صحيفة المثقف

إحتضار المشروع الثقافي .. عمليات الترتيق

mohanad salahما تشهده الساحة الثقافية اليوم من حراك. من المفترض بأنه يمثل الروح التي يستمد الجسد الثقافي منها كل إمكانيات العطاء والاستمرار في مد الحلقات الفكرية مع ما هو قادم من البعيد الذي سيراجع كل هذا الكم الهائل من النتاج وسيميز حينها الحقائق التي يحاول الكثيرون إخفائها قدر إستطاعتهم . فقط كي لا يعترفوا بقصورهم لتحمل المسؤوليات الملقاة على عاتقهم .. إن عمليات إخفاء العجز الذي يعتري المنجز المعرفي ما هي إلا محصلات واقعية لما آلت إليه المرحلة من إعتماد كامل على بعض ما يتحقق بشكل متقطع بين فترة وأخرى عبر المؤتمرات أو المهرجانات أو المسابقات الدولية أو المحلية، وهو ليس بالضرورة أن يعكس الشكل الواقعي للمرحلة .. العراق لازال يعرف بأسماء معدودة كـ (الجواهري _ البياتي - نازك - السياب) وغيرهم ممن قدموا لنا أروع ما نفتخر به أمام المد الهائل من التطور الذي تتصدره الدول الأخرى . لكننا لم نعي للحظة عدم بزوغ نجوم مؤثرة أو أكثر عطاء بعد هذه الأسماء، أو ربما نحن نتغافل عن عدم إستطاعتنا على الخروج من دائرة صناعة النسخ نحو نقاط (الظاهرة)، وهذا بحد ذاته دليل على مرض الجسد الثقافي، وعدم وجود الأشخاص القادرين على إمتلاك العلاجات المناسبة لتدارك هذا المرض . بعد أن أصبحوا أصلا غير قادرين على الوقاية من .. ساحة تعج بالكاذبين والمحتالين والمرضى النفسيين . مجاميع ومنتديات ومؤسسات تأتي وتذهب دون أن تؤسس لحقيقة فكرية . وهذا لا يعني خلو هذه الساحة من مجاميع أو تجارب حقيقية، لكن البيئة التفاعلية للمجتمع القرائي أصبحت تعيش هي الأخرى دوامة من عدم الثقة أو إنها تتبع في تلقيها مجسات معقدة من الإنصياع خلف كراديس الوهم المؤقت التي تصنعها لهم (الشخوص / المجاميع) . وبمجرد ظهور تجربة أو مجموعة تستحق التفات لها والإلتفاف حولها، فإن هذه الموجهات اللامتناهية للزيف تحاول إبعاد الكاميرات المراقبة للأحداث عن الوصول لها . أو إنها تشوه معالمها قدر إستطاعتها كي لا تكشف الحقائق التي لا تريد للجمهور أن يقف عندها .. إن الرداء الذي يلبسه الجسد الثقافي والفكري العراقي أصبح مرتقا للحد الذي لم يعد هنالك قدرة على الاستمرار بإخفاء عيوبه . وهذا يقف عند الكثير من المسببات التي أدت إلى هكذا مراحل . منها عدم قدرة العقلية الفكرية للكاتب على الخروج من دوامة الرضوخ للمجتر من المنجز السابق وإعتماده على عمليات التقليد والإضافات اللانوعية . وعدم تحمل العبء الذي وكل لهؤلاء الكتاب لقيادة المراحل الزمنية وعدم إحترامهم للقضايا التي أعدوا أنفسهم للدفاع عنها . كما إن عدم السماح لدماء جديدة تحمل أفكار مغايرة أضاف مرحلة جديدة من الاستبداد والتعالي .  وإقناع الاخر بأن ما يظهر هنا وهناك من تجارب تدعي بأنها إضافات وظواهر للمشهد، بأنها هي المراحل التطويرية التي تدحض كل الأقاويل عن تردي المستوى الفكري . بينما هي مجرد قوالب جاهزة مع بعض الإخوانيات والمجاملات أعدوها ذات نزهة وقدموها للقارئ . حيث تحول الكاتب العراقي الحقيقي الذي من الممكن له أن يشكل ظاهرة الى جماهير خارج الإطار المكاني لنتاجه . بعد أن وصل إلى قطيعة لا متناهية مع من يدعون بأنهم الوسط النخبوي أو الجمهور الذي أصبح منساقا خلف رغباتهم . فلا عجب أن نجد كاتبا عراقيا أصبح مدرسة فكرية في دولة ما  . بينما نكتفي نحن بتجاهله وعدم إحترام تجربته .. يجب أن نعترف بأننا أصبحنا غير قادرين على تحديد أدواتنا في قيادة المرحلة وقد أهملنا الأدوار التي يجب أن نتخذها كي يعود الجسد الثقافي العراقي إلى ألقه وصحته . يجب أن نكتفي من الإصرار على الكذب ونحاول أن ننتشل ما تبقى من محصلات الوعي لدينا كي نتدارك القدرة على تصحيح الأخطاء التي ما زلنا مصرين على الإستمرار بها . من الضروري أن نقف قليلا لنعيد ترتيب كل أوراقنا المبعثرة، ونستجمع قدراتنا على تغيير الواقع الثقافي ...

 

مهند صلاح

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم