صحيفة المثقف

في العراق.. المجتمع يتعاطى المخدرات والدولة تتعاطى السرقات!

قاسم حسين صالحتنويه: عقدت منظمة الجوهرة للتعليم والخدمات العامة مؤتمرا علميا تحت شعار (من اجل مجتمع خال من المخدرات). وفي عصر اليوم ذاته (السبت 22حزيران 2019) اقام الأتحاد العربي للأعلام الألكتروني بالتعاون مع تجمع عقول ندوة علمية في ملتقى رضا علوان الثقافي بعنوان (المخدرات: حجمها، أسبابها، مخاطرها، والحلول).. وكان لنا شرف ادارة النشاطين وتقديم ورقة فيما يأتي عرض مكثف لها.

مؤشرات

كان العراق يحتل مرتبة متأخرة بقائمة المخدرات في سبعينيات القرن الماضي بحسب تقارير دولية اشارت الى انه كان ممرا لها فقط، فأصبح بعد 2003 مستهلكا لها وشاع تعاطيها وصارت تباع على ارصفة الشوارع.

وتقدم الأحصاءات مؤشرات خطيرة عن حجمها، اذ تشير أولها الى وجود ثلاثة مدمنين على المخدرات من بين كل عشرة افراد وفقا لمستشفى ابن رشد للمراض النفسية، فيما يذكر تقرير الامم المتحدة ان من بين كل عشرة اشخاص اعمارهم بين 18 -30 سنة، يدمن ثلاثة.. وبين كل ثلاثة منتسبين في القوات الامنية يتعاطى واحد منهم مادة مخدرة. وتفيد إحصاءات العيادات الخارجية بالمستشفيات الحكومية في العام 2009 بأن عدد المدمنين على الكحول والحبوب الطبية المؤثرة عقليا بلغ 2017 مصابا، يرقد منهم في المستشفيات نحو 320 شخصا، فيما تذكر إحصائية الهيئة الوطنية لمكافحة المخدرات بإن عدد المدمنين المسجلين هو( 16) الفا بينهم أكثر من ألف طفل أعمارهم بين (10-14) بمحافظة بغداد لوحدها. وبحسب آخر إحصائية للهيئة الوطنية العليا لمكافحة المخدرات، هناك أكثر من 7000 حالة إدمان في العراق، مضيفة بان "الحبوب المخدرة أُسيء استخدامها من بعض الشباب فتعاطوها كمواد مخدرة رخيصة الثمن يسهل الحصول عليها" . وفي ذي قار لوحدها بلغ عدد المراجعين من مدمني المخدرات والحبوب بمستشفى الحسين التعليمي بمدينة الناصرية إلى 25 شخصا اسبوعيا، عدا كثيرين لا يراجعون المستشفيات، لأن تعاطي المخدرات يمثل عارا بالمجتمع العراقي.

 وفي اقليم كردستان أعلن العميد جلال امين بك مدير مكافحة المخدرات بمديرية الاسايش في السليمانية اعتقال (310) شخصا عام 2016 بتهمة تعاطي المواد المخدرة والاتجار بها مقابل اعتقال (150) شخصا عام 2015 صدرت بحقهم أحكام بالسجن تصل الى (15) عاما، فيما شهد عام 2016 انخراط النساء بتجارة المخدرات، وتشير تقارير بأن الشباب يشكلون الغالبية العظمى من المتعاطين للمخدرات والمؤثرات العقلية بكردستان إذ بلغت نسبتهم (91%) من الموقوفين، ينتمي 38% منهم لأسر فقيرة.

وتثبت الوقائع بأن المنافذ الحدودية مع ايران هي المصدر الرئيس لدخول المخدرات، اذ تم ضبط 16 مليون حبة مخدرات تم ادخالها الى العراق عن طريق ميناء البصرة الدولي، وايقاف شحنة حقائب مدرسية محشوة بحبوب مخدرة من نوع (الكبتاجون) يصل سعرها الى 500 مليون دينار عراقي، وحرق اكثر من طن مخدرات في كردستان دخلت من ايران.

 ومع ان هنالك مبالغة في بعض النسب اعلاه، وعدم دقة تعود الى ان المتعاطي والمتاجر لا يكشف عن نفسه خوفا من العار الاجتماعي، فان هذه الجهات الرسمية وشبه الرسمية بمعظم المحافظات، والدولية ايضا تتفق على ان المخدرات شاعت في العراق.. وأن الحقيقة المؤكدة التي نخرج بها ان حجم المخدرات قد اصبح ظاهرة خطيرة منتشرة في جميع المحافظات تتصدرها البصرة، بغداد، ذي قار، وكربلاء!

الأسباب

 تتنوع الأسباب وتتداخل، غير أن أهم سببين بين ما كان وما حصل أن الدولة قبل 2003 كانت قوية في تطبيق القانون بعقوبات تصل حد الأعدام لمن يتاجر بالمخدرات، وان تعاطي الكحول كان مباحا، وبالصريح فأن الفضل يعود الى العرق العراقي.. لأن من يتعاطاه لا تكون لديه حاجة الى أي مخدر مهما كان قويا.. فيما الذي حصل بعد 2003 أن الدولة بمفهومها الأمني لم تعد موجودة، وان محلات بيع الكحول تم غلقها بمعظم المحافظات، فضلا عن دعوة ممثلي احزاب الاسلام السياسي في البرلمان العراقي بتحريم الكحول، وقيام بعض المليشيات بحرق عدد من محلات بيعها لاسيما في البصرة.

وتتلخص الاسباب العراقية الجديدة بان حكومات المحاصصة بعد 2003 كانت منتجة للازمات عبر سبع عشرة سنة ومنشغلة فقط بمصالحها، ولا يوجد هنالك حزب في السلطة يقدّم المصلحة العامة على مصالحه الخاصة. وطبيعي أن حالا كهذا يؤدي الى نشوء حالات اجتماعية سلبية تتطور بتوالي الأزمات الى ظواهر كان أخطرها تضاعف حالات الطلاق والانتحار وتعاطي المخدرات.

واقتصاديا وسيكولوجيا، كان تفشي البطالة بين الشباب بشكل غير مسبوق، وتوالي الخيبات أحد أهم الأسباب التي دفعت الشباب الذين يشعرون بالضياع وانعدام المعنى من الحياة والأكتئاب والخوف من المستقبل الى تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية، فضلا عن عدم وجود معالجات واقعية وصحية وعلمية من الحكومة الاتحادية. ومن المفارقات.. ان الحكومة في العراق هي بيد احزاب الأسلام السياسي، وان الدين الذي تدعو الى تطبيقه يحرّم المخدرات، فيما واقع الحال انها صارت في زمنها مشاعه ولم تكن موجودة في زمن الحكم العلماني!. والثانية الأقبح يشخصّها مركز الفرات للدراسات بأن" الاشكاليات السياسية والدستورية، استغلتها قوى سياسية متنفذة لتعزيز مواردها المالية.. وأن انخفاض اسعار النفط عام 2014 وحاجتها لتمويل نشاطاتها عبر لجانها الاقتصادية في ظل توسع نشاطها السياسي والاعلامي الذي يتطلب تمويلا كبيرا، دفعها الى الامعان في السلوكيات غير القانونية، استغلت قوتها وقدراتها في موضوعات الاتجار بالسلاح والمخدرات والتهريب.. ".

ويؤكد تجار ومهربون، تفاقم ظاهرة تهريب العرق والخمور المستوردة من العراق إلى إيران مقابل تهريب الحشيشة والحبوب المخدرة منها للعراق، وأن تخلخل الاستقرار السياسي دفع القوى السياسية الى ما هو مشروع و غير مشروع في تحصيل مكاسب من بينها سيطرتها على المنافذ الحدودية وممارستها الاستيراد والتصدير، وتوريط مسؤولين عراقيين باشراكهم واعطائهم نسبا من الارباح.. لهدف سياسي ايضا هو الهاء الشباب بالهلوسة وتخديرهم

المخاطر

 يصاب المتعاطي بالهزال بسبب فقدانه لشهية الطعام وتعرضه للاصابة بالأمراض لضعف مناعته، واضطراب بالأعصاب والجهاز الهظمي والتنفسي وفقر الدم وانفجار في الشرايين وفقدان الذاكرة وتآكل الخلايا العصبية بالمخ والصرع والهلوسة وضعف النشاط الجنسي، والأصابة بالعقم وانجاب اطفال مشوهين. وقد يصاب بالذبحة الصدرية والتدرن الرئوي والسرطان.. ويبدو متعاطيها الذي هو في الثلاثين من العمر كما لو كان بعمر الخمسين.

وعلى صعيد الأسرة فأن المخدرات تعدّ من اخطر اسباب التفكك الأسري الذي يبدأ بعدم قدرة افراد الأسرة على تحمل تقلبات مزاج المتعاطي الذي يتطور الى الشجار والعدوان والفراق والطلاق اذا كان متزوجا، و تاثيراته السلبية على الأطفال الذين يرحل عليهم عدوان الأب والأم ايضا، وامتداد تاثيراتها الى مرحلة الرشد، فضلا عن العار الاجتماعي وخجل الأسرة من وجود مدمن فيها. وعلى صعيد المجتمع يؤدي تعاطي المخدرات الى ظهور عصابات ومافيات تتاجر بالمخدرات، وتشكل السبب الرئيس في زيادة حوادث القتل والطرق والسرقة والاحتيال وأختطاف اشخاص او اطفال بهدف الحصول على المال لشراء المخدرات التي يصل فيها سعر الغرام الواحد اكثر من خمسين دولارا(الكرستال مثلا).. تتداخل مع تعطل طاقات الشباب على صعيد الدولة وتورط بعض افراد اجهزتها الأمنية بالتعاطي او المتاجرة بها، وانشغال اجهزتها الصحية في الحد منها ومعالجة الآف المدمنين، وهدر اموال كثيرة يمكن ان تستثمر في بناء المدارس وتأمين الخدمات العامة.

 على أن أخطر وأقبح ما تحدثه المخدرات انها تسلب من المدمن ارادته وتشلّ وعيه.. فيرتكب أبشع الجرائم بقتل أحبته. ففي العراق، قتل شاب مدمن على المخدرات أمه!، وآخر قتل جدته، وآخر قتل شقيقه وشقيقته.. والسبب أنه طلب منهم مالا لشراء المخدرات ولم يعطوه. وتشير الدراسات العربية والأجنبية الى ان المدمن على المخدرات اذا استنفد وسائل التحايل والسرقة والنشل فأنه يقتل أعز ناسه اذا رفضوا اعطائه مالا.

والجريمة الأقبح.. ان متعاطي المخدرات اذا وصل حالة الأدمان عليها فأنه يرتكب فاحشة الزنا بالمحارم. تؤكد ذلك دراسات سعودية ومصرية، حيث افادت اللجنة الوطنية بالمديرية العامة لمكافحة المخدرات في السعودية أن " المخدرات تسلب الفرد ارادته وتدفعه لغشيان محارمه". وفي مصر، يشير استشاري الطب النفسي الدكتور جمال فرويز ان اسباب تكرار زنا المحارم في المجتمع المصري يأتي نتيجة "تعاطي الأشخاص المخدرات.. لاسيما الحشيش والأبتريل.. "، يؤيده الدكتور هاشم بحري أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر" إن زنا المحارم يرجع لعدة أسباب اهمها:غياب الضمير، والوازع الديني، والعادات والتقاليد العائلية، لكن السبب الرئيس في اللجوء لزنا المحارم، وعمليات القتل والسرقة، هو تعاطي المخدرات بنسبة 99%!، بينما النسبة ضئيلة جدًا في مرضى الأمراض العقلية".

اما في العراق.. فالحال موجود ايضا لكنه مسكوت عنه لأسباب تعرفونها.

الحلول

 تتعدد الحلول لكننا ندعو الى تبني حلّ واحد يتمثل بوضع استراتيجية علميه تنفذ على مراحل، يسهم في صياغتها أكاديميون بعلم النفس والاجتماع والتربية، وممثلون عن مجلسي النواب والوزراء، والهيئات المعنية بمكافحة المخدرات، وقانونيون شاركوا بكتابة قانون مكافحة المخدرات رقم (50) لسنة (2017)، يرفع الى مجلس النواب للمصادقة عليها ويلزم الحكومة بتنفيذها.. وبدونه يصح توقع الامم المتحدة بان المخدرات ستفتك بالشباب العراقي ان بقي الحال كما هو.. المجتمع يتعاطى المخدرات والدولة مشغولة بالسرقات!.

 

أ.د.قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

أمين عام تجمع عقول

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم