صحيفة المثقف

الأحزاب الأردنية في مهب الريح وديمقراطية أردنية منقوصة

بكر السباتين

الديمقراطية في الأردن منقوصة لأن تهميش مجلس النواب الأردني عند اتخاذ القرارات المصيرية وتمرير القوانين من تحت الطاولة يوحي بأن المملكة شمولية النظام.. وإن محاولاتها الدؤوبة نحو الملكية الدستورية منذ خمسينيات القرن الماضي تراوح مكانها.

ولو أمعنت النظر في التفاصيل لوجدت بأن المملكة لديها مجلس أمة منتخب من الشعب وفقاً لقانون يقدم الفرز المناطقي الجهوي والمحاصصة العشائرية على السياسي القائم على الأحزاب المرخصة والتي تمارس عملها علناً، حيث من المفترض أن تمتلك تلك الأحزاب في هياكلها الإدارية منظومات عمل وبرامج تفاعلية تشكل برمتها الرؤية الحزبية في إطار حكومة الظل التي من المتوجب أن يعدّ برامجها مجموعة من الخبراء والمستشارين.. ويكون لديها اتحادات طلابية ونقابات فاعلة من باب الجاهزية لتقلد المناصب الكبير في الدولة ومنها رئاسة الحكومة الدستورية وفق شروط النظام الديمقراطي الحقيقي، فالقدرة على تشكيل حكومة حزبية أو ائتلافية منوطة بقدرة الأحزاب ونضوجها من خلال نجاح حكومة الظل والطوارئ التي من شأنها أن تواكب التطورات وتدرس الأزمات وتفترض الحلول الناجعة في سياق الاستعداد لدور مستقبلي فاعل، وفي المحصلة تظل هذه الحكومة عندما تناط بالحزب مهمة تشكيل الحكومة الدستورية، المرجعية الطارئة في ظل السلطة التنفيذية، وتمارس دور خلايا الأزمات لتوفير الحلول البديلة للحكومة التي يترأسها الحزب.. ناهيك عن دور البرلمان والحكومة في الدولة الديمقراطية الحقيقية بتنسيب رئيس المجلس القضائي ورئيس المحكمة الدستورية وقيادات جميع المؤسسات الأمنية من رأس النظام حتى القاعدة.. وهذا غير موجود في المملكة الأردنية؛ لذلك تجد خلطاً كبيراً ما بين مفهوم الملكية الدستورية والملكية الشمولية، وهو ما أحدث بلبلة في دور الأحزاب الأردنية مستقبلاً وجعلها تدور في فلك السلطة التنفيذية دون امتلاكها القدرة على شق طريقها نحو السلطة التنفيذية بكفاءة واقتدار.

إن عدد الأحزاب لا يعكس ديمقراطية النظام، بل تقاس الديمقراطية على دستورية الحكومة وربطها بتنسيبات مجلس النواب لرئاسة الحكومة على أن تكون دستورية حزبية وهو الأمر الذي تفتقر إليه المملكة.. إذ يبلغ عدد الأحزاب الأردنية خمسين حزباً أردنياً مرخصا مختلفة التوجهات والمشارب ما بين توجهات يسارية وتوجهات إسلامية وتوجهات وطنية، وتحدر الإشارة إلى أن جميع هذه الأحزاب استطاعت استقطاب حوالي 35 ألف مواطن أردني وهي نسبة تشكل أقل من نصف بالمائة من عدد السكان في الأردن.. حيث أظهر استطلاع للرأي أن 89 بالمئة من الشباب الأردني لم يلتحق بالأحزاب السياسية فيما اظهر استطلاع رأي آخر بان ثقة الشعب الأردني بالأحزاب لم تتجاوز 9 بالمئة فيما ترتفع هذه الثقة في مؤسسات الدولة الأخرى وخصوصاً الجيش.

معظم الأحزاب الأردنية هي أحزاب مغمورة شعبيا لا يعرف عنها الشارع الأردني الحد الأدنى من المعلومات ويستثنى من ذلك حزب جبهة العمل الإسلامي التابع لجماعة الإخوان المسلمين وأحزاب البعث السوري والعراقي قبل سقوط نظام صدام حسين وأزمة سوريا، فيما بدأت تظهر حديثا على السطح أحزاب خرجت من عباءة الإخوان مثل حزب المؤتمر الوطني زمزم وحزب الشراكة والإنقاذ.

صحيح أن الأحزاب تمثل أهم مظاهر الديمقراطية في أي بلد متحضر؛ لكنها في الأردن تحولت إلى عبء على المشهد السياسي لأنها غير فاعلة ومهمشة وفرضت عليها شروط الدعم الحكومي المالي لتعزيز التبعية من أجل الدوران في فلك السياسة المركزية للسلطة التنفيذية دون القدرة على تحديد ملامحها الحزبية (الشخصية) لذلك فإن رؤيتها في كل الصعد غير متوافقة مع أدبياتها الخاضعة بشدة لرقابة وزارة الداخلية لا بل عجزت أحياناً عن فرض استقلاليتها عن الحكومة وتحولت إلى نوادي تلتقي فيها النخب على هامش مركز الفعل الحقيقي في سياقاته التنموية والثقافية.. ومن هنا يمكن تفهم قرار حزب التيار الوطني الأردني بقيادة رئيس مجلس النواب الأسبق، عبد الهادي المجالي حينما أعلن عن حل حزبه عام 2018 ناعيا الحياة السياسية في الأردن حيث اتهم حينها الحكومة بخنق الحياة الحزبية وقتلها قبل أن يتم العودة عن هذا القرار.. وهذا بدوره كان محبطاً للنخب السياسية التي تطمح من خلال أحزابها بتداول السلطة كما هو الحال في الدول التي تتمتع ولو بحد أقل من الديمقراطية، فلماذا لا ينجح الأمر في الأردن؟

من هنا يمكن فهم لماذا لا توجد في الأردن أحزاب قادرة على التفاعل الجماهيري الحقيقي بعيداً عن النشاطات الهامشية التي لا تجير لصالح مكانة الحزب بين الجماهير، بحيث لا تحظى تلك الأحزاب بفرص الحصول على العدد الكافي من المقاعد في البرلمان، لتشكل ضاغطاً إيجابياً على سياسات الحكومات المتعاقبة لفرض القوانين التي تنسجم مع مستقبل البلاد، لأنها لا تمتلك نواة برنامج تنموي شامل في إطار حكومة ظل، ولا منظومة عقلية من الخبراء التكنقراط يكون من مهامهم مواكبة المستجدات التي تواجهها الحكومة لتقديم حلول مساندة حقيقية وليست إعلامية، تقوم على إطلاق المبادرات الفكرية المثالية المترفة البعيدة عن الواقع.. أو حتى إقامة المشاريع المدنية الخدماتية مثل الجمعيات والمشاريع التي ترافق التنمية الاجتماعية والثقافية، ليكون من حق تلك الأحزاب حينها حصاد المردود الجماهيري، كي تذهب مخرجات تدويرها لصالح جماهيرية الأحزاب التي تذهب وفق خطة الحكومة نحو الزخم العشائري والجهوية في المخيمات التي سيّست لصالح النظام السياسي الذي يحاول جاهداً تهميش مجلس النواب من خلال تمرير القوانين المؤقتة في فترات حل المجلس أو بالتمهيد لإقرارها من خلال إقناع النواب المحسوبين على الحكومة أو التأثير على الآخرين بالترغيب؛ لتمريرها والموافقة عليها كما يدعي كثير من النواب عبر ما يكتبون، وتتجاهل الحكومات المتعاقبة فكرة الحكومة الدستورية، واعتماد البنية العشائرية.. من هنا لا تستطيع الظروف الموضوعية خلق زعيم حزبي مفكر استراتيجي وإداري وسياسي ومبادر، يكون قادراً على تقبل الآخر ليقف من الجميع على مسافة واحدة.. زعيم يتمتع بطاقة جاذبة تساعده على التأثير ولديه مرونة تساعد على التعامل مع الجميع.

فالأحزاب الأردنية للأسف الشديد مجففة الينابيع إلا من الدعم الحكومي، فتفرض عليها ظروف الميزانية التقيد بالنفقات الإدارية فلا يظل هناك متسع للمشاريع الطموحة، لذلك هي تحتاج لمشاريع اقتصادية حتى لا تلوى أذرعتها من قبل الحكومة التي تُخْضِعْ هذه الأحزاب في كثير من الدول على صعيد عالمي- لرقابة شديدة غير مرئية تبدأ منذ مرحلة تجميع التواقيع المطلوبة كشرط للتقدم إلى الداخلية كمتطلبات تأسيس الحزب وصولاً إلى اللجنة المركزية ورسم سياسات الحزب وتحديد مدى الرؤية السياسية والثقافية والاجتماعية حتى تصبح كياناً يستطيع أن يقود الحكومة في مرحلة ما وإذا بقي الحال على ما هو عليه فإن الأحزاب الأردنية في مهب الريح.. وستظل حالة طاردة للجماهير وربما ستتحول إلى نوادي اجتماعية وثقافية يرتادها جمهور ينأى بنفسها عن الأحزاب، التي ارتبطت في ذهنه بالمعارضة والتي مصير بعض عناصرها السجون أو التضييق عليهم اجتماعياً .

 

بقلم بكر السباتين..

30 نوفمبر 2019

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم