صحيفة المثقف

إلا تخافين الموت؟

جاسم العبيديالى نجاح العابدي

 استذكارا لزيارة مقبرة الحسن البصري

***

 نظر الى نفسه في المراة التي امامه احس بقشعريرة تجتاح جسده عقب ان ودع ابيه الى مثواه الاخير في عام مضى في مقبرة الحسن البصري كانت تقف امامه بعنفوان قامتها ونظرتها الساحرة احس حينها ان شيئا ما بداخلها ارادت ان تتحدث به اليه لكنها عجزت عن ان تقوله وضع اكليل الزهور على قبر ابيه واحس برعشة يده وهي تلامس تراب القبر شعر انه الان يفترب من نهايته وهو ينثر مافي يده من زهيرات على تراب القبر

- نم يا ابي فقد كنت نائما قبل ان تموت ويتوزع احفادك حصصهم من مخلفات بيتك الذي بنيته لهم ذات يوم بفتات لحمك

نم قريرا لانه لم تعد لك حاجة في ان ترد علي فكل شيء هنا مصيره الهدوء والسكينة رغم ان مثواك ملاصقا لمنطقة احتلها نزلاء جدد من اصحاب المهن الصناعية ورغم ان معاولهم تؤرق الكثيرين وتلحق بهم الاذى لكنها لن تعد تؤذيك فانت في عالم مليء بالسكينة

كان كل شيء هاديء الا هي فقد تنحت عنك جانبا وجلست على حافة قبر قريب تنظر نظرات منكسرة - - - الا تخافين الموت – قالها وهي تنظر اليه

 - ولم اخافه وقد لاقيته في حياتي اكثر من مرة تزوجت صغيرة مجبرة واقتادوني بقوة دون ان اعرف واجبات الزوج ,عالم مضن يضطهد كل شيء هكذا ادخلت قفص الموت منذ صغري مباعة بلا هوية

- لم اكن اخاف الموت من قبل فلم اخافه الان نظر الى عينيها المنكسرتين بينما هي راحت تحدق في البعيد تاركة وراءها جسدا مسجى على التراب بانتظار ان يمر احد عليه ليودعه في اقرب حفرة لقد كان جسده مسجى امامه وهو يراقب حركاتها الهستيرية دون ان تشعر به

- اصمت ايها الضائع فقلبك مازال يحن الي ورغم انك بهذا العمر فماذا تامل منك امراة تحتفل بجمالها وتحتفظ بذكريات مريرة لا تريد ان تعاودها مرة اخرى - اه ايها المتسكع على ابواب القلب –قالتها بحسرة - اما زلت تحب النساء –

 لا بل احبك انت

نظرت اليه مرة اخرى وضحكت قبل ان توميء له بركوب الحافلة التي انطلقت بها متجاوزة الاف القبور تاركة مقبرة الحسن البصري وراءها –

 لن ااتي معك مرة اخرى فانا لا احب زيارة القبور  قالتها وهي تنظر اليه

 سكت ولم يجب لكنه ظل مبتسما ينظر الى عينيها الحائرتين وهي تستجمع انفاسها على طريق الزبير متجهة صوب البصرة نزل من سيارتها واغلق الباب بهدوء خلفه

شعر برعشة جسده وهي تغادره الى حيث لا رجعة تاركة وراءها رائحة عطرها الذي كانت انفاسه تحتفظ بها

توقف لحظة ينظر اليها قبل ان تدير مقود سيارتها   وراح يجفف عرقه من جديد

***

جاسم العبيدي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم