صحيفة المثقف

عن رسائل الجزائر الاخيرة

كاظم الموسويودع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الرئاسة، برسالة سلمها الى رئيس المجلس الدستوري، واذاع الفريق احمد قايد صالح رئيس اركان الجيش الوطني الشعبي ونائب وزير الدفاع رسالة موقف ومسار وربما اشارة منظمة للمرحلة القادمة.. والشارع والاعلام ينقل رسائل متواصلة مع الحدث، اغلبها مطالبة بالتغيير والتجديد.. وكلها رسائل مهمة وقد تكون خطيرة في ظروف واوضاع البلاد وما يتربص بها..

تاخر الرئيس بوتفليقة كثيرا في قراره كما تاخرت قيادة الاركان.. المتغيرات حول الجزائر كثيرة ومتوازية والضغوط ليست قليلة والاخطار لم تكن نائمة.. ورغمها فان ما ياتي ليس سهلا ولا هينا في الحفاظ على الثوابت والتقدم الى الامام في بناء مرحلة ما بعد الرئيس المستقيل، وفرز التدخلات والتداخلات المكشوفة والمعلنة وما خفي منها.

أبلغ الرئيس بوتفليقة رسميا رئيس المجلس الدستوري قرار إنهاء عهدته بصفته رئيسا للجمهورية، وذلك اعتبارا من تاريخ 2 نيسان/ أبريل 2019، بحسبما أفاد به بيان للرئاسة الجزائرية، وعرضته صور تلفزيونية ناطقة بقرار الاستقالة. وتضمنت الرسالة الرسمية الاخيرة للرئيس، رسالة الوداع لمسيرة عشرين عاما من الحكم، اشارات تتطلب الانتباه لها ولما وراء سطورها.

اكد فيها: إن قصدي من اتخاذي هذا القرار إيمانا واحتسابا، هو الإسهام في تهدئة نفوس مواطني وعقولهم لكي يتأتى لهم الانتقال جماعيا بالجزائر إلى المستقبل الأفضل الذي يطمحون إليه طموحا مشروعا.

واضاف: لقد أقدمت على هذا القرار، حرصا مني على تفادي ودرء المهاترات اللفظية التي تشوب، ويا للأسف، الوضع الراهن، واجتناب أن تتحول إلى انزلاقات وخيمة المغبة على ضمان حماية الأشخاص والممتلكات، الذي يظل من الاختصاصات الجوهرية للدولة.

ووضح: إن قراري هذا يأتي تعبيرا عن إيماني بجزائر عزيزة كريمة تتبوأ منزلتها وتضطلع بكل مسؤولياتها في حظيرة الأمم.

لقد اتخذت، في هذا المنظور، الإجراءات المواتية، عملا بصلاحياتي الدستورية، وفق ما تقتضيه ديمومة الدولة وسلامة سير مؤسساتها أثناء الفترة الانتقالية التي ستفضي إلى انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية.

وختمها بتاكيد وشهادة عن مرحلة واشارة لمرحلة جديدة تستمد تطورها من مفرداتها وبناء المرحلة لما يخدم مصالح العباد والبلاد؛

يشهد الله جل جلاله على ما صدر مني من مبادرات وأعمال وجهود وتضحيات بذلتها لكي أكون في مستوى الثقة التي حباني بها أبناء وطني وبناته، إذ سعيت ما وسعني السعي من أجل تعزيز دعائم الوحدة الوطنية واستقلال وطننا المفدى وتنميته، وتحقيق المصالحة فيما بيننا ومع هويتنا وتاريخنا.

واخر كلماتها تمنيات: أتمنى الخير، كل الخير، للشعب الجزائري الأبي".

من جهته طلب رئيس اركان الجيش الوطني الشعبي الفريق أحمد قايد صالح "التطبيق الفوري" للحل الدستوري،  كبادرة خير وأمل للخروج من الأزمة، معتبرا ان هذه المبادرة التي قدمها الجيش الوطني الشعبي، انطلاقا من إحساسه بالمسؤولية التاريخية تجاه الشعب والوطن، لكن مع الأسف الشديد قوبل هذا المسعى بالتماطل والتعنت بل والتحايل من قبل أشخاص يعملون على إطالة عمر الأزمة وتعقيدها، والذين لا يهمهم سوى الحفاظ على مصالحهم الشخصية الضيقة غير مكترثين بمصالح الشعب وبمصير البلاد.

وبعد ان ترأس اجتماعا بمقر أركان الجيش الوطني الشعبي، ضم كل من قادة القوات وقادة النواحي العسكرية والأمين العام لوزارة الدفاع الوطني ورئيسي دائرتي أركان الجيش الوطني الشعبي، في إطار متابعة التطورات المرتبطة، تقدم بالاقتراح الذي دعمه الجيش الوطني الشعبي الرامي إلى تفعيل المواد 7 و8 و102 من الدستور. وأكد أنه تابع عن كثب تلك المسيرات السلمية، التي خرج فيها الشعب الجزائري رافعا مطالب مشروعة، وأشاد بالسلوك الحضاري والمستوى الراقي للوعي والنضج الذي أبانه الشعب الجزائري، طيلة هذه المسيرات، معبرا عن تأييده التام لمطالب الشعب وتطلعاته المشروعة، انطلاقا من قناعته النابعة من تمسكه بالشرعية الدستورية وأن الشعب هو المصدر الوحيد والأوحد للسلطة.

كما ذكّر بمختلف مساعي الجيش الوطني الشعبي لإيجاد حل للأزمة منذ بداية المسيرات، حيث أكد بتاريخ 18 آذار/ مارس على ضرورة إيجاد حل لهذه الأزمة في أقرب الآجال وأن هناك حل بل حلول لهذه المعضلة، شريطة أن تندرج في الإطار الدستوري، لكن وأمام عدم الاستجابة لهذا المسعى، ونظرا لإدراكه العميق بحساسية الوضع، تطرق مرة أخرى بتاريخ 26 آذار/ مارس، وأكد على ضرورة إيجاد حل للخروج من الأزمة حالا وقدم اقتراح تفعيل المادة 102 من الدستور، كحل يندرج حصرا في الإطار الدستوري، الذي يعد الضمانة الوحيدة للحفاظ على وضع سياسي مستقر.

وكانت المحطة الأخيرة هي اجتماع مقر أركان الجيش الوطني الشعبي،  يوم 2 نيسان/ أبريل 2019، ومعه تصريح الفريق: “لقد أكدت في العديد من المرات على أنني بصفتي مجاهد كافحت بالأمس المستعمر الغاشم وعايشت معاناة الشعب في تلك الفترة العصيبة، لا يمكنني السكوت عن ما يحاك ضد هذا الشعب من مؤامرات ودسائس دنيئة من طرف عصابة امتهنت الغش والتدليس والخداع، ومن أجل ذلك فأنا في صفه وإلى جانبه في السراء والضراء، كما كنت بالأمس، وأتعهد أمام الله والوطن والشعب أنني لن أدخر جهدا في سبيل ذلك، مهما كلفني الأمر”.

كلمات التصريح مع ماوراء السطور في رسالة  الوداع يتبين المشهد السياسي، وماوراء الرسائل الاخيرة يشرح دور ومساعي الجيش، التي اضاف الفريق لها، ان الشعب الجزائري بارك هذه المساعي وثمن حرص الجيش الوطني الشعبي على إيجاد حل دستوري للأزمة في أقرب الآجال.

اين الأزمة وهل مختصرها في موقع الرئاسة ام أنها أبعد من ذلك؟!. ومن حفز الحراك الشعبي؟. كيف تطورت الشعارات المطلبية، ولماذا؟.

الحراك الشعبي السلمي الحضاري نجح في الضغط على انتهاء مرحلة ودعا الى إستمرار وضرورة التجديد والتغيير، وهو ما يؤشر لخطوات المرحلة الجديدة، بعد بوتفليقة. لكن كيف ستكون؟، انتقالية دستورية ام توافقية ثورية؟، حكم الجيش ام فوضى الشارع؟ هنا توضع التجربة التاريخية لثورة المليون ونصف مليون شهيد والعشرية السوداء، وتجارب البلدان الشقيقة الاخيرة، وتكون ماثلة وذات عبرة ودرس واعتبار..

من سيقود البلاد بعد الاستقالة واجتماع القيادات العسكرية؟، واجتماعات قيادات معارضة سياسية؟!. وتصريحات متعددة من جهات متنوعة، واستمرار الحراك الشعبي في الشارع؟!. أن المهمة ليست يسيرة وان الاستراتيجية الوطنية التي  تؤمن الأمن والاستقرار والتقدم والازدهار للبلاد، والعقل والحوار الوطني ورؤية المصالح الشعبية تظل المفتاح لمستقبل أفضل للجزائر العربية الديمقراطية الشعبية، لجزائر عزيزة كريمة فعلا.

 

كاظم الموسوي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم