صحيفة المثقف

يذكر المؤرخون واهل النقد بان الفنان الجريكو يعتبر واحد من عظماء الفن العالمي ويضعونه الى جانب عظمة روبنز وشكسبر من حيث روعت وجمالية اعماله، وقد انفرد باسلوب مميز اخذ طابعا روحانيا ظهر ما بعد عصر النهضة والذي نعتوه بطراز المانيريسمو manierismo  ..

حياته واعماله:

الجريكو من اصل يوناني واسمه الحقيقي Domenikos Theotokopoulos  وعندما حل في ايطاليا اطلقوا عليه اسم – (Greco // ) - اي الاغريقي (Griego  ) وبعد ذلك حط في اسبانيا عام 1577 فأضافوا للاسم لام التعريق –El - بدلا من لام التعريف الايطالية –( // )- فسمي El Greco . علما ان لام التعريف الاسبانية هي من اصول اللغة العربية ولازالت تستخدم في اللغة الاسبانية الى اليوم ( ال – el ) مثلا el metro – القطار el rey الملك وهكذا .

ولد الجريكو عام 1541 في مدينة كانديا Candia من بلاد اليونان وقد عاش في جزيرة كريتا حتى عمر 26 سنة ثم رحل الى ايطاليا حوالي عام 1567 واستقر في فينيسيا .. ويذكر المؤرخون ان ثقافة الجريكو الفنية نبعت من ثلاثة مصادر مختلفة هي:

1- المرحلة الاولى هي نهضته الفنية التعليمية  في دراسة  الفن البيزنطي والمنمنمات الصغيرة خاصة الدينية وكذلك لوحات الموزائيك الجدارية التي عرف بها الفن البيزنطي وتتصف شخوصه بالوقار والجمود حيث تحدق عيونها الى المشاهد وقلما نجد فيها رسم جانبي .

2- المنبع الثاني هو عندما حل في ايطاليا واستقر في فينيسيا حيث التقى مع كبار فناني عصر النهضة خاصة تيثيانو Tiziano وتأثر بهم واخذ يرسم متبعا مدرسة فينيسيا .

3- المرحلة الاخرى هي عندما وصل الى روما وتعرف على اعمال مايكل انجلو واخذ يقلدها واسلوب غيره من فناني عصر النهضة . ويذكر ان الجريكو عندما وصل روما كان مايكل انجلو ورافائيل قد ماتا ولم يراهما . ولكن اسلوبهما كان هو السائد والمسيطر على اعمال الفنانين في روما . وفي هذا الوقت ظهر اسلوبا جديدا يسمى المانيريسمو manierismo ظهر في نهاية القرن السادس عشر وهو اسلوب - التقليد - مثلا يخططون على طريقة مايكل انجلو ورافائيل ويلونون على طريقة تيثيانو .. كما اخذو يبالغون في رسم الاشكال والالوان ’ حيث  جعلوا الاشكال مستطيلة والالوان براقة لامعة ..

ويبدو ان طريقة التقليد في الفن  ايضا كانت معمولا بها في الفن الاسلامي في ذلك الوقت  حيث كان الفنانون المسلمون يقلدون طريقة الاقدمين من الفنانين امثال الواسطي وبهزاد .

الاشكال المستطيلة:

دار حوار طويل بين النقاد والمؤرخين حول تفسير استطالت الاشكال في اعمال الجريكو  وكان الكثير  يعتقدون انه يوعز ذلك الى سبب مرضي او ان الجريكوا كان ذو جسم نحيف وضعيف او ان هناك عيب في بصره كما يقول البعض، لكن الامر غير ذلك انما هو مدرسة ظهرت في روما بعد مايكل انجلو اعتمدت على المبالغة والاستطالة في الاشكال والالوان، وكان الجريكو متأثرا بهذه المدرسة.

الجريكو في طليطلة:

عندما كان الجريكو في روما كان البابا بيو الخامس يفكر في تغطية بعض الاشكال العارية التي رسمها مايكل انجلو في موضوع يوم القيامة لانها حسب رايه فاحشه . ولكن الجريكو رفض ان يتدخل في اعمال احد عباقرة عصر النهضة . فقرر الفرار الى اسبانيا وحط في طليطلة عام 1577 . وقد ابهرته طليطلة التي كانت من اكبر المدن الثقافية في اوربا، واحس انه في عالم آخر شرقي الثقافة والاصالة . وكان وصوله في وقت لازال المسلمون موجودون ولازالت التقاليد والعادات العربية سائدة في المجتمع، لان قانون الطرد الجماعي للموريسكيين صدر عام 1609 .. كانت اول اعماله في طليطلة متأثرة بالفن الايطالي ولكن بمرور الزمن قلت هذه التأثرات وظهر اسلوبه مميزا ساطعا يشير اليه . واصبحت الالوان ذات هارمونية راقية انعدم فيها الخط وتداخلت الالوان والانوار بمزاجية وخيال ممتع تذكرنا بطلائع المدرسة الانطباعية وغويا وفيلاسكس . ولكن بقت الاشكال مستطيلة حسب تاثيرات مدرسة روما . ومن الاعمال التي انجزها في طليطلة هي لوحة دفن الكونت اوغارث 1586 -1588 وهي كبيرة الحجم نفذت في احد المساجد الاسلامية التي حولت الى كنيسة وقد اصبح هذا المسجد اليوم متحفا فنيا يفده آلاف الزوار يوميا . وبقى الجريكو في طليطلة حتى وفاته عام 1614 .

د. كاظم شمهود