knight Without Armor" للممثلة الألمانية مارلين ديتريش. اعدته عن رواية للكاتب البريطاني جيمس هيلتون. الفيلم من انتاج بريطاني 1937، وإخراج جاك فايدر Jacques Feyder. اخر سيناريو كتبته فيلم (الجحيم الأخضر Green Hell) مغامرات في الأدغال، والتسابق بين الرجال للفوز بقلب امرأة جميلة تنضم الى فريق يبحث عن كنز "إنكان" القديم في اعماق غابات اميركا الجنوبية. انتاج بريطاني، اخراجه جيمس وايل James Whale، بطولة دوغلاس فيربانكس الابن وجوان بينيت.
بعد هذا الفيلم انسحبت فرنسيس ماريون من هوليوود عام 1946، حيث كانت تصرح دائما انها تعبت من نظام العمل في هوليوود، مع انها كانت تتلقى أعلى أجر عن كتابتها للسيناريو. تفرغت لكتابة الروايات والمسرحيات، كما انها دَرَست كتابة السيناريو في جامعة جنوب كاليفورنيا. وكتبت اول كتاب عن كيفية كتابة السيناريو . ماريون كانت تمتلك قدرة مبهرة على إنشاء شخصيات أصلية وحقيقية، تنبض بالحياة، وكذلك في كتابتها للحوار. وقد علمتها تجربتها المبكرة خلال العصر الصامت للسينما، أن تستفيد من القوة البصرية للفيلم وتعبيرات وجوه الممثلين لنقل المعنى المراد.
مرت عشرت سنوات منذ ان فازت ماريون بالاوسكار عن أفضل سيناريو، كاول امرأة قبل ان تفوز امرأة ثانية بالاوسكار، فقد فازت بها كلودين ويست Claudine West، مع جورج فروشيل George Froeschel، وجيمس هيلتون، عَنْ الكتابة المشتركة لفيلم السيدة مينيفير Mrs. Miniver اخراج ويليام ويلر William Wyler في عام 1942. ومرت خمسة واربعين سنة حتى تقف امرأة ثالثة فِي عام 1987 هي روث براوير جابفالا Ruth Prawer Jhabval على خشبة المسرح لتستلم جائزة الاوسكار عن أفضل سيناريو مقتبس عن غرفة مع منظر (A Room with a View) فيلم دراما بريطاني إنتاج عام 1986، من إخراج جيمس أيفوري James Ivory، مقتبس من رواية تحمل نفس العنوان للكاتب إدوارد مورغان فورستر، بطولة هيلينا بونهام كارتر، ماغي سميث، وجودي. وصفته جريدة الجارديان بانه من ضمن أفضل 25 فيلم رومانسي في تاريخ السينما.
سمير حنا خمورو