صحيفة المثقف

الهوية في فضاء مجتمعي متعدد ثقافيا (1)

عامر عبدزيد الوائليما بعد الهويات القاتلة ومدخلية الدين في تشكيل الفضاء الهوياتي المنفتح (4)

الهوية الوطنية لأي شعب، ليس معطى ثابتا ومنجزا نهائيا. انها تتشكل في مجرى التطور التاريخي –الموضوعي، ومن خلال نضج أو انضاج المقومات " 

الهوية والذاكرة والسرد تحديد مفهومي: إن مفهوم الهوية في الواقع بالمعنى السائد اليوم، هو من مفاهيم الحداثة الغربية، التي ارتبطت بالسياق التاريخي لتطور مفهوم الدولة الحديثة في أوروبا، والذي واكب ظهور، وتشكل، ثم صعود البرجوازية (سكان المدن) في قلب أحشاء المجتمعات الإقطاعية في أوروبا. مما مهد الطريق لانبثاق مفاهيم جديدة حديثة تعاضدَ فيها الدولة ومفهوم الأمة وهي ما اصطلح عليها " بدولة الأمة ". فعندما نعود إلى الحفر الذي قام به (كلود دوبار) نجد انه رصد تحولات الفكر الغربي وما صاحبة من تغيرات فكرية وعقائدية إذ عرض إلى ثلاث نظريات هي: نظرية سياسية لدى (نورت اليأس) تمثل صيرورة حضارية، ونظرية رمزية لدى (ماكس فيبر) تمثل صيرورة عقلية، ونظرية اقتصادية لدى (ماركس) تمثل صيرورة ثورية. ويشير كلود دوبار إلى (أن مصطلح "هوية" أنموذج للكلمة المنحوتة التي يعكس عليها كل منا معتقداته ومزاجاته ومواقفه). (1)

إن مفهوم الهوية واحد من المفاهيم التي تتصف بالتأزم المفهومي اليوم في مشكلة اليوم في تعبيرها المضمر وهو المعلن عن الشرخ الذي تعانيه الدول نتيجة إلى انشطارها أو اندماجها المبني على الإكراه أو الإقصاء القائم على استعلاء قومي أو اثني من احد المكونات على غيرها تحت ذريعة الدمج في مفهوم دولة الأمة، مما يسهم في تسميم الفضاء العمومي لكونه مبنيًّا على الإقصاء وليس الشراكة المتساوية في الحقوق والواجبات أي تحقيق لمنطق العدالة في توزيع السلطة والحقوق والشراكة مما يسهم في خلق فضاء عمومي قائم على مبدأ العمومية بوصفه شرطا لكل علاقة من الآخر "وهو ما تسميه (حنة ارندت) "البعد السياسي التواصلي" الذي يخلق فضاء عموميا لكل وجهات النظر قائما على ما يسميه كانط " مبدأ العمومية بوصفه المبدأ الذي يتحكم بكل العملية السياسية "(2).

ومن هنا فالهوية من زاوية معيارية وتواصلية مرتبطة إلى حد بعيد بالإبعاد:الرمزية وحركية الأزمة والحراك الاجتماعي وهذه كلها تخوضها الأمة إثناء التأسيس إلى عقد اجتماعي جديد يراعي الشراكة وآليات التعايش على أساس افتراضات المعايير والقيم التي يصوغها الشركاء داخل الفضاء السياسي والثقافي يعيد الأمة إلى دور الفكر إلى جانب الفعل السياسي الذي غاب في اثناء الخطاب التوتاليتاري؛ لان الأزمة ليس سياسية فحسب، بل مجتمعية، أي فكرية، وقيمة، ومعرفية، ورمزية على صله بالمعتقدات التي يفترض أن تؤسس إلى تأويل جديد للنصوص في الجدال الدائر بين علماء الدين والمفكرين من ناحية والسياسيين من ناحية أخرى.

ومن اجل استعادة حيوية مفهوم الهوية عبر مقاربة معرفية، وأخلاقية، ودينية، والمواطنة المتساوية في الحقوق، والواجبات، كل هذا يستلزم المناقشة الديمقراطية كمعيار يصبح مقبولا من لدن الجميع حتى يتم ترجمته كرؤية إستراتيجية في رسم مستقبل الكيان السياسي والاجتماعي ويتجاوز الصدع الحاصل بين المكونات ضمن رؤية معاصرة تستثمر المنجزات المعاصرة في إشادة مفهوم جديد للهوية، والذاكرة، والعلاقة بينهما.

من هنا يمكن البحث في دلالة الهوية لغويا واصطلاحيا وهنا تختزن اللغة دائما، مكونا ثقافيا، فهي –رغما عنها – حاملة ثقافة وتأريخ، لأنها وسيلة المعنى الأساسية، والمعاني قيم، والقيم ثقافة؛ لذا فاللغة مسكن الكينونة على نحو ما يصفها مارتن هايدجر، بل إنها - كذلك – سكن الثقافة، والتاريخ والايدولوجيا(3) فالهوية لغة تحيلنا إلى معنى:(الحفرة البعيدة القعر)(4) ويبدو أن هذه الهوة العميقة في وعي العربي تمثل نظرته الوجودية التي تمثل في لغته. إما اصطلاحيا فهي تدل على الميزة الثابتة في الذات، إنها ميزة ما هو متماثل سواء تعلق بما تقيمه الذات من علاقة مع ذاتها، أم مع الواقع على اختلاف أشكاله. (5) ويبدو أن المفهوم الاصطلاحي يبقى مفهوماً منطقياً "جوهراني" كما عبر عنه بارمنيدس بصيغة "الكائن موجود، واللاكائن غير موجود " بوصفها تأكيدا على أن "هوية الكائنات التجريبية "، أيا كانت تلك الكائنات، هي " ما يبقى دون تغيير رغم التغييرات " وتشابه مع نفسه خارج الزمن وما يبقى على حاله. كتب بارمندس:" الصيرورة مستثناة من الوجود " الاستمرارية في الزمن هي ما سمي بالتماثل، وهي هنا مصممة بوصفها حقيقة "بحد ذاتها ". استكمل هذا الموقف الانطولوجي بموقف منطقي. فلوصف هذه الجواهر، لتعرف هذه الاستمرارية، ينبغي ب"فئات " بأنواع تضم كل الكائنات التجريبية ذات الجوهر المتماثل (eidos). هذا التصور ترجم في مذهب الهوية ويقوم على اعتقاد التطابق مع الذات أو مع الأصل أو البحث عن أصالة مفقودة، في النزعات الأصولية العرقية والدينية التوتاليتارية.

أما المقابل "الاسماني" فمفاده (ليس هناك جوهر، بل وجودٌ ممكن) وهو تصور يعود إلى هيراقليطس الذي كتب:" لا يمكن للمرء أن يسبح مرتين في النهر نفسه ". كما تنسب إليه عبارة:"كل شيء يسيل "، لا يوجد جوهر أبدي، بل كل شيء يخضع للتغير. (6)

فالهوية بدلالتها تحيلنا إلى العمق والفلسفية وإلى المماثلة بين التطابق الموحي بالثبات والمغايرة التي يوحي به مفهوم الهوية هو مصطلح يستخدم لوصف مفهوم الشخص وتعبيره عن فرديته وعلاقته مع الجماعات.

فالهوية (على المستوى الفردي تحديد إداري: بطاقة هويتي تحديد طول قامتي، عمري، سكني، فهي تعرف شخصا بشكله واسمه وصفاته وجنسيته وعمره وتاريخ ميلاده. أما الهوية الجمعية، تدل على ميزات مشتركة أساسية لمجموعة من البشر، تميزهم عن مجموعات أخرى. أفراد المجموعة يتشابهون بالميزات الأساسية التي كونتهم كمجموعة، وربما يختلفون في عناصر أخرى لكنها لا تؤثر على كونهم مجموعة. فما يجمع الشعب الهندي مثلا هو وجودهم في وطن واحد ولهم تاريخ طويل مشترك، وفي العصر الحديث لهم أيضا دولة واحدة ومواطنة واحدة، كل هذا يجعل منهم شعبا هنديا متمايزا على الرغم من أنهم يختلفون فيما بينهم في الأديان واللغات وأمور أخرى. فهذا هو التصور الجمعي للهوية أي يمكنها أن تكون تصورا- إني اصنع لنفسي ضربا من الفكرة عما أكون - ويمكنها أن تكون مفهوما، مفهوم الهوية الفردية، المستخدم جدا في العلوم الإنسانية والاجتماعية. لكن التعقيد يتنامى إذا طبقنا مصطلح الهوية على الجماعة فالمصطلح مستخدم عندئذ بمعنى متراخ قريب من مفهوم التشابه (7) أو التماثل الذي يرضى دائما ميلا طبيعيا للفكر. . . فان الهوية (الثقافية أو الجمعية) هي بالتأكيد ضرب من التصور وكثيرة هي الأمثلة التي تبين على نحو متجدد باستمرار أن أفرادا يتخيلون أنفسهم وكأنه يقول بيندكت أندرسون (8) أعضاء جماعة وينتجون تصورات شتى لأصل هذه الجماعة وتاريخها وطبيعتها. ويخطر ببالنا على نحو مؤكد في مجال العمل السياسي، تلك الأطروحات ذات النزعة العرقية، والمشروعات ذات النزعة الإقليمية أو الاثنية، وبوسعنا، في مجال العمل الثقافي إن نرجع إلى الأقوال التي تنقلها مجموعات بشرية إقليمية، دول، متاحف وحتى مؤسسات بحث، فيما يخص غالبية ممارسات الإرث المشترك. . . إذ من المحتمل أن يشترك أعضاء مجتمع واحد في طرائق وجودهم في العالم (ايماءة، أساليب القول وأساليب الفعل الخ)، طرئق مكتسبة خلال التنشئة الاجتماعية المبكرة، طرائق وجود في العالم تسهم في تحديدهم، طرائق حفظوها في ذاكرتهم من دون وعي بها، لوجود أساس لحامل ثقافي أو " رأسمال معرفي ثابت ")(9)

هنا يظهر البعد الإيديولوجي للهوية، بين علاقة الجماعة بلغتها وثقافتها، وما تختزنه من تصورات إيديولوجية للجماعة نفسها، من هذا نفهم أن الانتقال من المفهوم الفردي للهوية إلى الهوية الجمعية، يبقى مجرد تصور مرده إلى الفعالية التخيلية، والتواصلية، التي يتم إقامتها بين الجماعة، والإرث الثقافي الذين أرادوا أن يكون معبرًا عنهما، الذي ترسب من خلال المؤسسات التعليمية، والدينية، والعادات، والتقاليد، ولا نعدم الاستعارة، والتثاقف مع الآخر، ولا نعدم الصراع ومحاولة التمايز عن الاخر باختراع أو تخيل هوية جمعية مختلفة يتم اصطناعها من خلال الإرث المشترك. ولعل هذا يحيلنا إلى توافق نسبي لدى الباحثين مفاده (أن هذه الهوية بناء اجتماعي، يتغير دائما ً، على نحو من الأنحاء، من حال إلى حال في إطار علاقة حوارية مع الآخر.)(10) فالهوية في علاقتها بالذاكرة تقوم فيها الذاكرة على إعادة بناء للماضي ينتقل من القوة إلى الفعل باستمرار أكثر مما هي إعادة أمينة لهذا الماضي؛لان الذاكرة هنا إطار أكثر مما هي محتوى، رهان جاهز دائماً، مجموعة من الاستراتيجيات، موجود قائم تكمن قيمته فيما أنصنع به أكثر مما يكمن هو عليه لان فكرة أن التجارب الماضية ستكون مستظهرة، محفوظة وتستعاد بتمامها، فكرة تظهر أنها "لا يمكن الدفاع عنها " هذا معناه أن الذاكرة تخضع إلى القراءة فيما تقرأه من الماضي بإسقاطات المعاصرة عليه فهي تبقى عملية بناء الحبكة بوصفها تركيبا أو تأليفا بين عناصر وإحداث وعوارض متنافرة في بناء محبك ينتج قصة لها محورها السردي أي أبطال يعبرون عن الهوية المنتجة وأنصار وأعداء هكذا يتصاعد الصراع الدرامي الإيديولوجي هذا الأمل يتم إيجاده من اجل مواجهة ظاهرة محو الهوية وضعفها أي أنها لحظة تروم مواجهة أزمة معاصرة تواجها الهوية (فالبحث في الذاكرة يعتبر عندئذ جوابا عن هويات أصابها الضرر وفقدت توازنها)(11)فهذا التصور التخيلي للهوية يعتقد بوجود هويات صافية (فمنطقها يقول إما المماهاة أو الحرب، إما أن تكون على صورتي ومثالي أو أقوم بنفيك وإدانتك.)(12) إن هذا يجعلنا نواجه أمرين:

الأول نسبية الهوية فالهويات الجمعية "هي تصورات متخيلة من الذاكرة "، وبالتالي التخلص من الخطابات العرقية التوتاليتارية.

 والأمر الثاني إيجابي انه يؤكد أن الهوية ممكن أن تكون مواجهة للازمات التي تعانيها البلدان التي تعيش حالة من حالات التأزم الاثني والطائفي والقومي ممكن علاجها من خلال تفكيك أوهام الهوية وأعادت إنتاج الهوية التوافقية الجامعة.

و لا شك في أن هذه الرؤية إذا ما تم تعزيزها بالتضامن (فالشرط الأول لقيام الجامعات وضمان فاعليتها هو علاقات التضامن الخاصة والعميقة بين أفرادها. والتميز عن الجماعات الأخرى هو الذي يسمح بخلق أرضية مناسبة لنشوء هذه العلاقة الخاصة داخل دائرة الجماعة الواحدة، وهي العلاقة التي تسمح بتجاوز العصبيات الجزئية ونشوء الأمة كإطار مدني وسياسي واسع ومتحرك للتضامن تتجاوز العصبيات الموروثة، وتؤسس لإرادة جماعية كبرى هي أصل التقدم الحضاري). (13)

فان التضامن يسهم في ظهور المفهوم الحديث لهوية الدولة والمواطنة يقوم على التعددية (كالهوية الوطنية أو الهوية الثقافية). يستخدم المصطلح خصوصا في علم الاجتماع وعلم النفس، وتلتفت إليه الأنظار بشكل كبير في علم النفس وعلم الاجتماع، فالهوية هي مجمل السمات التي تميز شيئا من غيره أو شخصا من غيره أو مجموعة من غيرها. كل منها يحمل عدة عناصر في هويته. عناصر الهوية هي شيء متحرك ديناميكي يمكن أن يبرز أحدها أو بعضها في مرحلة معينة وبعضها الآخر في مرحلة أخرى.

العناصر التي يمكنها بلورة هوية جمعية هي كثيرة، أهمها: اشتراك الشعب، أو المجموعة في: الأرض، اللغة، التاريخ، الحضارة، الثقافة، الطموح وغيرها، أي إنتاج مفهوم الأمة التي ينتمي إليها الجميع من عدد من الهويات القومية أو الوطنية تطور بشكل طبيعي عبر التاريخ وعدد منها نشأ بسبب أحداث أو صراعات أو تغيرات تاريخية سرعت في تبلور المجموعة.

 وقسم من الهويات تبلور على أساس النقيض لهوية أخرى. هناك تيارات عصرية تنادي بنظرة حداثية إلى الهوية، الهوية الوطنية لأي شعب، ليس معطى ثابتاً ومنجزا نهائياً. إنها تتشكل في مجرى التطور التاريخي - الموضوعي، ومن خلال نضج أو إنضاج المقومات والمقدمات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية. وقبل كل شيء صوغ وتحقيق معادلة المصالح المشتركة والمتداخلة والمتكافئة (ولو بشكل نسبي) بين الهويات الخاصة (الفرعية) لمكونات أي جماعة بشرية. تلك بعض المحددات الرئيسة، لتشكيل الهوية الوطنية الجامعة والدائمة، والمتجددة في مراحل الأزمات والانعطافات والاستحقاقات المفصلية التي تواجهها. وهي في كل ذلك (الهوية) تختلف عن تلك الروابط والصلات التي شهدتها الإمبراطوريات والممالك القديمة، التي غلب عليها طابع الإلحاق والضم والتبعية القسرية للأطراف من قبل المركز. بطبيعة الحال هناك اختلافات وتباينات بين التكوينات والتجمعات الإنسانية فيما بينها وفي داخلها، وفي سياقات تطورها التاريخي، وطبيعة خصائصها، ومستوى تجانسها الاثني، الديني، المذهبي، اللغوي، وهو ما يعرف بالدمج بين المكونات في هوية مشتركة في مفهوم دولة الأمة التي من ملامح تطورها النزعة القومية المستندة إلى إيديولوجيا عنصرية وإرادة هيمنة، إلى الإنكار المطلق للآخر والى محاولة إخضاع الآخرين جميعا بفضل عقلنة منهجية. ومع ظهور الأمم المتحدة 1947تزايد منتظم لعدد الأعضاء نحو 200 في عام 2000، وحتى ألان يبقى الشكل الهوياتي المسيطر هو الشكل الذي يجمع نحن محددة الموقع منظمة في دولة شرعية أو مجموعة ثقافية (اثنية – دينية أو قومية أو قليمية) تطالب باعتراف رسمي بالاستناد عموما إلى أشكال أسطورية من إعادة البناء تبرر ترسيخها الجماعاتي عبر اختراع تاريخ عرقي و" أنا" تجري مماثلتها بمجموعتها المحلية وبثقافتها. (14)والهوية اليوم شكل من إشكال العلاقة بين الفرد ومجتمعه. وبهذا انتاج مفهوم الدولة والامة في الفكر السياسي على أساس سياسيي وأخلاقي واجتماعي نجد أنها ارتبطت في ما يؤسس مقتضى كانط(الحازم لإمكانية أنا مستقلة، تبنى على المساواة والأخوة)(15) كان كانت يمثل التحول الحديث في مفهوم الهوية والممهد إلى الدولة الأخلاقية. وقد ظهرت الكثير من الأفكار النقدية تحاول إصلاح سلطة الدولة ومقاربتها مقاربة أخلاقية من اجل تحقيق العدالة في سلوكها المؤسساتي الذي كان كانط قد دمر(طموحات الفلسفة "الميتافيزيقية ") بصدد التفكير في الطبيعة النهائية في دائرة الفعل الأخلاقي والقيم و"الشرط الإنساني ".

ويرى كثيرون أن العدالة تظل مفهوماً مجرداً في عالم العقل لا يمكن تطبيقه في عالم الواقع؛ وأن ما يجري تطبيقه على مرّ العصور من عدالة اجتماعية وسياسية واقتصادية ما هي إلا محاولات يُقصد من ورائها الحفاظ على الحقوق التي أقرها القانون الطبيعي والأخلاقي.

الا ان هناك في اوربا تجربة معاصرة في مجال الهوية تستحق التدبر فهذه الحضاره الليبرالية قدمت مفاهيم عن المساواة ويقابلها التعددية الثقافية؛ وهناك اليوم تصور جديد تحقق في اوربا كما يصفه "ويل كيمليكان "تبدأ القصة الآوربية مع انهيار الشيوعية في وسط وشرق أووربا في العام 1989، الذي صاحبه عدد من النزاعات العرقية العنيفة. وهو ما وصفته المجلة البريطانية "New Stateman" إذ حمل عددها تموز العام 1992عنوانا هو:" معركة أوروبا؛ الحريق الهائل القادم في وسط وشرق أوروبا "، انما كانت تمثل شعورا منتشرا في كل مكان بين الملاحظين الأوروبيين. (16) كان هذا الحدث هو الذي دفع أوروبا الى ايجاد حلول لها، ومعه تغيرة سياستها اتجاه الاقليات وكما يقول الكاتب: "فكيف أصبح الغرب فجأة بطل الأقليات في أوروبا مابعد الشيوعية؟" ولم تكد المنظمات الاوربية تقر أن معاملة الأقليات موضع اهتمام دولي مشروع، حتى واجهت هذه المنظمات الأوروبية هذا السؤال: ما الذي تستطيع أن تفعله، أن كان في يدها أن تفعل شيئا، لكي تساعد على تحسين العلاقات بين الدولة والأقليات في بلاد ما بعد الشيوعية؟

وقد كانت الاجابة تتمثل في ثلاثة مسارات: تعميم أفضل الممارسات، وتشكيل الحد الأدنى من المعايير، والتدخل في حالات معينة (17) انا اجد ان هذه التجربة جديرة بالتثاقف معها في معالجة قضية التعددية الثقافية التي تسود الشرق الاوسط والعراق منه، وعلى هذا الاساس سوف احلل تحولات الهوية العراقية وتكوناتها ثم التثاقف مع التجربة الغربية في توصيف حل ما.  

II

مشروع الدولة بين نظرية الأمة ومجتمع متعدد الهويات

أولا: تحليل تكويني:

إن التحليل الذي يأخذ بنظر الاعتبار التكوين الذي مرت به الهوية العراقية وتحولاتها يدرك أن تعريف الذات حالة تعيشها الدول التي تعاني من تمزق، كان يفترض بها أن تكون الأمة بوصفها هوية جامعة إلى جانب الدولة؛ ولكنَّ الدولة – الحديثة - لم تفلح بسبب اعتناقها رؤية قومية طوباوية تعرقل بل تنفي الأمة الوطنية العراقية.

فقد بقيت هوية الأمة غائبة فأصبح العراق يعاني من مستويين من التمزق مترابطين إلى حد عجيب، على المستوى الأول على أساس العرق، أو الجنس والآخر المستوى الديني أو الاثني. إن الفوارق والصراعات بين تلك الجماعات تلعب دوراً مهماً في سياسة الدولة، ويتغير عمق هذا الانقسام مع الزمن دائماً ويحدث الصراع من حالة عدم تطابق الثقافة والجغرافية ومن أجل تطابقهما تقوم الإبادة الجماعية أو الهجرة الاضطرارية انظر الحروب الأهلية التي حدثت وتحدث من اجل تطابق الثقافة المهيمنة والجغرافية من حروب الاشورين والأرمن إلى الحرب الكردية والمقابر الجماعية (18).

لان الهوية لم تتجاوز بعد تلك الانشقاقات ولم تفلح الدولة- وهي الشكل المستعار من التجربة الغربية- في التأسيس إلى أمة واحدة لها ذاكرة موحدة تلك الذاكرة التي تحيلنا تكوينيا إلى تحولات كثيرة مرت بها هوية العراق الذي تعيش فيه ثلاثة أعراق واضحة وأخرى على شكل أقليات عرقية العرب والأكراد والتركمان واختلاف الحجم يؤثر على طبيعة العلاقة بين الأطراف حيث يأتي العرب أولاً ثم الأكراد ثم التركمان. ولكنَّ هذا التكوين يخترق دينياً بشكل مذهل حيث العرب شيعة وسنة والأكراد شيعة وسنة ومسيحيون ويزيدون، والتركمان شيعة وسنة أما الأديان فهي: الإسلام والمسيحية واليزيدية والمندائية (الصابئة)

بالإضافة إلى اقتران آخر ظهر بعد الحداثة، مجتمع مدني حداثي(مجتمع مدني) ومجتمع أهلي، ريفي قبلي تهيمن عليه العشائرية والطائفية.

الهوية الدينية والشرعية السياسية في العصور الوسطى:

مثل الدين المرجعية لفعل السياسي في العصر الوسيط إذ لابد من مسوغ شرعي للفعل السياسي لهذا كان الدين مرتبطًا إلى حد كبير بالشأن السياسي يؤثر فيه ويتأثر بما يثيره من تحديات مما جعل من الدين الفاعل في صياغة المجال السياسي العام سابقا والآن وهو أمر مفارق للوضع المعاصر غربيا (19) لكن الدين المكون الأول للهوية في الشرق وبفعله يتم صياغة الهوية للأمة.

إن العراق في الحقيقة عاش إعادة تحديد الهوية بعدة أشكال كان أولها عبر الاحتلال الخارجي أو الفتح: الفتح الإسلامي أعيد تحرير العراق من النفوذ الفارسي وأعيدت صياغة هويته عبر حدث الفتح ثم تحول إلى عاصمة ثم ولادة الشق الداخلي الإسلامي (شيعة / سنة) داخل الدولة، ومع هذا الانشقاق ولدت هويات عقائدية تشكل لكل منها صورة سردية أصلية وبلغة احد الباحثين (الأسطورية الأصلية)وعرفها (أنها تقلص من توسع الهوية الشخصية تمتلك ملامح مميزة يمكن استخدامها للتنبؤ بالعنف كأبعاد للتدخل وأيضا بوصفه علامات لتقييم مشاريع المساعدة والتنمية. . . وهي نظام مغلق متماسك، فان أي تغيير يطرأ على جزء من القصة يولد تغييراً في نظام المعنى برمته)(20) هذه الحبكة قابلة للتأويل والتوظيف السياسي فالصراع بين السنة والشيعة الذي ولد في ظروف تاريخية مفتوحة على أزمنة أخرى وآخرون ممكن إن يدخلوا فيه من اجل المشروعية السياسية والدينية للصراع على السلطة لان الدين يشمل السياسة ويمنحها مشروعية الحرب هكذا توسع الصراع خارج الأحداث التاريخية إلى الصراع بين السلاجقة الأتراك السنة والبويهيين الديلم الشيعة الزيدية وفيه تطورت الكثير من الكتب العقائدية التي استعادت لحظات الصراع والشرعية وأعيد تحديد ثقافته وتعمق الانشقاق مذهبياً إلى حد بعيد، ثم توسعت هذه الحبكة في الفكر والسرد للهوية حيث انخرط فيها تحديد الهوية بظهور الأتراك الصفوية التي تحولت من التصوف إلى التشيع الأمامي إذ سادت ثقافة متمايزة في صراعها مع العثماني وحيث عاش في العراق إحياء فكر متمايز آخر يعود إلى السلاجقة. . . وفي هذه الحالات كان التدخل الخارجي يستثمر الانشقاق الداخلي ويعمل على توسيعه وإضفاء مساحة حضور عليه.

التحول من دولة الملل والنحل إلى دولة الأمة:

هذه الأفكار الوسطية سرعان ما عايشت انشقاقا آخر فان هذه النماذج التاريخية هي خارج دلالة الهوية بمعناها الحديث الذي يعني تداخل بين مفهوم الدولة والأمة وهو ما لم يكن موجودا على الرغم من ان الدولة العثمانية التي كانت لها سمات الإمبراطورية وبعض ملامح الدولة الحديثة، فهي دولة الملل والنحل "العثمانية او المماليك والقاجارية. . " وهي تعتمد على البعد الذاتي والفردي للحاكم؛ ولكنَّها أرست ملامح عامة مشتركة تعبر عن نمط من أنماط الدولة القديمة وهي بنظر الفكر السياسي الغربي ان "منطق الدولة منطق التنظيم والتوحيد والتجريد والتعميم في حين أن منطق الإمبراطورية هو منطق التعدد والتجريبي والعادات والمجانية "(21)وقد تم تصنيف هذه الشعوب الشرقية تصنيفاً ينطلق من مركزية أوروبية يبدو المجتمع المركب الهوية في المنظور الدولة – الأمة الأوروبي كمجتمع بدون مجتمعات مدنية أو كرقعة "فسيفسائية " غير متمازجة اجتماعيا (22)، تقوم على وحدات عمودية منفصلة ومستقلة ذاتيا مقابل المجتمعات المدنية الغربية المتمازجة التي تقوم على التنضيد الأفقي وتجانس الهوية. يكون المجتمع الفسيفسائي هنا راكدا في استبداده الشرقي الأسيوي بقدر ما يكون المجتمع المتمازج ديناميكيا مفضيا إلى الحداثة فيغدو قدر الأوربيين أن يحكموا الأسيويين على حد تعبير هيجل. (23) ويبدو أن كلام هيجل كان تبشيرا بالاستعمار ولكنَّ الأمر أيضا من زاوية أخرى مرتبط أيضا بالدولة العثمانية وغيرها كانت في الحقيقة قد خسرت وجودها نتيجة موقفها من الحداثة والإصلاح وحالت من دون الإصلاح الحقيقي على الرغم من ان الدولة العثمانية قد اخذت بالإصلاح من خلال إصدار التنظيمات (1839- 1876م) كنوع من ترميم شيخوخة السلطنة العثمانية وإعادة الشباب الآفل لها، وطُرح في ذلك الوقت (1850م) شعار "العثمنة" لطوائف السلطنة وقومياتها بوصفه مفهوماً مطابقاً لصفة المواطنة، بهدف إعادة اللحمة إلى الاجتماع السياسي العثماني الآخذ بالتفكك على أسس ‏جديدة من خلال تقنين العدالة والمساواة بين المسلمين وغير المسلمين من أبناء السلطنة في الحقوق والواجبات من دون اعتبار للدين والعرق أو اللسان، بما في ذلك إلغاء الجزية عن غير المسلمين والسماح لهم بدخول إدارات الدولة والجيش على أمل ان يحد ذلك من تطلعاتهم الانفصالية المدعومة من المستعمر الأوروبي، وبحلول عام 1869 صدر قانون الجنسية العثمانية. (24) ولكنَّ هذه العملية التحديثية تعبر عن رغبة حقيقية لدى الدولة إذ يؤكد عبد الله العروي في استنتاج لافت في مدلولاته:" لو نجح إصلاح النهضة لما تم الاحتلال "بمعنى أن السبب الأول يعود إلى موقف الدولة الحقيقي التي لم تكن مع الإصلاح بل التحديث الذي يمنحها استمرارية التحكم وهي حالة استمرت إلى يومنا هذا في عالمنا (25) قد تبدو جلية في الهجرة المؤلمة التي تلخص حالة الضياع والسخط وأزمة الانتماء وفقدان الكرامة التي تعم غالبية الدول النامية جاءت عوامل متعددة ففشل الإصلاح الحقيقي الذي جاء بالاستعمار. وحتى الإصلاح جاء بفعل مؤثر خارجي إذ تم فرض عملية الإصلاح على الدولة العثمانية؛ حتى يسمح لها في العالم الجديد المكون من دول- الأمة، اذ كانت فكرة دولة الأمة قد ظهرت في الغرب لإقامة الدولة التي تعبر عن هوية كل مجموعة سكانية منسجمة لغويا وعرقيا وثقافيا ويضمها إقليم جغرافي واحد وهذا الشكل للدولة هو" الدولة - الامة "التي قد تم الاعتراف بها بشكل "دولة – الامة" بمعناها الحقوقي الراهن لاول مرة في معاهدة وستفاليا 1648وقد شكل الاعتراف قاعدة نشأ على أساسها نظام جديد في العلاقات الدولية الذي تقوم وحدته الاساسية على الدولة- الامة ذات السيادة، الذي ينهي عهود التسلط ويحفظ لكل امة حقها في الاستقلال وبذلك انتقلت الشعوب من صيغة رعايا السلطان أو الملك أو الإمبراطور إلى مواطنين في أنظمة دستورية ديمقراطية اذ حلت الانتخابات محل بيع المناصب او توليها بالوراثة او بالشراء وانتفت الطبقية وعاد القانون الى تنظيم الحياة العامة واعيد الدين الى مجاله ومنع الكهنة من التدخل في الشؤون السياسية؛ لكن عملية تحول الدول القائمة على الملل والنحل إلى دول الأمة كان فيه إقحام وتمزيق للجسد الاجتماعي والسياسي من خلال قومنة الدولة لهذا المجتمع الفسيفسائي، أي إعادة تنظيم هوياته وتعميمها وتجريدها وتوحيدها في هوية مركزية بهدف تحقيق التمازج والتجانس القوميين لن يتم إلا بتبادل السكان أو إبادتهم وتهجيرهم أو اقتلاعهم وتنظيم مذبحة كما فعل الأتراك بالأرمن ، لكن فشل الإصلاحات كان قد مهد إلى إثارة "المسألة الشرقية Question "(*) المتعلقة بالأقليات في الدولة العثمانية كرد فعل على سياسات الدولة العثمانية لقد اتبعت الدولة العثمانية سياسة الإذعان لمطالب الأوروبيين" مقابل الإبقاء عليها فقد منح العثمانيون امتيازات تجارية للأوروبيين، وفتحوا أبواب المشرق العربي أمام البعثات التبشيرية الغربية تحت ستار حماية الطوائف المسيحية الموجودة في كنف السلطنة العثمانية "(26)

ولكن الأمر تطور إلى الاحتلال الاستعماري حيث تمت إقامة الدول العربية القائمة على دولة –الأمة من هنا فالدول التي ظهرت بعد الاستقلال "دول أنظمة عسكرية وعشائرية وملكية " وهي الشكل السائد اليوم في عالمنا العربي حتى ظهور عاصفة الربيع العربي لقد فتحت الإصلاحات بابًا إلى الاستعمار لأنها لم تكن إصلاحا بل تحديث أجهزة الدولة من اجل بقاء الحاكم والتدخلات الغربية التي بعثرت الوحدة القائمة وحل الاستعمار.

ثانيا: تحليل بنية دولة الأمة وآليات صناعة الأمة على أساس قومي (من الملكية إلى الدولة التوتاليتارية)

1- المستوى الثاني من التمزق في الدولة التي لها ثقافة واحدة سائدة تضعها في حضارة واحدة ولكن زعماءها يريدون الانتقال إلى حضارة أخرى يقولون: (نحن في الواقع شعب واحد ننتمي كلنا إلى مكان واحد ولكننا نريد تغييره) (27)، أي إنهم مختلفون على أي حضارة هي حضارتهم الملائمة ومن الأمثلة العالمية تركيا وروسيا. وفي العرق نجد القوميين يقولون بكلام مشابه لكلام العرب ينتمون إلى الأمة العربية والأكراد إلى الأمة الكردية، فإن الهوية هنا نسجت على غرار الفهم القومي الحديث وتم اصطناعها مع انتقال المفهوم إلى الدولة العثمانية حيث نسج الطورانين الأتراك أصولهم القومية ونجد أن السرد هنا في إحياء الماضي عبر التذكر والحاضر عبر الانتباه إلى المشتركات والمستقبل عبر التوقع حتى يأتي الزمن القومي محبوكا قصصيا يعري التنافر ويحض على التوافق في كل زمنية للذات التي تعيش حالة قصوى في تشكيل تراجيدي للهوية يوحدها اتجاه الآخر المختلف، سواء كان العربي أم الكردي والذي أريد دمجه عبر التتريك؛ ولكنَّ هذا ولَّد وعيًا قوميًّا مقابلًا ينفي ويقاوم ويشعر بتمايزه عن الآخر.

2- لقد جاءت التحولات في الحكم الملكي على اثر ظهور التحديث والانفتاح على الغرب والتدخل البريطاني نفوذاً ثم احتلالاً أعاد تعريف العراق مستثمرا التكوين العرقي والمذهبي. . إلا أن الآخر المسيحي / استثار الهوية الإسلامية والعرقية في طرده وظهرت الدول العربية التي هي وريثة الثورة العربية ضد الاحتلال التركي ثم كانت لها ملك عربي أحد قادة الثورة وجاء أيضاً قادة الثورة على الرغم من أنها استجابة لثورة محلية قبلية عربية / كردية / عشائرية ومذهبية شيعة وسنة أي إنها ثورة وطنية محلية ضد الاحتلال. كانت محاولة من أجل إعادة تعريف الذات ورفض الآخر المسيحي الغربي. ولكنَّ الدولة الوطنية مارست إعادة تعريف الذات عبر التعريب وفرض مذهب معين وإقصاء وتحجيم أخر مع الأخذ بالحداثة الإدارية وآليات الحكم الحديثة على مستوى الإدارة. فأصبح التحديث تحولاً من القديم الاحتلال إلى الحداثة مع استنهاض الهوية العربية بإطارها الحداثي القومي لكن مع الاحتفاظ بالآخر والطائفية حاضرة في العمق. لكن لو قارنا هذا بالحالة العالمية نجد أن التعدد حالة عالمية ولكنَّ الدول الحديثة استطاعت أن تحقق الولاء وبالتالي اندماج المكونات مما أشاع حالة من الاستقرار على الرغم من التعددية والتنوع الاجتماعي فنتج عن ذلك صياغة علاقة مدنية تقوم على مفهوم المواطن المتساوي في الحقوق والواجبات أي هناك صياغة عقد اجتماعي يقوم (على قواعد وقيم تقيم التوازن. . . وتجاوز التناقضات)(28) فهذا الولاء الذي انتقل من قيم المجتمع الأهلي إلى قيم المجتمع المدني على وفق معايير الدولة الحديثة التي اكسبت الدولة المشروعية السياسية بوصفها المعبر عن الخير العام وهي تصيغ المجال العام وتحقق الولاء المعتمد على سياستها من خلال آليتين هما: التعليم والجيش، فأما التعليم فهو الذي يقوم بصياغة ثقافة موجودة عند الأفراد من مختلف التكوينات الاجتماعية واعتماد وتهيئة الفرد في المجتمع حتى يقوم بالعمل والاندماج في الدولة العراقية وهذا ما أشارت إلية ليورا لوكيتز بالقول:"إن عدم حماسة الشيعة والكورد للشعارات القومية المتعصبة يؤدي إلى الاستنتاج بأن المنهج التعليمي في العراق ذي التوجهات القومية العربية التي روج لها في أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين المدرسون السوريون والفلسطينيون الذين كانوا يعملون في الحقل التعليمي في العراق، قد وقف عائقا ازاء وحدة الدولة الجديدة "(29)أ ما الجيش في الدولة الحديثة فغالبا ما تعتمد هذه المؤسسة التي يقع عليها دمج المكونات في صيغ واحدة تكون مهمتها الدفاع عن الأمة وصياغة وجودها وحمايته، أما في العراق فان الجيش العراقي يضم 61 ضابطا كبيرا كانوا في الجيش النظامي عشية انقلاب 1936، وكان 95% من هؤلاء الضباط ينتمي الى المسلمين السنة بينما كانت هذه الفئة تمثل انذاك اكثر من 46% من المجتمع. وكان 67% من المواليد بغداد، بينما لم تكن العاصمة تمثل أكثر من 8% من سكان العراق , وكان 82% قد تدربوا في الجيش العثماني وعملوا فيه على الرغم من انقضاء 16 عاما آنذاك على تأسيس الجيش العراقي من هنا نفهم الدور الذي لعبه الجيش في الصراعات الداخلية ضد الأكراد والأشوريين وهذا ما جعل موقف علماء الشيعة وشيوخ الأكراد وقادتهم يرفض التجنيد الإجباري. (30) وهذا ولد علاقة تلفيقية بين مفاهيم الفكر السياسي الحديث القائم في المجتمع الديمقراطي ينظر إلى الحرية مقترنة بمسؤولية الالتزام بقيم المساواة والديمقراطية والعدل والحياة الانسانية واحترام شخص الإنسان وحريته والحفاظ على المجتمع وعلى وجوده نظيفاً صحيحاً خاليا من كل تلوث تسعى إلى تغيير الواقع عقليا فهي لا تطلب السلطة لذاتها, بل لأجل إنماء الإنسان وتحقيق أهدافه. بالمقابل المجتمع العصبوي الذي ينطلق من مفهوم العصبية وهي شعور فئوي بوحدة الجماعة المتميزة , بشوكتها بكونها سلطة واحده وجسما واحداً , ومصلحة واحدة , قوية التضامن والتماسك , يشد أفرادها بعضهم إلى البعض الآخر , شعور الانتماء إليها لا إلى غيرها من الجماعات وشعور الانتماء هذا يولد في إفرادها التزاما قيميا فئويا نحوها (31)، ويعلل " علي الورد ي" هذا الفشل في حدوث الدمج الذي يرجعه إلى فشل قوات الاحتلال بسبب أمرين:

الأول: التدخل في نظام التمثيل العشائري الطبيعي، وتحويله بقوة التعيينات الإدارية والنقود.

والثاني: فشلهم في اجتذاب انتلجنسيا المجتمع في تلك الحقبة: الملائية والأفندية. الأولون بحكم المكانة السامية للمعرفة الدينية، والثانية بحكم ثقافته السياسية الحديثة (32)

 فلم تفلح الدولة في سياسة الدمج فالتعليم والتمثيل في دوائر إدارة الدولة هيمنت عليه الرؤية القومية وامتدادها الاثني وإزاحة المكونات الأخرى، فلا شك ان هذا الفهم للدولة سوف لا يسهم في الدمج والتعايش بل يعمق الصراع بين الأطراف المحلية على أساس المكون التقليدي الذي بقي حاضراً في العمق، لكن طغى عليه الصراع الشيوعي / مع الغرب، والقومي مع الغرب فظهرت الدولة الشيوعية بأشكال متعددة حتى استقرت بشكلها القومي / الشيوعي مع احتفاظها بالعمق بالمناطقية والطائفية والقومية مما جعل الآخرين خارجها قومياً الكرد طائفياً الشيعة وحزبياً الشيوعية والقوميون الذين أقصوا من السلطة كالآخرين.

والنتيجة: يبدو أن الجيوش الغربية التي وضعت نهاية للدولة العثمانية قد نشرت مفهومها الغربي للدولة تلك الدولة المستوردة في العهد الملكي أو الجمهوري قد اختارت بناء الأمة على أساس قومي عربي إسلامي وهو المفهوم الذي يقوم على الجانب القومي العروبة إلى جانب المذهبية السنية مما يجعل الأكراد خارجها على أساس قومي والشيعة خارجها على أساس اثني انطلاقا من تلك الرؤية التي تدعي النقاء وتمارس الهوية وكل من هو خارج ثوابتها يعد خائنا أو متآمرا لابد من نفيه وممارسة القوة بحقه ولعل هذه الرؤية هي ما جعل البلد يعاني من شرخ غياب هوية الأمة العراقية الموحدة، فكل الرؤية القومية كانت تقدم، بوصفها القاعدة الثقافية للدولة الوطنية لكن هذا التبني جعل الدولة في العراق تعيش انفصاما حادا بين كونها كيانا سياسيا يفرض عليها هوية قطرية وبين منظومة سياسية تفرض عليها هوية أخرى قومية حكمت بواسطة الشرعية الثورية ، بمعنى أن الدولة في العهد الملكي والجمهوري لم تفلح في تحقيق الاندماج بين المكونات الاثنية في بناء هوية امة. (33)

وهنا ظهرت حالة جديدة لهذه النتيجة تمثلت في تحول الدولة إلى دولة شمولية وانماز هذا المفهوم بالقسوة التي أخذت أثرها الموجع من الخطاب السياسي التوتاليتاري ليس له عمق علمي بل هو محض تنميط من اجل إقصاء الآخر وإزالته تحت وطأه قراءة إيديولوجية متعصبة عرقيا تنطلق من اصطفائية. تلغي التعددية وتعلي من التفرد العرقي بطابعه الجماهيري.

مما جعل الحديث عن الشمولية يعني فتح فضاء القسوة أينما كان ومتى كان وكيفما كان أنها القسوة التي تفجرت دماء وأرواحا وعنفا وخرابا لا حد له، تلك الشمولية القائمة على الرمز الشمولي التيوتاليتاري، لقد كانت الثقافة السياسية قد مهدت الطريق لظهور الشمولي وعاضدتها وتواطأت معها لأنها تنطلق من الفهم القومي الشمولي التوتاليتاري الذي خلق الشمولية وجد فيها تحقيقا للحلم اليوتوبي. فكل من يقع خارجها ماهم سوى متامرين عليها من سخرية القدر في الوقت الذي وضع فاضل البراك مدير عام الأمن الداخلي في العراق كتابا كان هدفه أن يدعم بالوثائق كيف أن "قوى الاستعمار والشيطان "عملت على زرع جواسيس ومخربين من داخل المدارس العراقية، اليهودية والإيرانية، واللوائح التي قدمها البراك في كتابه هي نفسها تلك التي كررها كتاب "نفط ودماء " المجهولون. لكن المفارقة عندما تبدلت حظوظ السيد البراك بعد حرب الخليج. أصبح مكروها من مستخدميه واعترف تحت وطأة التعذيب بأنه جاسوس يعمل لحساب روسيا وألمانيا. (34)

إلا أنها مارست تمزقا للمجتمع والدولة والتاريخ / الذاكرة كيف يمكن بناء هوية تعود إلى تصور ما للماضي وتوظيفه في بناء الهوية كل ذلك احدث تمزقا عنيفا، فلم يعد الماضي مادة قابلة للقراءة والتقويم والنقد، بل انه أصبح يتعالى على ذلك لأنه جزء من الرأسمال الرمزي المتصارع عليه وعلى تأويله مما جعله جزءاً لا يتجزأ من الأزمة.

كل هذا ولد أزمة هوية جعلت بعد الشمولية عرضة ونهبا للقوى المتطرفة توظف الخلافات وتعمق الانشقاقات وتوزع الدمار في كل الأركان مما جعل الواقع الوحشي يبدو متطرفا إلى حد كابوسي مثلما كان حال الشمولية وخطابها جزءاً من هذا الرحم الأتون الملتهب من الأفكار والمعتقدات التي ظهرت منها الشمولية وتغذيه بكراهيتها مما جعلها ثلمة وانكسارا وجرحا لا يندمل في أرواحنا بكل أطيافها قبل السلطة وبعدها أي عندما تحولت إلى مؤسسة حاكمة شمولية تعمل بالذهنية العرقية التي تريد تطبيقا في صناعة الهوية الصافية الخالية من الآخرين وتعمل على إزاحتهم عبر خطابها الإعلامي وآليات القهر الأخر التي تفننت في معسكراتها الصحراوية المتفننة بالقسوة وآليات العنف الرمزي عبرالآتي :

أعادة صياغة الفرد بالسلطة ذلك الفرد المرعوب وهو يستعيد التواريخ من الخيالات والمقابر الجماعية والعنف الثوري والحروب الخارجية أو تلك الداخلية كلها جعلت الفرد فردا خاضعا اتكاليا فاقد المبادرة والقدرة على الاعتراض على الخطابات المهيمنة.

إنها عملت على نسف الطبقة الوسطى وحولتها إلى مجرد جماهير لا تمتلك إلا الخضوع للسلطة لأنها مفتتة لا جامع يربطها ويعبر عن أهدافها فهي كذرات التراب تلعب بها رياح السلطة.

نشرت العنف والإرهاب عبر عسكرة المجتمع وخلقت مناخ الحرب والثأر والانتقام فالكل متهم إلا أن يثبت براءته كل هذا حدث بعد إن عملت على تفريغ الجيش من أي معترض وحولته إلى مؤسسة تخدم إغراضها في تطويع الشعب.

إنها أفشلت انجاز مشروع الهوية الوطنية القائم على الدمج التعددي وأقرت بدلا عنه شعارات قومية فعطلت إنتاج هوية وطنية عراقية تكون بمثابة الخيمة التي تحوي كل العراقيين، مما جعل الفرد على الرغم من هذه المدة الطويلة من التمدن يعود إلى هويات المجتمع الأهلي العشائرية والاثنية /الطائفية أي بدا الفرد عاريا أمام المجتمع الأهلي.

إنها خربت التعايش السلمي والأهلي وجعلت البلد ينام على قنبلة موقوتة هي الطائفية والهويات المتصارعة.

هذا جعل الخطاب الشمولي حاضرا بأثره المدمر الذي يأبى أن يزول لان ارثه حاضر بعمق من خلال المآسي والويلات والتهميش والكراهية العميقة الحضورالتي تأبى أن تكون قابلة للصرف والإحالة إلى تعايش وتسامح واعتراف بالمختلف وحقه بالمشاركة في الفضاء العمومي.

ثمة حاجة إلى ممارسة النقد لهذه الحقبة وأثارها الحاضرة في المشهد السياسي التي جعلت المشهد منتجا للفكر المأزوم والصراعي عبر إقرار أشكال أخرى للتعايش وقواعد جديدة للعمل داخل الفضاء العمومي كرد فعل بل فعل نقدي تجاوز الانكماش الاثني والإقصاء وإقرار نمط جديد من الهوية نجد أثارها اليوم في مجلس الاتحاد الأوربي دول قومية عابرة للقومية وحريات واسعة للأقليات، وقرار حرية التنافس السلمي على السلطة عبر الانتخابات.

III

آليات التعايش والحوار والاعتراف.. إشكالية التعايش ودور المثقف:

بعد التحولات التي حاولنا استعراضها فيما مضى من النص وهيمنة الخطاب الشمولي للهوية وهو خطاب حاول أن يجعل من الخطاب القومي ومضامينه المتداخلة من الانتماء ألاثني، ثم جاءت التحولات التي حدثت بعد تدخل الأجنبي واحتلاله البلد بعد سياسة احتواء طويلة استمرت حتى تحول البلد إلى حالة من الضعف التي جعلته في النهاية يصل إلى الاحتلال الأجنبي، هنا بين انهيار الاستبداد وانهيار جدار الخوف تم تعرية الفضاء العمومي بتعددية سياسة واثنية وقومية أنها خطاب التمثيل الظاهر عصري إحداثي فقد انكشفت الانهيارات عن روح صراعية أثنية بين خطاب يريد أن يعيد إنتاج الواقع السياسي على أساس اثني طائفي وقومي تنوعت الخطابات وتنوعت التدخلات الإقليمية وتفجر الحلم احتلالا وحربا أهلية وصراع طوائف خاضعة إلى مهيمنات دولية ومحلية وإقليمية تداخلت الخنادق وتشرذم البلد الذي كان يعاني اخصاء واحتباس سياسيا ودينيا نفجر كل هذا عنفا.

في ظل هذه الظروف لامحيص لكل مثقف عراقي من أن يتحسس أهمية الموقع والدور الذي إراد ويشعر بثقل المهمة التغييرية والتحديات التي تحيط به. في إبراز ملامح الهوية والواقع عبر نقد التمركزات وتعرية المسبقات ومساءلة البداهات، من اجل قراءة تحقق الإزاحة والصرف والإحالة والتوظيف والتحويل الذي يقود إلى التبديل والتجاوز من خلال خرق الساكن. يتحقق هذا من خلال قراءة تقوم على تبني مشاريع الوجود وقراءة المجريات وتأويل المصائر وتشخيص الأزمة تعقلا وتفهما وتدبرا وتأويلا وتحويلا في ظل ظروف يتفاقم بها العنف وآليات الاستبداد والجهل والإخفاقات التي تعطل الطاقات ويسود الفساد فتظهر الحاجة إلى إرساء فلسفة الأخذ بقيم اللاعنف التي تمثل عالميا باحترام: مبدأ الحرية، وحق الحياة، واحترام الكرامة الإنسانية من خلال محاربة التمييز على أساس ديني واعتقادي او عرقي يفضي إلى المساواة في الحقوق بين الشعوب، فتغدو كل الادعاءات والخروقات والاعتداءات على الدول وسيادتها باطلة وإرهاب دولة تعيق السلم العالمي وتعطل أسباب التعادل والسلم الكوكبي الذي لا يخلف إلا مزيدا من التخلف وخرقا لما هو جدير بالاحترام فان هذا يتطلب إعادة النظر بثوابت الثقافة وآليات النظر التي خلقت العنف والتمييز والإقصاء عبر ممارستها بنية تفاضلية تقوم على سرديات وتأويلات تفرز الإقصاء عبر تبنيها هوية مغلقة تعلي من شأن الذات وتسقط على الآخر الصور النمطية وتشجع على إقصائه. كل هذا حدث بفعل ثقافة تقوم على إرادة التمايز على الغير وهي لا تريد له أن يكون مثلها؛ لذا تعمل على تهميشه واقصائه وعلى الحط من مرتبته وقيمته. وهذا في حاجة إلى إعادة النظر عالميا ومحليا في ثوابت الثقافة وقيم النظر والتفاضل من اجل خلق التعايش السلمي بوصفه أصل العنف والقسوة والتطرف هو الطارئ وأن كان سائدا ومنتشرا. ومن هنا يأتي السؤال عن دور المشهد الثقافي في إدارة الأزمة المجتمعية والثقافية، ودوره في السياسة والسلطة والثقافة. وبكلام آخر نحن في حاجة إلى ثقافة قوية في دعم التحول السلمي وإقرار خطاب التسامح وقبول المختلف وترسيخ ثقافة التنوع والتعددية السياسية والثقافية، لكنَّنا يجب أن نتجاوز عوائق الماضي ومفاعيل ثقافة السلطة التي تم تطويرها لتغدو خاضعة لخطاب السياسي ومروجي الدعاية فيه مما أضفى على ذلك الخطاب المصداقية وهي حالة كانت قد عانت منها دول العالم الثالث كثيرا، حيث أجبرت الدولة الشمولية المثقف شاعرا أو قاصا أو ناقدا أو مفكرا أو فنانا على أن يكون معبرًا عن خطابها صانعا سرودها الرسمية وجزءا من الرأسمال الرمزي.

فما قيمة أن نتسارع على إقامة المهرجانات الثقافية وهي في جوهرها منغلقة الأثر على واقعنا الذي يعيش حالة من الاحتراب الإعلامي والموت المحقق الذي يحيط بالأبرياء على أسس طائفية وبوصفهم حالة من حالات الضغط على السياسيين أو صراع السياسيين والأكثرية تعيش حالة من الموت المستمر في حالة من الاحتراب لا مثيل لها يعيشها الشرق الأوسط التي أقل ما يقال عنها أنها حرب الكل على الكل من اجل إستراتيجيات بائسة تقودها أفكار أثنية وأنظمة صغيرة قبلية ورجال دين ومفكرون متقلبون من خندق إلى خندق وحركات مرتزقة تحرك من خندق إلى خندق إنها حالة جهنمية من العنف الطائفي الذي سوف يعيد بناء منطقة الشرق الأوسط على أسس طائفية بعد أن بني مع الموجة الكونيالية على أسس قومية وما تبعها من عنف وتطهير عرقي في البلقان وتركيا حيث حدثت مذابح حتى تتفق الجغرافية مع السياسة.

والمشروع الكونيالي الجديد كما بشر به كارتر يريد إعادة بناء المنطقة على أساس الاصطفاف الطائفي من جديد، وعرب الخليج يقومون بالمهمة بعد أن اخرجوا التحول العربي من مطالب العدالة الاجتماعية والتعددية الثقافية والسياسية إلى حرب مبنية على أسس جديدة أثنية في ظل هذا العنف تقام مؤتمرات تقوم على الترف الفكري والبلد يعاني الفاقة في البناء والخدمات والصراعات العنيفة كل هذا يحدث من دون أن تقام ندوه حقيقية او مؤتمر يحلل الواقع بعيدا عن التسويق الشعاراتي والتبرير الإعلامي.

لماذا إذا نمتلك مراكز بحوث من دون أن يكون لها القدرة على التحليل المهني وتقديم الحلول إلى الجهات السياسية ومن دون أن تلتزم القوى الإعلامية الضوابط المهنية إلأمن الاجتماع والسلم الأهلي يتعرض إلى الاقتلاع حتى تصحو ثقافتنا وتمارس التحليل والعمل على التبشير في بناء فضاء عمومي حر سياسيا وإعلاميا وثقافيا.

 فنحن في حاجه ماسة إلى تأسيس تعاقد اجتماعي جديد كي نقف وننتقد العنف الجاري ونبش القبور وتهديم الرموز الوطنية والقتل الذي يرفض العرب أن يعترفوا به وكأننا ليس منهم وإذا كان العرب لا يعترفون بنا كأُمَّة فاعلة في المنطقة الأمة العراقية صاحبة المكانة الكبيرة في التاريخ والجغرافية والإستراتيجية فعلى الدولة العراقية أإن تقوم بالاهتمام بالتعاقد الاجتماعي وتأسيس الفضاء العمومي من خلال الآتي:

وضع خطة لمؤتمرات علمية واجتماعية ودينية تؤسس وتضع حلولا ومعالجات لما يجب أن يكون عليه الواقع العراقي وشروط العيش المشترك وآليات التعايش بعيدا عن العنف فنحن أُمَّة ديمقراطية نمتلك كل ما من شأنه أن يحول من دون أن نكون ضحية الاحتراب الإقليمي والدولي في المنطقة.

الابتعاد عن إثارة العنف سياسيا وإعلاميا ودينيا من خلال سلسلة قوانين تنضم السلم الأهلي وتحول دون تحول الإفراد إلى أكباش فداء من أجندات سياسية وإعلامية وجعل الدم العراقي مقدسا بل قدس الأقداس.

وضع خطط وآليات من أجل إعادة النظر في التاريخ والصراعات وإحياء روح النقد والمصارحة والتسامح والاعتراف بالحقائق وجعل التاريخ بعيدا عن السياسة بل محله البحث والتحليل الجامعي.

تفعيل المؤتمرات الثقافية من أجل ثقافة الدمج والتعايش والتأكيد على المشتركات.

انتهاج كل ما من شأنه وضع الحلول بعيدا عن الجبر والإذعان مما يحقق التعايش والبحث في كل الممكنات، فأمَّا أمة متعايشة أو فرق تحقق حماية الدم العراقي لا يمكن أن نسكت على القتل وكأن أمرا لم يحدث.

يفترض العمل على ترصين القضاء عبر إكمال القوانين وإعادة النظر بالقوانين التي لا تحقق اجماعا شعبيا عليها من الشركاء السياسيين والاجتماعيين والمثقفين وهيئات المجتمع المدني.

إقامة محكمة اتحادية يمكن الاحتكام إليها فيما يخرج عن النصوص تكون حكما موضوعيا بعيدا عن الانحياز.

بناء القوات المسلحة على أسس تكون خالية من التشنجات وبعيدة عن الصراعات بوصفها مؤسسةً مهنيةً.

رؤية واقعية وعقلية عن الوحدة والتجانس القومي والوطني في العراق من اجل تكامل الجميع في بناء الدولة الشرعية والنظام الديمقراطي والمجتمع المدني.

10- تحديد ماهية الدولة الشرعية أو الدولة البديلة، بوصفها المقدمة الضرورية والضمانة الفعلية لطبيعة التطور اللاحق ومجراه.

11- بناء الأوزان الداخلية للسلطة والمجتمع المدني عبر صياغة الرؤية العامة للفكرة الليبرالية في العراق، بوصفها أيديولوجية الوحدة المرنة للحرية والنظام، والديني والدنيوي.

12- تأكيد المسؤولية التاريخية والأخلاقية للنخب العامة والسياسية بشكل خاص، عبر ارتقائها إلى مصاف الإدراك الفعلي لمنظومة المبادئ المكونة لفكرة المرجعية الوطنية العراقية، بوصفها هوية المستقبل أيضا. (35).

13- أن تكون الهوية منسجمة مع معطيات الفكر السياسي والقانوني الحديث الذي يستند إلى قاعدة المواطنة بوصفها معيارا ً جوهريا ً ومبدأ قانونيا ً في تأمين المساواة في الحقوق والواجبات لجميع أبناء الشعب ممن يحملون هذه الهوية.

14- أن تكون الهوية معبرة عن الواقع الراهن للشعب العراقي بوصفه كلا ً غير قابل للتجزئة. بمعنى أنها لن تكون تمثيلاً لتصور فئة ما دون غيرها. وهذا يجعلها هوية ً وطنية ً بحق وليست تعبيرا ً عن موقف سياسي ضيق. وأن تكون الهوية عامل توحيد وتقوية وتفعيل للحراك السياسي الاجتماعي والاقتصادي في البلاد على الأسس الواردة في المبدأين أعلاه، وأساسا ً راسخا ً لتعزيز الكيان السياسي الموحد للدولة واستكمال بناء مؤسساتها المعبرة عن وحدتها من جهة واستعادة سيادة البلاد ومواصلة دورها الإقليمي والدولي من جهة أخرى. (36).

15- الشعور بالانتماء إلى ماضٍ مشترك يساعد على الاشتراك في الحاضر والاستمرار بالاشتراك في المستقبل يساعد على التأكيد على ان الهوية الاجتماعية وهي وعي الفرد بانتمائه الى جماعة تاريخية توفر له اطاراً وظيفياً لاشباع حاجته الى الامن النفسي، واطاراً مرجعياً لصياغة منظومة قيمية ثقافية تنظم ادراكاته للعالم وتفاعله معه وتقسيماته له، واطاراً نزوعياً للسعي نحو انجاز اهداف جمعية مشتركة دون ان يتعارض ذلك مع اهدافه الفردية الخاصة، فالهوية الاجتماعية هي نتاج للتجارب المشتركة ونمط الحياة المشتركة بين افراد تلك الجماعة التاريخية.

 إنَّ تاريخ بلاد الرافدين اتصف بانعدام الحروب العنصرية والاهلية بين الناس، وسهولة ذوبان الشعوب الجديدة في الشخصية الرافدينية المشتركة، برغم هذه الخصال الايجابية في طبيعة الشعب العراقي (37)).

إنَّ الدولة ظاهرة اجتماعية وتاريخية لا يمكن أن تنتج إلاّ على أساس الهوية السياسية، لذا فإنَّ الهوية هي جوهر التفاعلات التي يُنتجها تماهي مكونات الدولة في بوتقة (قانونية/ مؤسسية/ مدنية) صاهرة.

وكل هذا يفترض التأسيس له من اجل تحقيق العدالة التي لا يشعر معها احد بالغبن ويبحث عن الثائر من إخوته، وعن العدالة التي تحقق الإنصاف بعيدا عن حروب الشرق الأوسط التي لا تعود على امتنا المتنوعة الثقافات والمكونات بفائدة. فيجب أن يعلم أصحاب القرار في العراق اليوم أن العراق هو وماله هو من صنع أيديهم فالكل اليوم والأجيال القادمة سوف يدفعون الثمن ويجب أن يحدثوا تحولا بأنفسهم وان يخلقوا وجهة نظر مختلفة جذريا لواقعنا العراقي، ربما نستطيع عندئذ التأثير في العالم بعامة، في العلاقات الموسعة مع الآخرين. وإذا ما تقاعسنا سوف هم يفعلون. فعلينا أن نفهم أن العالم هو علاقتنا مهما كان ضيقا وإذا استطعنا أن نحدث تحولا جذريا في العلاقات ونقلناها من حالة الاختلاف إلى حالة الاتحاد والتعاون، عندئذ ننطلق بنشاط كي نحول العالم. فنحن في حاجة إلى إحداث ثورة قيم ويجب أن نبحث عن قيم حقيقية تحدث الثورة الجذرية والتحول او الانبعاث من الجوهري في فهم الذات وإدراك قوتها وضعفها، ومن اجل فهم الذات التي تعيش حالة احتراب بتأثير الآخرين من خارجها او الموتورين من داخلها يجب أن تتوفر النية للفهم وإدراك العوامل وتسويغ حالات الضعف ورفع الظلم وإحلال العدالة بوصفها إنصافًا مما حاق بأبناء العراق على اختلافهم، ويجب أن نفهم الذات لا أن نبحث عنها في تحالفاتنا الخارجية وأن لانجدها في تاريخ الكتب الصفراء بل في الحوار والتواصل والمكاشفة القائمة على النية، والبحث، والتحقق، فتحول العالم يبدأ من تحول الذات؛ لان الذات جزء من صيرورة العالم الكلية للوجود البشري الذي يتحرك بسرعة ولابد من يقظة ذهنية حتى ندرك مكانتنا فيه، بعيدًا عن المعتقدات التي تحدث التشذر والضعف فالأفضل أن نتحرر من أحقاد الماضي حتى نجد العالم قابلا للعيش ويمكن أن نجد لنا فيه مكانا مميزا لكافة تكويناتها الداخلية. إنَّ الدولة ناظم وإطار كلي ناتج من تمازج أربعة عناصر هي: الأُمة المكوّنة للجماعة السياسية، والقيم والقوانين المكوّنة للنظام، والإقليم المكوّن للوطن، والمؤسسات الإدارية المكوّنة للسلطات... وروح هذا الرابط وجوهره والناظم الكلي المسمى بالدولة هي الهوية التي تمثل حاصل التمازج والتناغم والإتحاد لعناصر الدولة الأربعة، وكلما تمازجت وتناغمت واتحدت هذه العناصر بعضها ببعض في الوعي والثقافة والتشريع والتطبيق. . كلما قويت الدولة وتجذّرت، فبقاء الدولة مرتبط بفاعلية الهوية وقدرتها على البقاء والتجدد والتطوّر. (38) 

التعايش بديل الوحدة

كل هذا يدفعني؛ من منطلق الحب لهذه المنطقة والانتماء اليها، والحرص على حاضرها ومستقبلها، والطموح لإعادة بنائها وتطورها ونموها علميا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا، والقلق الشديد على حياة أبنائها واستقرارهم ومستواهم المعيشي وصحتهم الجسدية والنفسية؛ أن أوجِّهَ كلماتي الى أحبتي واصدقائي؛ بل حتى الذين يتخيلون أنهم منافسون ومصارعون وأعداء؛ من كل الأديان والمذاهب والمدارس الفكرية؛ أوجهها بكل حسن نية وبراءة واستقلال فكري وسياسي؛ بوصفي أحد أبناء هذه المنطقة ومثقفيها لا أكثر.

 

ا. د. عامر عبد زيد الوائلي

.................................

(1) كلود دوبار، أزمة الهويات تفسير وتحول، المكتبة الشرقية، ط، بيروت 2009، المقدمة.

(2) المسكيني، او الزين بنشيخة، كانت راهنا، المركز الثقافي العربي، ط1، الدار البيضاء، 2006، ص 34.

(3) حيدر سعيد، سياسة الرمز، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، بيروت، 2009، ص31.

(4) ابن منظور، لسان العرب، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د2، ص170.

(5) لالاند، اندريه: موسوعة لالاند الفلسفية، المجلد الاول، تعريب خليل أحمد خليل، منشورات عويدات، ط1، بيروت، 1996.

(6) كلود دوبار، أزمة الهوية تفسير تحول، ترجمة، رندة بعث، المكتبة الشرقية، ط1، بيروت، 2008، ص17- 19،

(7) وهنا يشير صاحب الدراسة الى تصور موريس هالبوكس:ان الذاكرة الجمعية مقتنعة ان الجماعة تظل هي نفسها لانها (أي الذاكرة الجمعية) "لوحة تشابهات "، الذاكرة الجمعية. انظر في هذا:جويل كاندو، الذاكرة والهوية، ترجمة: وجيه أسعد، وزارة الثقافة الهيئة السورية للكتاب، دمشق، 2009، ص25.

(8)"ليس ثمة متحد الا متخيلا " بينديكت اندرسون، المتخيل لقومي، باريس، دار نشر تلاكتشاف، 1996، ص20، بواسطة: نفس المرجع، ص26.

(9) المرجع السابق، ص27.

(10) المرجع السابق، ص3.

(11) المرجع السابق، ص4.

(12) علي حرب، فخ الهوية، ضمن كتاب مشترك:" تساؤلات حول الهوية العربية "دار البدايات، ط1، دمشق، 2008، ص26.

(13) برهان غليون، أزمة الهوية وإشكالية بناء الذاتية الحضارية، ضمن كتاب مشترك:" تساؤلات حول الهوية العربية "دار البدايات، ط1، دمشق، 2008، ص116.

(14) كلود دوبار، أزمة الهوية تفسير تحول، ص56.

(15) المرجع السابق، ص 51.

(16) ويل كيمليكا، أوديسا التعددية الثقافية" سبر السياسات الدولية الجديدة في التنوع "عالم المعرفة ج2، سلسلة 378، الكويت 2011، ص13.

(17) نفس المصدر، ص14-15.

(18) لهذا قيل إن نظام إرهابي لا يقاس بخسائر حروبه بل بضحايا سلامه، انظر:كنعان مكيه، جمهورية الخوف، منشورات الجمل ط1، بغداد، 2009، ص71.

(19) لقد عاش الغرب في ظل الفصل بين الدين والدولة اذ لم يعد مصدر المشروعية بل العلم من هنا:1- تبرز ضرورة الاعتراف بالكنيسة والفصل لضمان تحرر الدين من الدولة. 2- تحرر الدولة من الدين. 3- تحرر المعتقد الفردي من الدولة والدين المنظم معا. انظر:خوسيه كازانوفا، الاديان العامة في العالم الحديث، ترجمة قسم اللغات الحية والترجمة في جامعة البلمند، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، بيروت، 2005، ص89.

(20) سارا كوب، تعزيز التعايش في النزعات القائمة على الهوية نحو توجه روائي، الفصل الرابع عشر من كتاب:تخيل التعايش معا، تحرير انطوانيا تشايز ومارثا ميناو، ترجمة فؤاد السروجي، الاهلية للنشر والتوزيع، ط1، عمان، 2006، ص390.

(21) انظر:عبد الله عروي، منطق الدولة، مركز الثقافي العربي، ط2، بيروت، الدار البيضاء، ص72-73.

(22) لعل هذه الحالة العراق مميز بها إذ إن طبيعة النسيج المجتمعي في العراق لا تشكل استثناء لما هو سائد في المشرق العربي بل في الشرق عامة، حيث القاعدة هي التعدد الفسيفسائي، بتمظهرات بالغة التنوع والتعقيد لماهيات أثنية ودينية وطائفية. انظر: علاء اللامي، اللامي، الظاهرة الدينية في العالم العربي، العراق أنموذجا، موقع كتابات، http://www. ahewar. org/debat/show. art. asp?aid=2569

(23) محمد جمال باروت، الدولة والنهضة والحداثة، دار الحوار للنشر، ط2، دمشق، 2004، ص39.

(24) كان من المفترض أن يقضي نظام الجنسية على الامتيازات التي كانت تحظى بها الأقليات المسيحية المدعومة من الأوروبيين، فوقف مسيحيو السلطنة العثمانية ـ المفترض أنهم يجب أن يدافعوا عن المواطنة والمساواة ضد نظام الملة التمييزي - ضد نظام الجنسية والمواطنة، وساندتهم الدول الأوروبية الاستعمارية، فتراجعت السلطنة وأبقت الامتيازات بجوار الدولة، فيما رفض الشيوخ (في مقدمهم شيخ الإسلام) والمعممون قانون الجنسية لأنه يعني أن المسلمين لم يعودوا أصحاب السيادة في الدولة، وأنه بدلاً من أن نقلد الغرب الكافر على الغرب أن يقلدنا! ولقد كان أكثر القضايا تأثيراً في عدم ترسيخ الهوية الوطنية هي فقدان الثقة بين المسلمين والأقليات الدينية، خصوصاً المسيحية، فقد منح الخط الهمايوني امتيازات خاصة لأبناء الأقليات الدينية المسيحية بجوار المواطنة الأمر الذي عزز عدم الثقة بين الطوائف، وانفجرت أحداث عنف طائفي في بعض الأماكن المتفرقة من السلطنة (مثل أحداث دمشق).

في الجملة فإن النقاش حول الهوية الوطنية والهوية الدينية بدأ في عصر التنظيمات، وإذا كانت السلطنة العثمانية بدأت بقانون الجنسية (المواطنية) فإنها زرعت في الوقت ذاته الانقسام حول الهوية الوطنية والهوية الدينية وكرست انعدام الثقة بين الطوائف الدينية في المجتمعات التي تنضوي تحتها مع ارتباط التجمعات الدينية الطائفية بمشاريع سياسية خارجية اعتماداً على الرابط الديني (أوروبا المسيحية). لقد وسعت التنظيمات وطورت أوضاع الدولة العثمانية النقاش حول مفهوم المواطنة والمساواة الحقوقية في دولة الخلافة.

(25) كما يصف "حليم بركات " المجتمع الفسيفسائي كما يتجلى في لبنان اليوم معبرا عن نقاط رئيسة حسب قولة:"أولا – الميل نحو عدم اتفاق بين الفئات الدينية حول المرتكزات والأسس التي يقوم عليها لبنان ثانيا – الميل نحو عدم قيام حوار حقيقي وصريح بين هذه الفئات ثالث- الولاء للجزء يفوق الولاء للكل ويتصادم معه، رابعا –عدم توافر نظام تربوي موحد يعمل على دمج الفئات المختلفة في وحدة حقيقة، خامسا –عدم فصل الدين عن الدولة وحصول تزاوج بين أبناء الجماعات الدينية مما يساعد على ازالة المسافات الاجتماعية والنفسية القائمة سادسا –عدم توافر الاندماج الجغرافي اذ تتوزع الطوائف في مناطق مختلفة من لبنان ثامنا ضعف سيطرة الدولة، الخ انظر: حليم بركات، الهوية ازمة الحداثة والوعي التقليدي، رياض الريس، للطباعة والنشر، ط1، 2004، ص18. "

* ترتبط دراسة التدخلات الاجنبية في المنطقة العربية بالصراع العثماني – البيزنطي منذ القرن الخامس عشر، وما تركه فتح القسطنطينية في العام 1453 من آثار وتفاعلات أوجدت ما اصطلح على تسميته "المسألة الشرقية "هذه المسألة التي انطوت على تدخلات أوربية تحت شعار حماية الطوائف المسيحية في الشرق العربي والولايات الخاضعة للسلطة العثمانية، بما فيها بلاد البلقان وبعض مناطق القوقاز بالقرب من البحر الأسود. انظر: ص86. عدنان السيد حسين، البيئة الإقليمية والدولية الضاغطة، ضمن ملف: النزعات الاهلية العربية العوامل الداخلية والخارجية، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، بيروت، 1997.

(26) المرجع نفسه، ص87.

(27) هذه الاستعاره اخذتها من:صموئيل

(28) غسان سلامة: المجتمع والدولة في المشرق العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، ط2، بيروت، 1999، ص71-72.

(29) علي وتوت، في سؤال في الهوية عراق واحد. . عن أي جنون نتحدث ؟ضمن كتاب المواطنة والهوية الوطنية، نخبة من الباحثين، دار العارف للطباعات، ط1، بيروت، 2008، ص38.

(30) نفس المصدر السابق، ص38-39.

(31) انظر: عبد العزيز قباني، العصبية بنية المجتمع العربي، دار الأفاق الجديدة، ط1، بيروت، 1997.

(32)علي وتوت، في سؤال في الهوية عراق واحد، 36.

(33) يبدو ان ظهور الدولة العراقية كانت قد تعارضت مع الواقع الذي كان في ظل الاحتلال العثماني دولة الملل والنحل اذ كانت التراتبية المسلمون فوق المسيحيين واليهود والصابئة، وهناك تراتبية طائفية: السنة فوق الشيعة، وهناك تراتبية الاثني: الكرج (الجورجيون) والترك فوق العرب والاكراد والفرس، وهناك ترتب المكانة بين مختلف الاحرار فوق الجميع. وهناك تراتب الوجاهة او المكانة بين مختلف الجماعات المهيمنة حيث يقف الباشوات الكرج وكبار ضباطهم وكبار موظفيهم سادة ايضا، ثم الجلبية أي التجار ذوو المكانة الاجتماعية البارزة، انظر:، ص18ثم ان التغير الذي حدث مع ظهور المدنية ادى الى معارض اجتماعية من قبل القوى المهيمنة وهي فئتان اجتماعيتان هما فئة (ارستقراطية) المسوؤلين القديمة وفئة التجار الجلبيين. فقد تشكلت الفئة الاولى من عائلات مرموقة من اصول تركية او قوقازية في الغالب شكلت احد العناصر المكونة لطبقة اصحاب الاراضي وادى مجيء الانكليز الى حصول تغير حاسم على اوضاعها اذ لم يكن من السهل على افرادها بعد ان كانوا في موقع القيادة ان يتكيفوا مع دورهم الجديد كرعايا

(34) كنعان مكية، القسوة والصمت، منشورات الجمل، ط1، كولونيا، 2005، ص6.

(35) ميثم الجنابي وإشكالية (أوزان الهوية الوطنية) - مازن لطيف، اورنينا للثقافة العامة » الأخبار » اخبار ومقالات

(36) باقر جاسم محمد، الحوار المتمدن - العدد: 1544 - 2006 / 5 / 8.

(37) امل هندي الخزعلي، افاق ستراتيجية: دور النخب العراقية فـي تفعيل الهويــة الوطنيــة المشتركــة جريدة الصباح البغدادية.

(38) حسين درويش العادلي، ابتكار هوية وطنية، الدولة العراقية. . بين تشظي وتخيّل وصراع الهويات

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم