صحيفة المثقف

تجلي رؤية القارئ في الكتابة

لقد بات راسخا تدخل ومشاركة القارئ في انتاج النص الحديث، وصار وعي القارئ وخلفيته المعرفية جزء حاسما في تشكل معاني النص ودلالته. هذا كله يكون في عملية القراءة. اذ قد اثبتت البحوث ان الكتابة والقراءة كلاهما عملية انتاج المعاني (اندرسون 1977، كريك 1980 ). ولنا ان نسأل (هل لرؤية المتلقي تأثير على عملية الكتابة ؟).الجواب على هذا السؤال يمكن النظر اليه من ثلاث جهات:

الجهة الاولى: الكاتب باعتباره قارئا ومتذوقا عند الكتابة المؤثر بوعي. حتى ان بعض الباحثين يرى ان الكاتب حين الكتابة يكون قارئا (كريف 1983، سمث 1983)، ويقول لانجر (اثناء الكتابة وبناء النص يمارس الكاتب بعض القراءة، بل احيانا يضع الكاتب نفسه خلف تجربته كقارئ (لانجر 1994). ويقول سكوير (ان الكتابة والقراءة يؤثران في عملية القراءة والكتابة والتفكير (سكوير 1983).

الجهة الثانية: الموروث المعرفي للكاتب المؤثر باللاوعي في عملية الكتابة، حتى ان البحث الحضاري والثقافي اخذ اشكالا متعددة قديمة وحديثة، يقول جميل حمداوي   (يمكن الحديث عن نوعين من الدراسات التي تنتمي إلى النقد الحضاري، الدراسات الثقافية التي تهتم بكل ما يتعلق بالنشاط الثقافي الإنساني، وهو الأقدم ظهورا، والنقد الثقافي الذي يحلل النصوص والخطابات الأدبية والفنية والجمالية في ضوء معايير ثقافية وسياسية واجتماعية وأخلاقية، بعيدا عن المعايير الجمالية والفنية والبويطيقية، وهو الأحدث ظهورا بالمقارنة مع النوع الأول. (جميل حمداوي 2012) ورغم ابتعاد النقد الثقافي عن روح القراءة التي لأجلها يكون النقد، الا انه ظاهرة تدل على ما اشرنا اليه من تأثر وعي الكاتب بالموروث الثقافي.

الجهة الثالثة: مراعاة الكاتب للقارئ عند الكتابة. وهذا ايضا ظاهر حتى عد الاسلوب تابعا لذلك ففي الويكيبيديا (2014) ( يكشف الاسلوب عن كل من شخصية الكاتب ورأيه، ولكنه يظهر أيضاً كيفية تصور الكاتب أو الكاتبة للجمهور)، ويقول محمد المرزوقي 2012 (قد جاء عبر هذه التحولات على المستوى الصحفي تحول العلاقة بين "الكاتب والقارئ" عبر "رجع الصدى" من خلال ردود القراء التفاعلية على كتابهم..   مما نقل هذه العلاقة مما يشبه الشراكة في انتاج النص بقصد أو بدون قصد، إلى ما يشبه سلطة خفية على أفكار الكاتب، ومع أنها ذات تأثيرات متفاوتة من كاتب إلى آخر إلا أن هذه العلاقة لدى آخرين أشبه ما تكون بذراع بوصلة يتخذ منها بعض الكتاب وجهة لما يكتبون.) بتصرف.

من الواضح انا لو راجعنا وجدانا فانا نجد ان الجواب في هذه الجهات هو الايجاب وان تأثير كل منها على الكتابة شيء لا ينكر. وبتحليل اعمق لهذه الجهات فانا سنجد رؤية القارئ ووعيه حاضرا وبقوة في عملية كتابة النص.

فبالنسبة للجهة الاولى حينما يقوم الكاتب اثناء الكتابة بدور القارئ، فانه مع حقيقة انه قارئ هنا ويؤثر في عملية الكتابة بما هو قارئ، فانه ايضا بخلفيته الذوقية وتبنيه مناهج فنية وجمالية معينة وبشكل واعي يسعى لتحقيق متطلبات تلك الجهات وغاياتها.

وبالنسبة للجهة الثانية، فان التراكم المعرفي المترسخ في جهة اللاوعي يحدد جزء مهما من الذائقة، بل ومن السلوك الانتاجي، ولهذا فمع الكم الهائل من الاعمال الصغيرة والكبيرة، لا يمكن فهم التلون الثقافي والهوية الثقافية انها نتاج عملية واعية بالكلية، وهذا الامر يشير الى الاهتمام بمجال اللاوعي العام لأجل تناول الهوية وتحدياتها.واما الجهة الثالثة وهي المراعاة المقصودة والواعية لذوق الجمهور المتخصص او غير المتخصص فان تأثيرها على الكتابة ايضا يمكن تلمسه وان كانت الكتابة تنزع دوما نحو التحرر من ارادة المؤلف واملاءاته.

يتمثل التأثير التخصيص بمواكبة المؤلف للنظرية الادبية ويتمثل تأثير غير المتخصص بالتعاونية التي لا بد منها باعتبار الكتابة خطابا. تقول هيا عزيز (ما زلت أصر على أن القارئ هو المحرّض الأول على استمرارية الكاتب .. إنه يستثيرك حين يقسو في نقده ويستحثك حين يرق في رده..)(هيا عزيز 2008)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم