صحيفة المثقف

القطيعة.. ودعوة التيار السلفي إلى إحياء الماضي الإسلامي

علجية عيشالقطيعة تعني الانفصال عن شيئ ما، هذا المفهوم ليس حديث الولادة، بل ولد مع ظهور البشرية، وتوسع مع بداية التكوين الإيديولوجي للجماعة، فكانت القطيعة مع الدين، مع التاريخ، مع الأجيال، مع النظم الفكرية مع الثقافات والحضارات فحدث الانعزال الثقافي والحضاري والديني، في الوقت الذي أخذ المفكرون الغربيون يقرأون بحماس فلسفة العرب المسلمين، الذين غرقوا في صراع القومية والطبقات، ووقعوا أسرى لإشكالية الهوية الثقافية والتراث والحداثة والمعاصرة وغيرها من القضايا التي أثارتها الصحوة الإسلامية

هي قراءة تاريخية برؤية فلسفية ميتافيزيقية أجراها الدكتور سمير أمين حول الواقع الراهن لـ: "الأمة العربية" معتمدا على بعض الكتابات التي تقول أن القطيعة رافقت الإنسان منذ العصر الهيليني، وكانت الشعوب منقسمة بسبب الصراع على البقاء، بعضها لم يخرج عن مرحلة الهمجية ومنهم الغاليون، الجرمان والصقالبة والبربر والعرب، فيما عاشت شعوب أخرى ومنهم المصريون، الأشوريون، البابليون، الفينيقيون، الفرس واليونان كل أشكال الحضارة، فتطور هذه الشعوب وتَحَضُّرِهَا ناتج عن وجود تلاقي لعب دورا حاسما في صعودها ورقيها، لدرجة أن الحضارة اليونانية أخذت في استعارة الكثير من الحضارة المصرية التي وجدت سبيلها هي أيضا في مجال الإبداع في المرحلة الأخيرة للحضارة الإغريقية، أما حضارة النهرين فقد برع الكلدانيون في علم الفلك، كما اخترع الكلدانيون ما أطلق عليه اسم "كوسموجونيا"، وهو علم نشأة الكون في المفهوم الديكارتي، أو البحث في الوجود الكوني وظواهره وأسراره، وعند الكلدانيين تعني التصور العام الذي يضم عناصر الكون في هيكل تفسيري موحد، نشير أن هذا المصطلح قليل التداول في الكتابات، غير أن من الفلاسفة الذين اهتموا بالكوسموجونيا، حسبما جاء في الكتاب نجد أرسطو الذي استعار الكوسموجونيا من التراث الكلداني، وأفلوطين الذي كرس الميل إليها ورأى أن النفوس الراقية تتحرك في الأفلاك العليا وتؤثر من خلالها في كائنات العالم دون القمر وبالتالي في مصائر الناس.

وأما الحضارة الهندية فقد ركزت على مفهوم النفس، وربطتها بفلسفة تدعو إلى "التحرر" من قيود الطبيعة من أجل التوصل إلى المعرفة المطلقة، حسب الكتابات فإن الفلسفة الاشراقية قامت على فكرة أن النفس إذا استقلت عن الجسد تطهرت من مغريات المادة، من خلال ممارسة النسك والزهد، وعلى هذا الأساس ازدهرت الرهبانية المسيحية والصوفية الإسلامية، والحقيقة وكما يقول صاحب المخطوطة الفلسفية أن الإسلام واجه تحديا قاسيا حينما فتح الشرق المتحضر لأنه اعتمد على نصوص مقدسة دقيقة، فقد لعبت مدرسة جند شابور دورا هاما في بلورة المدرسة الإسلامية، وقد أثبتت هذه المدرسة وضع إيران الخاص في الإسلام، فقد طرحت النخبة الفكرية العربية والفارسية الإسلامية أسئلة حول إذا ما كان يمكن الإكتفاء بالظاهر أي الإكتفاء بإعلان الإسلام من خلال النطق بالشهادة أي الإقرار باللسان فقط، وحدث جدال بين المدارس الفلسفية لاسيما المعتزلة حول مسالة القدرية والجبرية ومن يحكم الكون، وكانت النتيجة هي ظهور التأويل المجازي للنصوص والأسطورات، على غرار الفارابي الذي ادمج الكوسموجونيا الكلدانية في رؤيته الميتافيزيقية الإسلامية، خاصة ما تعلق بمسألة الخلق والولادة (العقل والكواكب والعالم)، وقد حظيت الكوسموجونيا بدعم كبير من ابن سينا، إلا أنها لقيت رفضا قاطعا من قبل ابن رشد، فكان على السلطة إلا أن تستعمل خطبتين: خطبة موجهة للنخبة وخطبة موجهة للعامة، وتمثلت الأولى في المدرسة العقلانية، الأمر الذي أدى إلى ظهور موقف ثالث هو البحث عن "الباطن" المختفي وراء وضوح النص، وقد تزعم "الشيعة "هذه المدرسة أكثر من السُنَّة، كان إخوان الصفا يرون أن الشريعة تدنست بعد الخلفاء الراشدين وأن تطهيرها يستوجب استخدام العقل.

واستنتج صاحب الكتاب أن الصراع بين هذه المدارس خلق أزمة المجتمع العربي والإسلامي، فكانت النتيجة حدوث القطيعة مع الدين، مع التاريخ، مع الأجيال، مع النظم الفكرية،مع الثقافات والحضارات فحدث الانعزال الثقافي والحضاري والديني، في الوقت الذي أخذ المفكرون الغربيون يقرأون بحماس فلسفة العرب المسلمين، الذين غرقوا في صراع القومية والطبقات، ووقعوا أسرى لإشكالية الهوية الثقافية والتراث والحداثة والمعاصرة وغيرها من القضايا التي أثارتها الصحوة الإسلامية، حين بادرت حركة النهضة بالمطالبة بإعادة النظر في شؤون المجتمع والفكر، ونادت بالعودة إلى الأصول، برز ذلك في أفكار الأفغاني ومحمد عبده، ثم التجربة الناصرية في بعث القيم الإشتراكية واصطدامها مع مشروع محمد علي الرأسمالي، ثم صراع الإثنان مع المشروع السلفي الذي كان يرى نفسه البديل الحقيقي القادر على مواجهة التحدي، من أجل إحياء الماضي الإسلامي، فقد عملت السلفية (إقامة الدولة الإسلامية) على احتقار العقل، ورأت أن التفكير العقلي كفرا، وردت الهوية إلى سلوكات ظاهرية، مثل الزيّ والذقن، واعتبرت الدعوة إليها من باب الجهاد والحنين لعصر ذهبي مفقود، وترى أن الثورة الثقافية الخطر الذي وجب إبعاده، ومن وجهة نظر المفكر سمير أمين فإن دعوة التيار السلفي هي موجة رجعية وليست بالصحوة الإسلامية، والخروج من هذا المأزق متوقف على تحقيق التحرر في ميدان الحياة الاجتماعية على أن يرافقه تحرر في المجال الفكري.

 

قراءة علجية عيش

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم