صحيفة المثقف

المرآة التي نظر اليها الله في كتاب شوقي مسلماني الجديد: هي أنت وأنا والحالات

454 شوقي مسلمانيلا، الشاعر والمفكّر الزميل شوقي مسلماني لا يخطىء لغوياً، فهو مرجع في الأدبيّات وقواعدها، ولذا توقّفت طويلاً أمام كتابه الجديد "عندما ينظر الله في المرآة" وتساءلت: هل الله ينظر في المرآة ليرى نفسه؟. تساؤلي انطلق من أمرين: الأوّل هو حبي لله وإيماني بأنّ الكون ابتدعه خالق يدعى الله وليس الاحتكاك الذرّي، والثاني أنّ الجمال هو إله الحبّ، وأحبّه أيضاً حتى ثمالة العشق، وإذا بشوقي الذكي، المبدع، يجمعني والقرّاء بالله والمرآة، أي نحن الذين خُلِقنا على صورته ومثاله، ولكي أتأكد من صوابيّة شوقي بأنّ الله ينظر فينا نحن المرآة لخلقه، فقد ولجتُ إلى مضامين الكتاب، وهي مختارات من الشِعر الأسترالي ترجمة الكاتب "البوهيميّ" شوقي، ومنها الى إنسانيّتي وإنسانيّتك، الى زهرتي وزهرتك، الى واقعي وواقعك والى حالتي وحالتك. وكي لا يُفسّر توصيفي بالبوهيميّة أنّه انزلاق، فإني أعتبر المؤلّف مسلماني من أهمّ من حمل قلماً في الأوقيانوس الأوسترالي، جامعاً بين ملامح الشرق ورقيّ الغرب، محدّثاً يحاكي ماضيه ورومانسياته، وجدليّاً يشاكس ويقارع ويحترم منطقيّة العالم الجديد. شوقي أمير الشعراء قال: "قم للمعلّم وفّه التبجيل"، أمّا شوقي مسلماني فيقول: قم للشِّعر وفّه التبجيل. أمّا نحن فقد قمنا وقرأنا في كتبه التي صدرت له منذ العام 1991، وفي كتاباته التي ساهمت "النهار" في تزيين صفحاتها بها منذ عقود من الزمن، فلعقنا معه جراحاً، ومزمزنا جمالاً، وانتقدنا أخطاءً، ورفضنا عنصريّة، ورسمنا بريشة الكلام موقفاً. وفي النهاية وقفنا لهذا الشاعر والأديب، ورفعنا قبّعتنا احتراماً. كيف أنسى أنّ شوقي المتعصرن شعراً وآفاقاً في الآداب، ظلّ "رجعياً" رفيعاً في علاقته مع الجذور من خلال مزامير "ضيعجيّة" نشرها في كتابه عن مسقط رأسه بلدته وحبيبته "كونين" التي يمكنها، كما نحن، أن ترفع رأسها به. أن نقرأ الشعر الانكليزي بالعربية فهذا فتح ليس بجديد، ولكنّ الجديد فيه هو الأسلوب الذي يخصّ شوقي ترجمةً بالأبعاد أكثر من النصوص، ما أعطاه رونقاً بالإبتعاد عن الكلاسيكيّة المملّة وتضمينه الروحانية "الريتمية" الشرقيّة أي الإيقاع. وفي "الوجود الوجود الوجود" مثلاً، يقفز شوقي فوق رتابة المناسبة، فنشعر معه بمجّة سيكارته وكأنّها عبير ليس فيه أفيون، ونحتسي كأس نبيذه فنشعر أنّ رحيقه ليس كحولاً ولكنّه أشبه بالأحاسيس التي تطال أمبراطوريّات تبحث عن مصالحها. قد أكون مُحرَجاً بالكتابة عن شوقي بفعل الصداقة المزمنة، العتيقة والمتجدّدة دوماً بالكلمة. لكنّي أعترف بصراحة أنّي حين أقرأ شوقي أضع علاقتي الشخصيّة به في ثلاّجة، لأعود الى مفكّرتي، أبحث عن كلمة موضوعيّة، مجرّدة و"نيوتريّه" أي مستقلّة، لأكتب فيها عن هذا الشاعر العصامي الذي أوجد لنفسه مكانة في الشعر، وهو حلم يحاول البعض ترجمته الى واقع، ويعتقدون أنّهم حقّقوه، في حين أنّهم يفشلون حيث هو نجح. من هنا أعود الى العنوان والأبعاد، وأستندُ الى قصيدة "إشارات" لأدرك فوراً أنّ إله شوقي ليس هو إله آخرين، إلهه ينظر الى المرآة بشِعر، أي بجماليّات وأبعاد، بفراغ ملأه أحلاماً، بشمس لا تعرف الغياب، بعصور تستعيد ذاتها في إبداعاتها، بأعياد لا تلبس ثياباً سوداء بل مرقّطة كضحكة طفل، وبكتّاب لا يمتهنون الكتابة لأنّها موهبة، وجماليّات تمكّن شوقي مسلماني من امتطاء خيلها، فأتى بمولوده الجديد فارساً نحبّه من خلال الصفحات الـ 193 التي حملت توقيعه ونتاجه وإعجابنا.

 

كتب أنور حرب

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم