صحيفة المثقف

من الآثار الاندلسية: بلاط الجعفرية في سرقسطة

khadom shamhodبمناسبة اعياد الميلاد ورأس السنة قمنا مع العائلة برحلة قصيرة الى مدينة اندلسية تعتبر من اهم المدن في ذلك الوقت وتقع في الثغر الاعلى من بلاد الاندلس وهو مدينة سرقسطة وتبعد حوالي 335 كم عن مدريد مقر سكنانا Zaragoza .. وكانت النية زيارة المدينة والتعرف على اهلها وكذلك الآثار الاسلامية الباقية . وكانت فرصة رائعة وجميلة ان تعاد صور الماضي للذاكرة بعدما غيبتها الايادي وخفتها الدهور ..

ومن الآثار الاسلامية الباقية هو بلاط الجعفرية الذي يعتبر من اكبر الاعمال العمرانية والاسلامية في المقاطعة الشمالية من بلاد الاندلس وهو القصر الذي أنشأه أعظم ملوك بنو هود أحمد بن سليمان بن هود الملقب بالمقتدر، وقد حكم المقتدر مملكة سرقسطة خمسة وثلاثين عاماً من سنة 438/ 474 هجرية (1046-1081م) وكان من أعظم ملوك الطوائف . وأشتهر ببراعته في العلوم والفلسفة والرياضيات، وسمي قصر المقتدر بقصر (الجعفرية) نسبة الى كنيته وهي – ابو جعفر – كما أشتهر في تاريخ الفن الاسلامي بأسم – دار السرور- ويعتبر آية من آيات جمال العمارة الاندلسية . ويسمى في الاسباني Aljaferia- -

890-khadom

وكانت عمارة الجعفرية تتكون من القصر والقصبه ويرجع بناءها الى القرن الحادي عشر. وبعد سقوط المدينة بيد النصارى 1118 شوهدت معالم هذا الصرح البديع كما شوهت معظم الصروح الاندلسية الاخرى . وبعد أن أصبح مقراً لملوك أراغون توالت عليه بعد ذلك التغييرات والاصلاحات حتى غدى يمثل في اجزاءه عصوراً مختلفة .

ولا زالت بعض الاماكن الداخلية من القصر تعرب عن طرازها وأصلها الاسلامي والمتمثلة في الاقواس المفصصة والاعمدة المزدوجة والزخارف الهندسية والنباتية التي نشاهدها في بقايا المسجد الصغير الذي هو عبارة عن قاعة صغيرة بها عقدان عربيان وشريط به نقوش وكتابات كوفيه ونصوص قرآنية .

ويعتبر هذا الجزء من أقدم عمارة البناء، كما نجد أيضاً هناك مكان الخطبة وفيه محراب له مظهر يشبه محاريب الاندلس خاصةً مسجد قرطبة حيث يحاط بقوس حدوه الحصان.

كما يشاهد في اجزاءه العليا شرفات تحيط به، وتتكون من أعمدة رشيقة واقواس مفصصة الشكل ويذكر بأن الفرنسيين عندما دخلوا أسبانيا في زمن نابليون أحرقوا القصر من الداخل ولم يبقى منه الا زخارف العقود .

890-khadom2

البلاط مستطيل الشكل او يقرب من المربع له أسوار قويه ضخمة ومحاط بـ 16 برجاً نصف دائرية الشكل . اليوم يتم الدخول اليه من باب رئيسي أعيد ترميمه حديثا، له قوس حدوة الحصان غرناطي الطراز، ويؤدي الى ساحة تدعى Patio San Martin ويذكر ان الباب أعيد تعميره في القرن الرابع عشر . وهذه الساحة تفضي الى أخرى رئيسية تدعى Santa lsabel والتي شيدت في القرن الحادي عشر، ونراها محاطة بزخارف متنوعة جميلة . ومنهال يدخل الى الجزء المهم والاكثر قدماً في عمارة البناء وهو المسجد الذي ذكرناه سابقاً والذي لا زال على طرازه الاسلامي .

كما نشاهد في أجزاء اخرى من القصر زخارف معمولة من الجص وهو طراز تقليد أسلامي . وكذلك نجد طراز مدجني جميل خاصةً على الابواب والنوافذ . وهناك ايضا صالة رائعة العمارة والجمال تدعى صالة العرش والتي عمرت وأصلحت في زمن الملكين الكاثوليكيين .

ويذكر المؤرخون العرب بأن اروع ما في القصر هو هذا البهو الرائع المزين بالنقوش الذهبية وكان يسمى بالبهو الذهبي أو مجلس الذهب .

في سنة 1485 أتخذ القصر مركزاً للتحقيق الارغوني (محاكم التفتيش) كما أتخذت بعض أجزاءه سجناً للمتهمين، وكانت تقام في فناءه الخارجي حفلات تنفيذ حكم الاعدام حرقاً خاصة بالموريسكيين . وقد حدث توسع وتغيير في القصر في زمن الملك بدرو الرابع والملكين الكاثوليكيين فرناندو وايزابيل، على أيدي معماريين ومهندسين مسلمين او موريسكيين والذين لهم باع طويل في المعمارية الاسلامية والمدجنية .

ثم استخدم في القرن الثامن عشر ثكنه عسكرية وهدمت أسواره القديمة وقضي على معظم محاسنه وبدائعه الاسلامية . وكان الفرنسيون عندما احتلوا اسبانيا عام 1808 اتخذوا البلاط ثكنة عسكرية . وعندما انسحبوا منه اضرموا النار فيه . وكان للقصر برجا مرتفعا ولم نجد له اثرا اليوم وقد وجد في الرسوم التخطيطية القديمة .

اليوم لم يبقى من عمارة القصر العربي الا اجزاء صغيرة تشكل ربع البناء الاصلي تقريبا . وقد شاهدت تصميما مجسما عمل في القرون السابقة، كانت النية هو مسح القصر تماما وبناء آخر جديدا، ولكن موت الملك ادى الى موت المشروع . كان القصر قد شيد على غرار قصر بني عباد في اشبيلية من ناحية عمارة الاقواس والاعمدة واناقة الجدران وجمال سقوفها، حيث الزخارف والالوان الساطعة والتي يطغي عليها اللون الذهبي .. اليوم تشاهد الجدران جرداء صحراء خالية من النقوش والآيات القرآنية والشعر والادعية التي عادة مانراها في القصور العربية الاندلسية، وقد صبغت باللون الاصفر وبعضها باللون الابيض، ما عدا شريط فقير مكتوب بالعربي يقع في الطابق الاعلى وبالخط الكوفي، عبارة متكررة (الملك لله) . وكان من الممكن مسح القصر تماما؟؟؟ . ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن .. اليوم ما يدور في الذهن الانساني الواعي المثقف هو قباحة الغاء التراث وحرق ومسح ثقافة الامم السابقة وهو ما حدث وما ويحدث على يد بعض الجماعات المتطرفة والمغلقة وخاصة ما وقع في الموصل من تحطيم آثار الآشوريين ..

ويقول الاستاذ والمؤرخ الاسباني ماريانو غومث مورينو Mariano Gomez Moreno – حول ما حدث على قصر الجعفرية من تشويه وتغيير: (وهو عمل بربري من اشد ما وقع في تاريخنا حزناً..) .

ملاحظة: شاهدنا قلة الزوار الى القصر وربما افراد هنا وهناك ويشعر الزائر بالحزن والوحشة ولهذا على المسؤلين في بلدية المدينة: 1- اعادة الاعتبار الى القصر العربي وجعله قبلة للدارسين والسواح واهل المدينة. 2 - خلق متحف للآثار داخل القصر ومتحف حديث وعرض الافلام الوثائقية والكتب التاريخية. 3- ابراز شخصيات اهل الادب والفن والثقافة من مقاطعة اراغون . 4- اعادة زخارف القصر التي حرقت او ضاعت الى جدرانها الاصلية . 5 - حملة اعلامية لاهمية زيارة تراث امة اراغون . وليأخذوا تجربة ما حدث من تغيير وتجديد في قصر طليطلة Alcazar ..

 

د. كاظم شمهود

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم