صحيفة المثقف

كاظم شمهود: الرومانسيةّ.. حرارة الوجدان وتأجيج العاطفة

khadom shamhodيذكر بعض النقاد بان الحركة الرومانسية في الفن والادب نهجت منهجا هروبيا من قسوة الحياة و وطئتها الثقيلة ومتاعبها التي لا تركد ولا تنقضي، ولهذا فان اصحاب هذا المذهب خرجوامن استوديوهاتهم الى الطبيعة و ارادوا في مسلكهم هذا اخراج النفس الى الصفاء والنقاء والتغني بالحب وجمال الطبيعة .

يقول الفيلسوف ارين ادمان (لماذا نرى ان الفنانين والجماليين يهرعون الى الفنون الجميلة ؟؟؟ (ولماذا ينظر الى الفن في احيان كثيرة على انه هروب من الحياة ؟؟) .

1094-khadom1

ويقول ايضا ان الحركة الرومانسية انطلقت كثورة عاطفية لسكينة النفس وسلامتها وتحقيق رؤى حالمة وحساسة حيث لا تستطيع ان تعيش في الواقع بتناقضاته الاخلاقية وخصوماته المستمرة مما يدفعها للهروب منه . ولهذا فان هروب الحركة الرومانسية من الواقع الى الطبيعة كان قد تكرر في الفنون الحديثة حيث هربت من الواقع الظاهري الى عالم الميتافيزيق الى الروح الخالدة والغير فانية، الى المستتر ما وراء الاشكال ..

وقد اطلق الرومانسيون العنان للنفس واهوائها بعيدا عن مراقبة العقل وكان لها ارتباطا وثيقا مع الليبرالية والراديكالية، وفضلوا الليل على النهار حيث ان الليل يرفع الستار عن الاسرار ويكشفها وسط اجواء حالمة تهدأ بها النفس وتستكين .. وفضلوا رسم امواج البحار وهيجانها فهي قريبة من النفس وتلاطم افكارها وثورة العواطف في الالم والحزن او الافراح .. وكان الفنان الانكليزي ترنير 1775 من زعماء الرومانسية قد رسم الامواج العارمة بحيث لم تر في اللوحة غير مركب صغير وسط عاصفة من الامواج الثائرة ..

و الرومانسيون سواء كانوا في الفن او الادب خرجوا الى الطبيعة وتغنوا بها و بثوا فيها آلامهم واحزانهم وقارنوا بينها وبين مشاعرهم وحرارة وجدانهم وعواطفهم وبين مناظرها الخلابة (الصامتة) وكانوا يعتقدون بان الطبيعة هي مخلوقات لها ارواح تحس وتشعر مثلهم، فشرعوا يرسمونها ويستسلموا لمشاعرهم وخيالاتهم .. وهذا الاعتقاد يعرج بنا الى القرآن الكريم حيث يذكر بان ما من شئ في الكون من مخلوقات من دابة او جماد الا وفيها روح وحياة سواء كان حجر او شجر او ماء او غيره . ولكن نتيجة لقصور معارفنا ومحدودية علومنا فاننا لا ندرك ذلك .

1094-khadom2

(تسبح له السماوات والارض ومن فيهن وان من شئ الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) . (الم تر ان الله يسبح له من في السماوات ومن في الارض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب.. )

و يذكر ان دواد –ع- قد اعطاه الله صوتا حسنا جميلا شجيا يطرب له كل من يسمعه وكان اذا رجع التسبيح والتهليل بذلك الصوت الرخيم الشجي طرب له الانس والجن و الطيور والجبال ..

 لهذا هرب الرومانسيون الى الطبيعة ومناجاتها واستشراق عالم الخيال منها والشكوى اليها من ظلم الواقع، وبث احزانهم ومشاعرهم العاطفية لعلهم يجدون في ذلك ضالتهم لطمأنينة النفس واستقرارها وراحتها ..

كانت الحركة الرومانسية قد ظهرت في نهاية القرن الثامن عشر حيث بدأ الرسامون لاول مرة يخرجون من الاستوديو وقيوده الى الطبيعة وجمالها . وكلمة رومانسية هي فرنسية الاصل وتعني - الرواية – وقيل غير ذلك .. وكان اول الرسامين الجريئين هو الرسام الانكليزي جون كونستابل 1776 – وكانت الرومانسية ثورة على عقلانية القرون الوسطى وقيودها الجبارة وعلى تقاليدها الجامدة والمتحجرة . وكانت الطبيعة بالنسبة لهؤلاء الفنانين والادباء ملجئا يهربون اليه من الحياة وقساوتها .. وكانوا يعتقدون ان المصدر الحقيقي للجمال هو المشاعر والعواطف الانسانية من خوف والم وفرح والخيال الجامح وغيره ..

و كانت الرومانسية تؤكد على التعبير النفسي والعاطفي كاسلوب جديد بعيدا عن الموروث الفني الكلاسيكي القديم وقد انتشرت بين ابناء الطبقة الوسطى – البرجوازية – وشملت الادب والمسرح والفن، فظهر في الادب في فرنسا فكتور هيجو وديموسيه وشاتوبريان وفي انكلترا شيل وبايرون وفي المانيا جوتيه وشيلر وفي روسيا بوشكين .. وفي الرسم ظهر ديلاكروا وجيريكو وزارا انكلترا وتأثرا بالمدرسة الرومانسية الانكليزية واعجبا باعمال كونستابل وترنير ..

ومن خصائص الرومانسية ايضا التأكيد على الحركة الانفعالية وابراز العواطف والمشاركة في الاحداث المأساوية او المفرحة وبحركة فرشاة قوية والوان ساطعة مضيئة جميلة .. وقد وصلت الى عصرها الذهبي في انكلترا والمانيا واسبانيا ...

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم