صحيفة المثقف

علاء الدين

قصي الشيخ عسكرهكذا كان شأن السيد وضاح المهداوي كلّ مساء..

مبكرا قبل ساعة يغادر في جولته المعتادة فيتركني وحدي أدير شؤون المطعم..حيث يقضي في الخارج بضع ساعات متجوّلا يوزع لبعض النوادي ما نعده من وجبات سريعة حرص على ألا يخبر عنها زوجته الأمر الذي عرفته منه أول يوم اشتغلت فيه عنده، جولة لا أشغل ذهني بتفاصيلها ولا أعيرها أيّ اهتمام ..

وقتها لم أكن أعد نفسي شريكا معه فيما يرتكبه من حماقات أو بعبارة أدق مايقترفه من غش، في البدء، ربما اندفعت، بوازع لا أعرف كنهه، وغاب عن ذهني تماما أني، ذات يوم، سأدوّن كل تفصيلات الغش تلك بدافع الثأر والانتقام. كنت جريحا.. مطعونا فأردت أن أحرق كلّ من حولي فأقلب الدنيا مثل فلك دوار محشور في شريط ضيق....كنت أرى تلك الأعمال تافهة أقرب إلى العبث حين يفعلها أي منا، في الوقت نفسه لم أقاوم رغبة عارمة تدفعني للعمل حتى خيّل إليّ أن هناك أمورا لا أشغل نفسي بها مادامت لا تشكّل عبئا عليّ.. فصدقته في كل ماقال ولم أشك به قط.. لا بطيبة قلبه أو نظرته الوادعة ولا بابتسامته التي تشع من عينيه وتتسع مع خديه اللذين أكلت بعضا من أحدهما حبّة بغداد فزادته هيبة ووقارا !

حقّا كان عليّ، في تلك اللحظة، وأنا أراه يستقبلني بكل حماس، ألا أشكّ فيه قط!

قال لي إنّه اتفق مع النادي البولندي، والجمعية الجيكية، وتجمع ثقافي يوغسلافي على تزويدهم بأكلات سريعة، هذا الموضوع يجب أن يظل بعيدا عن " شارلوتة" ما كل مانفعله يمكن أن لاتعرفه النساء، مثلما لانرغب نحن في أن نعرف كل خصوصياتهن، فهن أكثر فضولا منا تتساوى في هذه الخصلة الأمية والمتعلمة البدوية والإسكندنافية..الفضول ليس عيبا من قبل النساء ولا تخلفا .. إنهن يرغبن في أن يحشرن أنوفهن بكلّ شيء.. ولوضاح طريقته الخاصة!

أما أنا فغاية ما أفكر به أن أحتفظ بعملي ومنزلتي عند السيد وضاح..لا يهمني إن كان يخفي عن زوجته بعض وارد المحل أم لا. لكن تلك المسألة التي لم تعد تهمني تبدو، لحظة دخول السيدة شارلوته أكبر من أي قبيح، فها أنا أمتليء حنقا..أكاد أنفجر من الغيظ.. كنت مغفلا ..لأسمِّ نفسي ماشئت.. أطلق عليّ ألقابا وضيعة..أشوه وجهي..أصبح مدمن مخرات..فهذا لايشفي غليلي.. لايداوي قط جرحا بليغا لطعنة استقرت في ظهري...كم كنت فرحا عندما رأيت من بعيد يا علاء الدين مرتسما على لوحة شفافة تتراقص بالأضواء، أبصرتك بسروالك العريض من اسفل الحزام وحذائك ذي البوز المدبب المعقوق.. وثمة على رأسك تلك العمة التي تزيدك نقاء وبهاء.. كان وجهك يسفر عن قسمات طفل متورد الخدين، وساعتها لم تكن تحمل مصباحا كدت أخالك تنظر إليّ.. لا لوم علي لو كنت في بلد شرقي حين أتمادى في انتقامي .. هناك جريمة أكبر من السرقة وأشنع..أقترف جريمة قتل إذ ليس مافعله وضاح يمكن أن أتجاهله ..هناك في بلد ظننته لي وطنا لايفكر الآخرون إلا بالشرف.... ثم فتحت عينيّ على حلم بعيد المنال فقيل لي أنّه ليس بلدي كما هي اللحظة العابرة الآن التي تهزني بعنف فأفيق من حلم مقزز كريه..كنت أتمنى لو خدعني في الأجر أو بعض الساعات الإضافية..بمثلما يفعل مع مقياس الكهرباء وقائمة المبيعات.. الأدهى إنه يعطيني حقي وزيادة.. غير أني لم أتوقع قط منه طعنة من الظهر.. أنا الذي كنت أظنه يعدني أخاه الأصغر، هل يكفي أن أكون ابن بلده لكي يختارني أعمل عنده أو يخصني ببعض أسراره؟

هذا ماكنت أراه فيه..

كأني بعد صدمة طردي من العراق وجدته يوفّر لي المآوى فيسبق الدنماركيين!

أدركت تماما أني متأرجح بالهواء، ورجلاي تبحثان عن مكان ما في هذا العالم..قبلها بسعات كنت في مكان وقبل ذلك بأسابيع في مكان آخر .. آكل وأشرب لا وفق هواي بل ضمن جدول محدد، إنسان آليّ تحيطه وجوه غريبة كل منها يظن أنّه وجد وطنا حين هبط على هذه الأرض، وفي الطريق قرب محطة القطار، في فسحة بحجم العالم تعانق مدينة الألعاب وجدت علاء الدين يصحبني إلى حورية البحر، ويدفعني إلى شوارع تسيل من قدميّ، وميناء وقبة سماوية..ويملأ رئتيّ بعبق البحيرات، فأسافر معه من عند الحورية عبر ميناء كوبنهاغن إلى مدن قديمة أنكرتني، وأخيرا أجده في القبو تحت الأرض يخبيء لي صندوقا صغيرا.. مسجلا قديما وأشرطة اصفرت وعلتها غبرة تشبه الزيت الكثيف وكانت بطونها تضم أغاني قديمة لم أسمع بها.. لقد وجدتني في هذه اللحظة مع علاء الدين استسيغ الشحاذة، أنا شحاذ من نوع آخر، قد يشحذ شخص كسرة خبز .. قطعة ملابس يستر بها نفسه، نقودا أما أن يشحذ بلدا يمنحه هويته فذلك ما راودني فتمنيته وأنا أطالع صورة علاء الدين ذي الوجه الطفولي البريءوالعينين اللتين تشعان ذكاء من دون خبث، فأمني نفسي بأكثر من شيء فوجدت بعدذئذٍ معه كل شيء...

مع ذلك..

مع كل ما الفيته من محالٍ يشبه حلما تحقق ...

فقد كاد الغيظ يفتك بي، لو هشمت الزجاج، أوقلبت الكراسي، من حقي أن أصرخ في الزبائن اخرجوا.. أنتم مغفلون.. أحدكم يخون الآخر في زوجته .. الجميع يدري.. يتلذذون بالخيانة.. إلا أنا وحدي تواجهني " شارلوته " متأخرة بالحقائق المنفرة النتنة!...اللعنة عليكم، وعلى كوبنهاغن، و"دانا" .. ليس ما أسمعه الآن يوازي أيّ عمل آخر أجده تافها.. كما يفعل مع مقياس كهرباء قديم حين يحل الليل ويزداد الصرف فيضع أو أضع فوق صندوقه الزجاجي مغناطيسا حتى تبطيء حركته، وليست تلك جريمة مضحكة مثل ورق الحاسبة الذي علمني كيف أستله فأبدله بورق آخر أسجل فيه مبيعات أقل حتى إذا زارنا محاسب الضرائب كل ستة أشهر دفعنا وفق ما مدون على الورق البديل ضرائب أقل..

كان يقول هذه فائدة المكائن القديمة.. يمكن أن نتلاعب بها، لكن الأمر تجاوز تلك الآلات إليّ أنا.. كل تلك الطيبة، وهذه الألفة .. النعومة معي ماهي إلا سلوك يخفي سوء نية، ولو، وجدته أمامي، هذه اللحظة، لرفعت سيخ الكباب وغرزته في عينه ..كأن لم تمر على دخولي الدنمارك ثلاث سنوات كانت تبدو كافية لأن تجعلني أنسى بعض عادات الشرق الذي لفظني فتوهمت أني نسيته تماما. هناك حين خرجت ولم ألتفت خلفت قصصا لاتنعيني أصبحت واحدا من أصحابها الآن.. هناك من قتلت لأن أخاها وجدها تمشي مع صديق له.. بل قتل الإثنين.. وزوجة نخل زوجها جسدها بالسكين .. أوه أصبحت أبحث في ذاكرتي عن تلك القصص الهشة التي رأيتها وسمعتها في الشرق منذ استفزتني " شارلوته"فقد شعرت حقا أن الذي مد لي يد المساعدة بدافع الطيبة، وحسن النية اغتصب شيئا عزيزا عليّ، ها أنا أفقد زوجتي مثلما فقدت بلدا ولدت فيه ومن بعد، ذات يوم، قيل لي إنه ليس بلدك!

لكنّ "دانا" زوجتي وأم ابني!

إني أدرك أني أصبحت بنظر وضاح إحدى المكائن التي يمرر بها حيله الكثيرة التي أسرني بعضها..دون أن أعي أن الذي يخون الزمن كل ليلة تسهل عليه خيانة عامل عنده في المحل.

كنت مشغولا بتعديل سيخ الشاورما حين دخلت فجأة السيدة " شارلوته". كانت محمرة العينين محتقنة الوجه.. برميل يكاد ينفجر.. كأن الغضب على وجهها والاحتقار المرتسم بين شفتيها دفعاها إلى أن تهشم وجهي بقبضتها وتمزق جسدي بمخالبها..

صورة أراها عليها للمرة الأولى..

لا أخفي أني رأيتها تغيرت منذ فترة..نظراتها تحولت إلى لغة لا أعرفها..هل تشك في أني أسرق بعضا من وارد المحل؟بدت بعض الأحيان عصبية بشكل خفي شأن الدنماركيين الذين يظهرون أنهم لايبالون في البداية وبمرور الأيام قرأت معنى آخر في نظراتها.في الوقت نفسه ساورني بعض الشك في البيت وازداد شكي كلما وقع بصري على " علاء الدين" الذي يزداد حيوية ونشاطا فتوحي إليّ ملامحه أن هناك شيئا ما يدفعني إلى أن أبتعد عنه...

دخلت مهتاجة ثم تماسكت إذ التفت إلى حشد الزبائن، وقالت بلغة احتقار:

أين ذهب وضاح؟

لحظتها استفزتني لهجتها القاسية:

إنه الآن في الخارج يؤدي طلبا لأحد البيوت.ضحكت بسخرية وتهكم:

هل أنت أبله؟

للمرة الأولى تتحدث معي بمثل تلك اللهجة القاسية أترى فقدت الثقة بي إذ اكتشفت أن زوجها يزود بعض النوادي الاجتماعية بالطعام خفية خلال غيابها في المساء، فعدتني شريكا في السرقة، أم تستدرجني وهي تعي تماما أني مجرد عامل ولست شريكا مثلها في المحل؟

ما الذي تقصدينه؟

أقول لك بصراحة إما أنك لا تدري في هذه الحالة أنت أبله أو تدري عندئذ أنت قواد .. قواد كبير..تف..

صدمة..

كلام جارح..

مع عبارتها، في هذا الوقت تجلت بعض شكوكي، النار التي لسعتني بعد أن توضحت ملامح " علاء الدين" أحرقتني الآن.. كنت إحدى الماكنات. حيلة انطلت علي عشرات المرات مذ عملت في هذا المكان.. بقيت متماسكا إلى آخر لحظة.. التفت أرى وقع كلامها على الزبائن القريبين الذين كانوا منهمكين في الأكل:

هلا هدأت.. أنت في حال لا يمكن أن أفهمها..

قالت لكن بكل هدوء هذه المرة.. هدوء لا يخلو من السخرية:

الأفضل أن تسأل زوجتك ماذا كان وضاح يعمل في شقتها قبل ساعة، وأظنهالن تنكر ذلك فأنا رأيته يدخل عندها، وربما ستجده لم يغادر بعد فيغنيك وجوده عن السؤال" وراحت تضيف بنبرة أكثر هدوءا" ابن بلدي.. أخي الأصغر... إنه مثل ابني!!

الدنيا مقلوبة في عينيّ، فماذا أسمع؟ هذه أوروبا ..لا أعجب أن يضاجع ابن ابنته أو تلد أخت من أخيها، العدوى سرت لي من دون أن أعي...

مغفل حقا.

تركت المحل مهرولا نحو المرآب حيث دراجتي..رحت أقودها، والغضب يغلي بعروقي، ياصديقي وضاح، إنك تبدو حريصا على فعل الخير، فهل أنا أبله كما تزعم زوجتك "شارلوته" .. أحمق .. مغفل..تزوجت وفق نصيحتك من أجل أن تتركني في المحل فتقضي ساعة مع زوجتي بحجة خدمة النادي البولندي والنوادي الاجتماعية.. لا ألوم نفسي.. هل هناك عطاء من دون مقابل ؟يا للسخرية..كان علي أن أثق بالطيبة المطلقة والحنو المفاجيء، وليس بيدي حيلة الآن سوى أن أبصق في وجهك!

اجتزت الطريق .. راوغت السيارت.. لم ألتفت لإشارات المرور..

كيف وصلت ؟

حقا لا أدري إن كنت توقفت عند إشارات المرور أو قدت دراجتي في حقل السيارات.. الأمور كلها بعيني سواء..استقبلتني القبة السماوية وجانب البحيرة، انطوى الطريق تحت عجلات دراجتي..لاحت لي من الطرف المقابل شقتي .. وصلت إذاً من دون أن أعي، أسخر من نفسي حين أفكر بالقتل.. أقتلها.. أقتله.. وسر غفلتي يقول " علاء الدين" لايشبهك.. إنه إنسان آخر غيرك.. وضاح الذي تلاعب بـ "أحمد بلوط" بكل سهولة ويسر...

تركت الدراجة أسفل البناية، وهرعت أصعد الدرج.. العاهر.. قابلتها وجها لوجه، مازال علاء الدين يقظا في فراشه.. ابني الذي يشبه شخصا غيري.. سألتني بنبرة تعجب:

ماذا هناك ؟ أراك تركت المحل؟قلت بنبرة حادة:

هل غادر؟

من تقصد؟

تصنعي البلاهة أيتها العاهر إعملي نفسك أنك لاتعلمين..

تراجعت الى الوراء، وصدر صوت عن علاء الدين، فحاولت المروق من أمامي إلى غرفة الصغير لكني حجزتها، .ردت صارخة:

دعني مابك لم كل هذا؟ هل جننت؟

فعلا جننت.. كيف لا أجن ووضاح كان هنا!

هزت رأسها ثم لاذت بالصمت.. علا عينيها ذهول مريب، أما وجهها فقد اصطبغ بصفرة وشحوب، تحدثت وهي تلهث:

كان في توصيلة قريبة من منطقتنا، طرق الباب قائلا إنه اشتاق إلى علاء الدين!

بين السخرية والمرارة:

طبعا أب يشتاق لابنه!

توقفتُ عن الكلام كأنني عاجز حيال المشهد..وضعت ساعدي تحت ذقنها ورحت ألوي رقبتها، وأنا أصرخ.. التقطت شعرها بقبضتي اليسرى وجذبت عنقها نحو الحائط إلى الأسفل عند ركبتي ووجهت صفعات متتالية إلى وجهها..وعلت همهمة من غرفة الصغير فتراخت يدي قليلا مما جعلها تفلت إلى نهاية الممر نحو الباب الخارجي صارخة بأعلى صوتها وبنغمة محموة متحشرجة: وحش مجرم.. وحش.. لاتقتلني.. النجدة.. كانت تلهث.. تصرخ.. وتنشج نشيجا ثقيلا خلته يزلزل البناية.. وقبل أن ألحقها ترآى لي وجهها مغطى بدوائر زرقاء وخيط دم يقطر من أسفل أنفها.. لكن صورتها المرعوبة بوجهها الشاحب المزرق وخيط الدم والشعر المنفوش غابت عني تماما حين أغلقت الباب فتوارت خلفه عن بصري..

وقفت ألهث .. خلال دقائق كانت هناك في الخارج أمام الباب ضجة ما..

لقد انتهى كل شيء.. الجلبة والضوضاء التي ضاع فيها نشيج علاء الدين الخافت أفزعت العمارة كلها..ما ذا فعلت؟ لم كل هذا.. ؟ لو حكمت العقل حقا لانفصلت عنها..دنماركيون يخونون.. ودنماركيات.. أنا لم أنس الشرق الذي طردت منه بل تجاهلته في داخلي.. حاولت إسكاته فقط.. فلم أكد أستفيق إلى نفسي حتى سمعت خطى تتابع وأصواتا متداخلة، أعقب وقع الأقدام طرقات حادة على الباب واندفاع شرطيين نحوي.لم يتركا لي المجال في أن أعترض أو أتكلم..أشار أحدهما لي أن أستدير، في حين وقف الآخر مستعدا لمواجهة أية حركة نشاز تصدر عني:

إكتشفت إنها تخونني.

قال الشرطي البعيد:

هناك في التحقيق قل ماشئت.

وقال الشرطي الذي أمرني أن استدير أمامه:

أنت موقوف بدعوى الاعتداء على زوجتك!

وإذ هبطت معهما السلم لم أجد " دانا" ولا أيا من الجيران الذين استفزتهم الضوضاء فاتصلوا بالشرطة ..فخلال لحظات قليلة.. ران صمت مطبق على البناية شأنها كما كانت قبل ثورتي الصاخبة ثم تبينت قبل مغادرتي الباب الرئيس أن هناك شرطية كانت تقف عند المصعد وبيدها جهاز إرسال، لكنها لم تغادر مكانها لترافقنا، دفعني الشرطي داخل السيارة ثم دلف جنبي، وكان زميله الآخر يجلس خلف الموقد ليأخذاني إلى حيث لاأدري!

2

مهما يكن فعليّ ألا أستبق الأحداث.. قبل سنتين بعد شهر من دخولي الدنمارك التقيت السيد وضاح..ليست المصادفة بل هكذا كان يجب أن تجري الأمور..ذلك اليوم سيظل مطبوعا بذاكرتي.. كوبنهاغن التي استقبلتني بوجوه مختلفة أشاعت في نفسي الأمان بعد رحلة طويلة.. الوجه الأول يوم استقبلني ضابط في المطار...بوصف آخر أنا قصدته.. لم أذهب مباشرة إلى شباك القادمين فقد هرعت إلى ضابط شرطي.. رجل ما يرتدي اللباس الرسمي.. قلت مباشرة من دون مقدمات.. أيها السيد.. لا تأشيرة دخول في جواز سفري..

ماذا؟

أريد حق اللجوء رفجيوز ..جئت طالبا اللجوء.. want refugees right لا أحد يستقبلني في العراق أو إيران.. كلاهما أنكرني

وكان السيد وضاح وجها من تلك الوجوه التي قبلتني. لم أكن أعرفه من قبل..بعد أن أنكرني الجميع .. العراق.. إيران.. أي بلد في الشرق .. مستقبلك هنا.. كثيرا ما أسأل نفسي هل حقا قطعت تلك المسافة الطويلة إلى مركز المدينة، لألتقي ذلك الشخص الذي يملك مطعما في كوبنهاغن لعله كان مثلي هاربا في يوم من الأيام.

مطعم علاء الدين

ألوان وبهرجة.. لافتات، قلب المدينة حيث الحمام يتهادى في الساحة العامة عند مجلس البلدية، والموسيقى التي تعبر من مكان ما في نهاية شارع المشي، ومحطة القطار.. المكان نفسه لاح لي عن بعد فارتسمت على محياي علامة انشراح.كنت قبل ساعة أقف أمام المرآة المستطيلة في ممر البانسيون.. تطلعت في شكلي وخصلة شعري المنسابة على صفحة جبيني اليمنى. الجل على شعري اشتريته من مبلغ المساعدة الذي حصلت عليه يوم أمس.لابد أن أهتم بمنظري قليلا، ليس من أجل أن اصطاد فتاة ما.. وبدلا من أن أجلس في صالة البانسيون ألعب الشطرنج مع صيني لا أعرف بأية لغة أحدثه أو يدفعني الضجر والسأم إلى متابعة التلفاز وربما دخلت من حيث لا أدري في شجار محموم مع آخر اعتاد أن يطوف بالمحلات فيعود خلسه بغنيمة ما...

إني أسعى لأجد أي عمل كان..

لكن ماذا يمكنني أن أفعل هنا في هذا البلد غير غسل الصحون والتنظيف أو عاملا في مطعم..وقفت أمام منضدة عريضة، وألقيت التحية على الموظفة الرشيقة الشقراء التي فتحت خريطة استنسختها من دليل أمامها وأشارت: أنظر نحن هنا هذا الشارع "ييه بورج كذه ".. إما أن تستقل الحافلة.. أو تمشي.. ستوفر على نفسك بطاقة الحافلة المسافة ليست بذلك البعد.. أنت شاب..، انظر ستقطع الطريق إلى "ياكت فاي" على الطرف الثاني من المقبرة شارع "نورو برو".. هناك تستطيع أن تسأل في الشارع عن عمل ما.. ثم تنحدر نحو البحيرات إلى مركز المدينة! وعندما سألتني عن سر تلك الخطوط الغريبة التي لفتت نظرها أجبت إني كتبت اسماء الشوارع وشارع المركز الذي يؤوينا بالحروف العربية، ابتسمت وتمنت لي حظا سعيدا.

هذا هو اليوم الثالث وأنا أتجول في كوبنهاغن... من قبل لم أكن لأبتعد كثيرا..ويوم أمس رحت باتجاه نحو الشمال في مناطق أبعد.. لم أر مقبرة كبيرة.. على الرصيف الآخر..اليوم قطعت الطريق باتجاه المقبرة مثلما أشارت مديرة البانسيون فانحدرت نحو شارع "النورو برو".وقبل أن أصل محل "فوتكس "لفتت نظري واجهة لمحل يبيع اللحم.. كلمة بالعربية واللاتينية " حلال".. HALAL كان هناك طيران من الحجل معلقان في المدخل يمين الباب، ونسمة باردة رطبة خفيفة تهز ريشهما الأخضر المحاذي على للوح الزجاجي، وبانت خلف الزجاج قطع من لحم البقر والدجاج، وثمة في الداخل حيث البراد الذي لاح بابه مفتوحا جثث خرفان تتدلى من السقف. استقبلني عامل نحيف ذو ملامح شرقية يقف بين الواجهة وباب الثلاجة الكبيرة بعبارة لم أفهمها. قلت:

تتكلم العربية؟

رد بلهجة غريبة خمنت أنها لهجة شمال أفريقيا!

نعم أترغب في شيء ما ؟

هل أنتم بحاجة إلى عامل!

أنا لست صاحب المحل.. لحظة من فضلك..

التفت العامل نحو البراد حيث بدت لي من الباب خلال ضوء خافت حركة ما تصدر من بين الجثث المعلقة:

حاج حاج كلم السيد من فضلك" وبسط يده حالما خرج الرجل لذي كان يتعامل مع إحدى الجثث إذ حملها على كتفه ثم ألقاها على مسطبة جنب ميزان كبير:

الحاج شعيبي صاحب المحل!

كان رجلا نحيفا في الستين من عمره أو أكبر ببضع سنين، رغم التعب على ملامحه:

نعم سي محمد

قال العامل يسبقني:

الأخ " سي محمد" يبحث عن شغل.

من أين أنت؟

لهجتي أم شيء آخر يحدد هويتي، العراق ليكن العراق:

من العراق !

ياسيدي أنتم أبطال بارك الله فيكم أسرتم وزير النفط الإيراني ونأمل أن تأسروا رئيس الدولة والحكومة كلها!

أنا هجرت من العراق قبل الحرب.. وهذه الحرب التي هربت منها مازلت تلاحقني .لم يعرفني أحد في إيران.. أنا في معسكر للمطرودين بالأهواز.أختي مع زوجها رحلا إلى أستراليا هجرا عن طريق زرباطية قبلي بأيام، أما أبي وأمي فكانا ضمن مجموعة أخرى أرسلت إلى الحدود.. لم تكن الحرب وقعت بعد، والحاج المغربي ينسب كل نصر فيها لي..ربما يفكر أي من ذوي السحنة الغريبة مثلي بالذهاب إلى بلده .. يعود سائحا.. مقيما .. بأيّ شكل كان.. أما أنا ... مابال المغربي في دول الشمال يتحمس لغول الحرب في الشرق.. كان العامل يقف خلف المنصة ووجهه يتابع تعقيب الحاج بانشراح، ويقول بابتسامة واسعة: رجال .. والله.. غير أن دخول سيدة المحل جعله ينصرف لتلبية طلبها أما الحاج فقد سألني:

صار لك فترة في الدنمارك!

شهر في معسكر " توسترب"بضواحي كوبهاغن وأسبوعين في كوبنهاغن هنا أسكن في بانسيون قريبا من في محلك !

ماهي شغلتك؟

أية شغلة.. تنظيف.. أو أيا كان..

كأنه يفكر قليلا ثم قال:

ياسيدي نحن الآن لسنا بحاجة إلى عامل من الممكن حين نوسع المحل أو نضيف إليه ملحقا.. الدنماركيون بدؤوا يستسيغون عملنا لكن في الوقت الحالي هناك مطعم يملكه عراقي في مركز المدينة خطوات عن محطة القطار . مطعم علاء الدين.. مقابل المدخل الرئيس لمدينة الألعاب . مجرد أن تصل "التيفولي" صاحب المطعم بحاجة إلى عامل يعمل الشاورما؟

قد لا أجيد مثل هذا العمل.

السيد العراقي هناك طيب القلب سيعلمك وأنت ابن بلده.. ستتعلم معه الشاورما.البفتيك.. الكوتليت! أي شيء طبخ شرقي وغربي!

أنا مستعد أن أتعلم أي شيء.

عال هناك إسال عن "وضاح المهداوي "! لاتنس الشارع المقابل مباشرة لمدينة الألعاب "التيفولي".. مطعم علاء الدين..

وأكد مازحا" علاء الدين ليس علي بابا!

غادرت اللحام الذي كانت الحرب في محله تطاردني .. يريدني أنا الذي أفكر بغسل الصحون أو عمل الكباب أن أأسر له رئيس دولة .. أو حكومة بكاملها..واصلت السير ..باتجاه البحيرة، ثم انحدرت نحو مركز المدينة ..كنت أقف لحظات أستريح على وقع الخضرة والماء وتجمع النوارس والحمام والبجع. في كثير من الأحيان كان جمال كوبنهاغن يستفزني، فأنسى تعب المشي.. الجمال يسيل من حولي فأحسه بعيني ولا أجد له مذاقا بفمي.أتوقف عن السير لحظات وأتساءل: هل أجد هنا عملا كأن ما أبحث عنه بديل عن وطن كامل.. سد فراغ.. ماقيمة الحياة حين ينتشلك أمر من مسؤول ما يقتلعك من مكانك .. بيتك... المقهى الذي تجلس فيه يوميا.. حارتك رحلة الدراسة وأنت طالب في الصف الثانوي المنتهي ليبعدك عن مسقط رأسك.. في التحقيق لم يسجل الضابط إني بلا وطن.. stateløs عراقي .. هكذا كتب.. عراقي دله مغربي على عراقي آخر شرط أن أقبض على رئيس جمهورية إيران.وآتيه بالخميني قابضا على لحيته بيدي..فوجدت في العمل وطنا مؤقتا حتى تتحقق مواطنتي في الدنمارك.. الهواجس تلاحقني إلى أن لاحت لي - بعد ان اجتزت شارع المشي وقطعت ساحة البلدية - لوحة تحمل اسم علاء الدين. تطلعت في المحل عبر الواجهة الزجاجية، فوقعت عيناي على امرأة بدينة شقراء، يكاد يسيح الدهن من صدغيها، لم تخف السمنة ولا هيئة الجلوس خلف صندوق الحاسبة ضخامتها غير أن وجهها لما يزل يحتفظ ببعض من مسحة جمال تشبثت بعينيها وخديها وعلى بعد منها عند عرض المحل خلف فاترينا للطعام والسندويجات وقفت فتاة حنطية اللون ذات شعر فاحم منهمكة عمل شطائر لمجموعة زبائن مشغولين في ثرثرة خافتة ..الفتاة ليست اسكندنافية خالصة، قد يكون أبوها أو أمها. هناك ملامح شرقية لكن عليّ أن أبدو أنيقا مادمت أبحث عن عمل في مطعم.استقبلتني الفتاة بابتسامة واسعة الأمر الذي شجعني أن أتوجه إليها بالسؤال:

تتكلمين العربية.

ماذا؟

فاستدركت :

آسف إني أسأل عن السيد وضاح

رفعت إلي السيدة البدينة عينيها حالما فرغت من محسابة زبون، وقالت الفتاة قبل أن تتجه الى الزبون ذاته الذي قدم نحوها يحمل ورقة تخص طلبه:

بعد نصف ساعة على الأكثر.

والتفتت السيدة البدينة إلى الآنسة:

الآن هو في الطريق.

شعرت ببعض الضيق شأني كلما يجيبني شخص لاينظر إلى مباشرة بل إلى شخص ثالث، وانتابني هاجس أن نظرات السيدة التي يتوقد قيها الذكاء كانت مزيجا من الشك والحذر غير أنها لاتخلو من الرقة والأدب...

هل يمكنني أن أنتظره.

أجل ..

قالت الفتاة بابتسامة وانصرفت إلى عملها..

تخذت مكاني على أحد الكراسي القريبة من عارضة الطعام، وانتقلت عيناي بين الواجهة المطلة على الشارع والباب الخلفي الذي يشرف على ساحة هادئة تفضي إلى شارع فرعي ضيق في الوقت نفسه دخل من الباب الخلفي رجل ضخم مهيب الطلعة تآكل- كما خيل إلي - طرف أنفه من حبة بغداد أو بفعل الجدري، مع ذلك يظن الذي يلتقيه أنه دائم الابتسام، اتجه نحوي كأنه يعرفني من زمن، ونهضت أعرفه بنفسي:

أحمد البلوط

ابتسم كأنه متردد، وتساءل:

اسمك الحقيقي.

ياسيدي من حقك أن تسأل لأنك لاتعرفني، وهناك من يتعامل باسم آخر غير اسمه الحقيقي..

يعني هذا اسمك الحقيقي

وأوؤكد لك خلال أوراقي الثبوتية.

لست أقصد الإساءة لك سوى أن العراقيين يتعاملون إما باللقب أو باسم مستعار لكن اسمك لفت نظري لأنه أقرب إلى الأسماء اللبنانية!

ياسيد وضاح الحقيقة رواها أبي اسمه بلّاط نعم بلاط فغلط مأمور النفوس حين دونه فسجل بلوط بدلا من بلّاط.

وعقّب ممازحا:

ربما كان ذلك المأمور ثقيل السمع !" وأضاف بخفة" تخيّل الآن لو أن مأمور نفوس ثقيل السمع غلط في اسم مولود فسجله صرّام بالراء بدل الدال ستكون إذن كارثة!

ياسيدي جد أبي كما سمعت من أمي كان يتاجر بالبلوط من أين يأتي به لا أدري المهم أنه سمى أبي باسم ما يتاجر به.

لايهم بلوط بلاط المهم هذا هو اسمك الحقيقي.

وهذا ما سوف أثبته في سجلات الدنمارك الرسميّة.

بعد صمت لحظات:

هل أجلب لك طعاما!

لك جزيل االشكرلست بجائع

الا تشرب شيئا؟

صدقني لا أشعر بعطش ولاجوع رغم أني جئت ماشيا من منتصف شارع "نورو برو"إلى هنا!

حسنا

دخل وراء العارضة وقدم يحمل وعاء فيه ماء ساخن، وبعض أكياس الشاي والقهوة :وجلس وهو يتساءل: قلت جئت ماشيا من نورو برو إلى هنا."هز كتفيه وواصل":ماذا في الأمر أنت شاب والمشي صحة..

الحقيقة لا أقصد أن أوفر بطاقة الحافلة بل لأسال اصحاب المطاعم عن عمل" فهز رأسه وأردفت جادا" اللف من أجل العمل!

فتأمل بعض الوقت وقال:

هل هناك سبب لاختيارك الدنمارك ام جاء الأمر مصادفة..

لا أخفيك أني هجرت أنا وأختي وزوجها وأبي وأمي قبل الحرب أنا إلى منطقة شلامجة في البصرة .. أختي وزوجها مع مجموعة أخرى في حين الوالد والوالدة تم ترحيلهما فيما بعد، ومن حسن حظي أن لي أخا من والدي .. تاجر ذهب في سوق واقف، اتصلت به حال تسفيرنا فتابع قضيتنا، دعمنا بالمال، فدبرنا أمرنا، أختي وزوجها فضلا استراليا كون أهل صهري هناك وبقيت أنا مدة في الأهواز حتى وجدت حلا في اللجوء ويبدو أن الإشاعة راحت تنتشر حول اللجوء والدول الإسكندنافية..

فابتسم وقال:

يعني أنكم قدمت إلى هنا عبر المطار .

أنا نفسي لم أصدق كيف تم الأمر من دون تعقيد.

أنا حين قدمت عام 1965 دخلت إلى هذه البلاد بصورة طبيعية وحصلت على الإقامة من دون تعقيد." وارتشف من فنجانه " ثم التفت يسألني:

كم مر عليك هنا في الدنمارك.

شهر في معسكر بأطراف كوبنهاغن وأسبوعان هنا بانسيون " بيت القهوة " في "بورغ كذه" حتى التقيت بالحاج المغربي صاحب المحل...

فلزم الصمت فترة ثم تأمل، خيل إلي أنه يفكر، أو يتطلع في زوجته تارة ثم العاملة:

قل لي تنوي الرجوع ثانية للعراق؟

خيل إليّ أنه سؤال ساذج.. طيب .. مباشر.. الرجل صريح.. ربما عجزت عن أفهم قوله:

صحيح أنا بالإسم عراقي نعم.. مشاعري..كلها .. من يقابلني من العرب يمدح العراق.. وبعضهم يريدوني أن أقبض على رئيس دولة نحاربها ولا أحد يعلم أني سفرت من العراق قبل الحرب وإني أصبحت مثل الفلسطيني من دون بلد فكيف أرجع، وليست هناك من بوادر تلوح على أن النظام يتغير.

فأطلق ضحكة وقال:

الآن، على الأقل على المدى البعيد لن يتغير النظام ولنفرض تغير ماذا يمكن أن يتحقق لك حين تعود بالعكس النظام يثبت نفسه أنه يحمي العرب من الفرس يتم شيطنة الثورة الإيرانية، في زماننا كانت الحرب بين العالم الغربي والشيوعية شيطنة الاتحاد السوفيتي، الكفر والإيمان، الإلحاد والدين، أنا رجل من المهدية منطقة سنية في بغداد لكني أقول الحقيقة.. البوصلة اليوم تتجه نحو الطائفية ولا أظن النظام يتغير بل كل يوم يقوى ويزداد عنفه ويبدو للجميع أنه حامي العرب!

غاية ما أسعى إليه هو أن أبني نفسي هنا في الدنمارك مادام هذا البلد آواني..لعلني أحصل ذات يوم على حق المواطنة.

إذاً انس جماعتنا العرب.. لا تختلط بهم..إنس هذه الأمور تجاهل الخميني وصدام والحرب مادمت تعيش هنا!

غادر مقعده إلى حيث السيدة البدينة، تحدث معها قليلا، وبقي لحظات جنب العارضة حتى إذا انتهت الفتاة من طلب زبون توجه إليها، وتطلع في ثم عاد وهو يقول:

قلت لي شهر مر عليك هنا، واظن أن تقديم الطلبات يحتاج إلى عامل ملم باللغة

فاندفعت مقاطعا:

لعلني أمارس الشغل في غسل الصحون والتنظيف وبعض الطبخ فتلك أمور لاتحتاج إلى لغة أو مهارات تخصص.

لا بأس، لاتقلق، سوف أعرض الأمر بالتفصيل على زوجتي، أم حسن، هكذا أسميها " شارلوتة" السيدة التي تجلس على الحصالة شريكتي أسميها باسم ابننا الكبير، هو الآن في الصف الأخير يدرس ليكون طبيبا حين أريد أن أزعجها أناديها أم حسن، لكني لا أزعجها الآن!

يعني سأقول لك أبا حسن.

لا أرجوك هنا كل يتحمل وزر اسمه أنا هربت من العراق عام 1963 باسم وضاح المهداوي وسوف يظل وضاح يرافقني إلى القبر على الرغم من أن "شارلوته "تقول إن اسمي صعب وإن حسن وعلاء الدين يبدوان سهلين لها.

" ودفعني الفضول" لديك حسن وحده!

لا يوهان لما يزل على تخرجه سنتان هي سمته يوهان، قالت مادمت اخترت اسم المولود الاول فانا أختار أسم الثاني!

حسنا لا أروم أن أشغلك عن عملك.. متى أمر عليك ؟

يوم.. يومين

ونهضت لانصرف لكنه استبقاني لحظة، ليسأل:

يبدو أنك على عجالة من أمرك..

لا ابدا فليس هناك من أي شغل عندي وسوف أقضي الوقت في الشارع أو في غرفتي.

ألا تحب أن ترى القبو؟

نهضت معه حيث هبطنا درجات إلى القبو، ومع آخر درجة تلاشى عندها ضوء الخارج، ضغط من جهة يمين السلم على زر لمصباح توهج بنور أبيض ساطع .كان كل شيء يوحي بالترتيب والنظافة، سيخ الشاورما الجديد، وبعض أدوات الشغل، البراد الكبير في نهاية القبو حيث بعض قطع اللحم والخضار:

سنبدأ بتقديم الشاورما والفلافل .. قبل أيام جربت الحمص طحينية فاستساغها الدنماركيون.. " وأضاف وهو يتفحص الكهرباء وقنينة غاز " الدنماركيون، والإسكندنافيون، بدؤوا ينفتحون على الشرق.. يسافرون إلى لبنان وسورية .. وتركيا..أصبحت كلمة شاورما وكباب .. حمص معروفة لديهم.. العمل سيتوسع.. شد حيلك.. يمكن أن أعلمك أي شيء.

أنا على استعداد أي وقت تطلبني..

هنا سوف تعمل تصف سيخ الشاورما ثم تحمله إلى إلى الأعلى ستساعدك " دانا" أما إذا ضجرت فيمكنك أن تدير المسجل .. أي شريط يعجبك لكن ليكن الصوت منخفضا حتى لايتخلل إلى الأعلى.

وخطا نحو المنضدة حيث المسجل، فضغط على أحد الأزرار فانساب صوت ما لم أسمع به من قبل :

داده جميل اشبدلك... يفتر عكس شغل الفلك

دادا جميل..

والتفت إليّ متسائلا:

ها أعجبك!

فقلت من دون تردد:

جميل لكني لم أسمع به من قبل!

أعرف أنا أحب المقام العراقي وهذه أشرطة قديمة القبنجي حسن خيوكه الغندرجي ناظم الغزالي زهور حسين أنتم الجيل الجديد لال تستسيغونها لكني حين أكون وحدي منتصف الليل وأهئ الشاورما لليوم التالي أتلهى مع المقام وأدندن وأنا أنصت إلى الغناء!

كأن الصراحة دفعتني إلى أن أجاريه:

أنا الآن كل همي اللغة الدنماركية والعمل!

رائع سيكون خيرا مادمت متحمسا " بإمكانك أن تجلب أي شريط فقط اخفض صوت المسجل إلى أدنى حدّ "خطا ثاانية نحو المنضدة وأوقف الأغنية" لكن تذكّر أسرار المهنة.. كل شيء .. يبقى سرا.. من أين يأتي اللحم كيف تصنعون الطعام هذا أبدا يبقى سرا ..الخصوصيات هذه تتعلق بالرزق...

أي شيء تراه يمكن أن تذكره لألتزم به.

هناك جانب آخر يجب أن تعرفه نحن نقدم لحم الخنزير والصوصج والبيرة في المطعم "أردف أشبه بالمزاح"!لا تقل لي حرام وإسلام الذي يبحث عن إسلام وحرام تلك السعودية أو إيران!

ياسيدي ذلك لايهم.

ممكن إذا الحاج "شعيبي" باعني لحم العجل للشاورما بسعر رخيص مثل الملاحم الدنماركية ابتاع منه اللحم الحلال.

وصعدنا مرة أخرى الى المطعم وما كدت أخطو خارج الباب حتى سمعته يتكلم مع زوجته بحديث ما، ثم يستوقفني قائلا:

إنتظر سأوصلك بالسيارة!

 

قصي الشيخ عسكر

....................

حلقة من رواية: علاء الدين

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم