صحيفة المثقف

ماء الحياة.. مذكرات رجل مصري (1)

علجية عيشالتاريخ الذي أحمله على ظهري ماء الحياة.. أو كل شيئ له تاريخ.. هي العبارة التي قلبت تفكيره رأسا على عقب، هكذا قال الدكتور سيد عويس، الرجل الذي حمل التاريخ على ظهره في كتابه "ماء الحياة"، ولعل تأثره بهذه العبارة سببه تأثره بأفكار العالم فريزر لاسيما كتابه الغصن الذهبي، وكتاب فجر الضمير للعالم برستد، كانت هذه الكتب من اقتراح الدكتور جون لويس لقراءتها، ومن خلال هذه الكتب عرف سيد عويس كيف تقدم ألإنسان منذ الماضي السحيق وحتى الوقت المعاصر أن يكتشف القوانين التي تسيطر على الظواهر الطبيعية وعلى الظواهر الإنسانية ليتسلط هو عليها، يقول سيد عويس: ما أبعد المسيرة الثقافية التي يجب أن يقفزها أعضاء الشعب المصري لكي يلاحقوا المسيرة الإنسانية في تقدمها وفي تطهير مجتمعاتها من أدران الترهات والأفكار البالية والأساطير، ولعلنا نقف وقفة تأييد لرؤية سيد عويس ونقول أن الشعوب كلها وليس الشعب المصري وحده، وسيد عويس في طرحه هذه الأفكار يقدم للقارئ كثالا بسيطا وهو كيف نجح الإغريق في الماضي في تطهير معارفهم من الأساطير، فتقدمت حضارتهم وتقدم الغرب الذي أخذ منهم هذه الحضارة.

وهو يتكلم تحضر في خاطره أسماء أعلام بمختلف مشاربها العلمية والدينية والفلسفية، وكان أول اسم يذكره هو: أخناتون أول الموحدين الذي دعا إلى الإصلاح الديني قبل مارتن لوثر بتسعة وعشرين قرنا من الزمان، فكان أكثر حيرة بعدما عجزت الفلسفة على أن تساعده على التحرر ولو أنها وسعت من آفاق تفكيره كباحث عن الحقيقة، ولا شك أن فلسفة البراجماتيزم أو فلسفة الذرائع، التي تحدث عنها أستاذه في مادة الفلسفة يعقوب فام، الذي كان أول من عرف المصريين بهذه الفلسفة، ما يتميز به الدكتور سيد عويس أنه لن يتأثر بأفكار الغرب والذي قضى معظم حياته في لندن يدرس ويبحث بين الجامعات والمخابر، وزياراته للمتاحف، بل كان يشعر بالتخمة الفكرية للغرب كما قال هو في الصفحة 110 من كتابه ماء الحياة"، كتبه بأسلوب سلس يسهل على القارئ البسيط فهمه، وهذه مهمة الأستاذ أو المعلم لبسط فكرته أمام طلبته، ولعل مفهوم التخمة استمدها من أستاذه ة خالد محمد خالد وهو يردد امامهم مرة أنه أخذ يقرأ حتى اتخم من القراءة، وهذا أمر يحول إلى السلبية بالنسبة له هو، لأنه في المهجر وجد نفسه متفرغ للقراءة من الصباح حتى المساء المتأخر، لا يمل من القراءة، ولا يحس إلا بصفاء الذهن، وهذا يدعونا إلى التساؤل: هل الغرب أكثر حبا منّا للقراءة؟ وماذا تعني لنا القراءة والمقروئية في بلد لا يجد قوت يومه، أي معدته ما تزال جوفاء؟، ولعل العبارة التي استخدمها سيد عويس كمنهج علمي في حياته (حياة المهجر) هي عبارة "ما يمكن أن يكون"و "ما يجب أن يكون" حتى يفهم الإنسان ما حوله ومن حوله فهما علميا.

الحقيقة وأنا أتابع ما كتبه سيد عويس، فحياة هذا الرجل تشبه إلى حد ما حياة الرَّحَّالَة، فمن لندن إلى باريس، لكسب تجارب جديدة، ونلاحظ أن اللغة كأداة تواصل لها جانب مهم في حياة الإنسان وهو يتنقل من مكان إلى مكان، أو بالأحرى إلى بلد تختلف لغته عن البلد الآخر، فهو كما يقول لا يتقن اللغة الفرنسية، خاصة وأن الغرب ينظرون إلى العرب بنظرة استهزاء، باريس تختلف عن لندن برائحة مأكولاتها، وهنا يمكننا ان نقف على أوجه الإختلاف بين لندن وباريس، أي أن ثقافتهما مختلفتان، فالخير موجود والشر موجود وهما في صراع دائم، صراع الغرب والشرق، لكن كاتبنا يجمع بين الإثنين، تارة يقرأ للغرب، وتارة أخرى يقرأ للشرق وبالخصوص توفيق الحكيم ونجيب محفوظ، الذي يم يكن معروفا في بداية حياته الأدبية لولا روايته عصفور من الشرق، فالتزاوج بين الثقافتين الغربية والعربية كانت ميزة سيد عويس، لا لشيئ إلا لمعرف الآخر، وكيف يفكر، لا شك أن سيد عويس بتنقلاته ورحلاته قد أخذ فكرة عن ثقافة المجتمع المصري وثقافة المجتمع الفرنسي، وتوصل إلى موقف حاسم وهو أن الضرورة تحتم عبى المصريين أن يتحركوا ويفعلوا شيئا من أجل مصر ضد الإستعمار المعوق للتقدم المنشود، ولعل الخطوة ألأولى كما تراءت له هي إلغاء معاهدة 1936، لم يكن سيد عويس وكمواطن عربي راض عن ممارسات الحكومة الإنجليزية، خاصة تجاه ثوار الملايو التي كانت تلقبهم بالرعاع، وهي بذلك تسير على خطى أمريكا ومعاملتها لسكان كوريا الشمالية، مثلما فعلت فرنسا مع ثوار الهند الصينية وثوار الجزائر.

لم تكن رحلة سيد عويس من أجل الإغتراب فحسب وإنما من أجل التغرب ثقافيا وإضافة إلى عناصر ثقافته عناصر الثقافة الغربية، ومن ثم دراسة ثقافة بلاده ودراسة علم الإنتروبولوجيا كهواية، كما داب على دراسة علم الإجرام، وأكسبته هده التجربة أن من الصفات التي تصنع رجال الأعمال ورجال السياسة ليست فقط المغامرة والإقدام بل ايضا الرغبة في الكسب، ولعل هذه الصفات هي التي تكون المجرمين العتاه، لكن ما سر ربط سيد عويس الإجرام بعلاقة محمد نجيب بجمال عبد الناصر عندما عين مديرا لمكتب الرئيس محمد نجيب، نلاحظ هنا تداخل الثقافة بالسياسة والجمع بين الدورين في سبيل تكوين المواطن المصري الصالح، لقد كانت الثورة العربية رغم فشلها قد تركت بصمتها في تاريخ مصر، فهي ـنجبت كوادر وقادة مصريين منهم عبد الله النديم، قاسم امين، سعد زغلول، وجاء من بعدهم مصطفى كامل وسيد درويش وطلعت حرب، وأحمد شوقي وحافظ ابراهيم وأمين الخولي، وغيرهم، فهؤلاء على الرغم من الخلافات بسبب المسؤولية.

وبالرغم من أن الثورة لم تحقق أحلام الأمة، فقد ضرب القادة المصريين المثل العليا وبذلوا من التضحيات النفس والنفيس، فحب الوطن كان عندهم عقيدة، يقول الدكتور سيد عويس: " إن المجتمع الصالح يصنع المواطنين الصالحين، كما أن المواطنين الصالحين يصنعون المجتمع الصالح، إنهما علاقة جدلية"، كل شيئ له تاريخ، كتاب لهولدين طبع عام 1951، وغيرها من الكتب التي أرخت لمصر الأحداث غير أن الدكتور في كتابه الصفحة 163 يقف موقف الشامت لخروج الملك فاروق مطرودا، لا نعرف إن كان مثقفا له وزن المثقف يمارس ثقافة الشماتة،، يقول : تذكرت خروج الملك فاروق مطرودا وشعرت بالتفاؤل، وكنت في حقيقة الأمر شامتا، لسبب واحد هو أن الملك فاروق كان شخصا متسلطا جاهلا ولم يكن النموذج الإنساني الصالح ليكون قدوة صالحة، غير انه يرى أن إعادة تكوين المواطنين وإعادة النظر في الثالوث الغير مقدس وهو: الفقر والجهل والمرض.

 

قراءة علجية عيش

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم