صحيفة المثقف

الصراع الأدبيّ والفكري عند سيد قطب

بدر الدين شيخ رشيدخاض سيد قطب صراعا أدبيا فكريا مع عدد من رجال الأدب، ويمكن أن نتساءل ما الدوافع للنقد الأدبي بين سيد وغيره من الأدباء المفكرين؟ هل هو مجرد دوافع شخصية ذاتية  تخضع لذوق الأديب مع اختلاف ذوق الآخر في الرؤيا؟  أم أن هناك دوافع أخرى: فكرية وأيدلوجية تخلق هذا الصراع الفكري الأدبي؟

يبدو أن الصراع الأدبي بين سيد قطب وخصومه، كان صراعا فكريا تابعا لاختلاف الفكر والأيدلوجيات، مما يتعلق بالتفسير الأديب وعلاقته مع الدين والوطن والتاريخ الإسلاميّ،  فسيد قطب كان أدبه قريبا إلى الأدب الإسلامي الذي لا ينفتح على الثقافة الغربية وحضارتها وذلك بسبب أصوليته الشديدة للفكر الإسلامي الأصوليّ،  ولهذا، نجد أن أول صراع أدبي دخله، يلتمس فيه أنه كان صراعا بين  مدرستي الإصلاحيين والمحافظين في الفكر، فسيد فطب كان محافظا فيما يبدو بالمقارنة إلى مجموعة أبي لو، والتي يترأسها الدكتور أحمد زكي، بحيث يظهر أنها كانت  إصلاحية منفتحة.

ويدل على ذلك نقد الدكتور أحمد زكي التراث الإسلامي، وهذه هي سمة النقاد الاصلاحيين، كما تدل معركته مع عبد المنعم خلاف، عام(1944م)، حيث انتقد عبد المنعم خلاف على سيد قطب في قضية: الصلة بين القرآن والإيمان والعقل والوجدان، واتهم عبد المنعم خلاف على سيد  قطب بأنه لم يجعل موطن العقيدة والإيمان هو الوجدان، وبالتالي أنه يقصي الذهن والعقل ويلغي دورهما في التعامل مع الإيمان[1].

من جانب آخر، رغم أن الصراع الأدبي بين سيد قطب وخصومه له طابع الصراع الأصولي والإصلاحي، إلا أنه لايخلو في بعض الأحيان، كونه صراعا  ذاتيا وليس موضوعيا، كما ستلاحظ من خلال عرضنا لنماذج من ذلك الصراع الأدبي.

نماذج من الصّراع الأدبيّ عند سيد قطب:

سنعرض نماذج من الصراع الأدبي عند سيد قطب وخصومه، ومن أشهرها:معركة المنبر الحر، عام ( 1934م) ، معركته مع الرافعيين،عام (1938م)، معركته مع الدكتور محمد مندور، حول الأدب المهموس، عام (1943م)، معركته مع عبد المنعم خلاف حول التصوير الفني في القرآن، عام ( 1944م)، معركته مع دريني خشبة، عام (1943م)، معركته مع صلاح ذهني، عام ( 1944م)، معركته مع إسماعيل مظهر، عام (1956م)، وإليك عدة نماذج:

معركة المنبر الحر عام ( 1934 م):

خاض سيد قطب هذه المعركة من على المنبر الحر «مجلة الأسبوع»  في صيف عام (  1934م)، فكات المجلة قد أسمت صفحة النقد فيها  المبنر الحر وفتحت المجال لسيد، ليشن الحرب على الأدباء الآخرين، كما فتحت المجال لردود الآخرين عليه، وكان عنيفا في معركته، وكانوا أيضا عنيفين في ردودهم، ونشر في زاوية المنبر ست مقالات نقدية متسلسلة تحت عنوان:« معركة النقد الأدبي ودوافعها الأصلية »، فذكر في المقالة الأولى قولا عن الدوافع الخفية لمعارك النقد الأدبي في ذلك  الوقت  فقال:« لعل من الخير ألانغالط أنفسنا في الحق؛ لأنه مرّ، ولا نشيح بوجوهنا عن الواقع؛ لأنه مؤلم، ولعل من الخير إذن أن نقول  :إن كثيرا من بواعث المعارك النقدية لم يكن كريما،كما أن كثيرا من أسلحتها لم تكن شريفا، وإنه لخير أن نقول هذه الكلمة قبل أن يقولها التاريخ، وقبل أن تأتي أجيال بعدنا تنظر إلينا نظرة التقزز والاشمئزاز وترى في بعضنا خبثا وفي البعض الآخر غفلة»[2].

صراعه مع الرافعيين عام (1938م):

لما توفي الرافعي عام (1937م)، كتب تلميذه محمد سعيد العريان مقالات  في مجلة «الرسالة» يشيد فيها بالرافعي، ثم بدأ سيد قطب ينقد في مقالاته  العريان، فنشر مقالته الأولى في العدد 251، من مجلة «الرسالة» الصادرة بتاريخ 25 أبريل (1938م)، وجعل عنوانه بين العقاد والرافعي، فقارن فيه بينهما، حيث قال:«  وبعد: فما يمكن أن يتفق العقاد والرافعي في شىء فلكل منهما نهج لا يلتقي مع الآخر في شىء، فالعقاد أديب الطبع القوي والفطرة السليمة، والرافعي أديب الذهن الوضاء، والذكاء اللماع، والعقاد متفتح النفس ريّان القلب والرافعي مغلق من هذه الناحية، متفتّحُ العقل وحدَه للّفتات والومضات، والطاقة العامة لكل منهما في ناحيته متفاوتة بعد ذلك، فطاقة العقاد النفسية أقوى من طاقة الرافعي الذهنية، وعالَم العقاد والحياة في نظره أشمل وأرحب بكثير من العالم الذي يعيش فيه الرافعي ويبصر الدنيا على ضوئه، وإذا لم تكن كلمة اليوم تتسع لضرب الأمثال، فستتسع الكلمات المقبلة للمثال بعد المثال»[3].

ويمكن لنا أن نفهم من نقد سيد قطب على الرافعي ودفاعه عن العقاد من حيث الاختلاف في التوجه الفكري، فالعقاد كان من رواد الفكر السياسيّ الإسلامي الذين دافعوا عن الحضارة الإسلامية وزيفوا  الحضارة الغربية، فيما نجد أن الرافعي كان يغلب عليه الطابع الأبي، ولذا كان  دفاعه منصبا حول التراث الأدبي العربي  والإسلامي، ولم يكن كالعقاد في الدفاع عن الفكر الإسلامي السياسي المعاصر.

صراعه مع دريني خشبة عام ( 1943م):

كانت  صراع سيد مع دريني خشبة قصيرة وسببها رد دريني خشبة على مقال لسيد في نقد وتحليل كتاب: «أحلام شهرزاد»  لطه حسين، حيث كتب خشبة في مجلة الرسالة واعتبر ثناء سيد قطب على القصة أمرا  يدل على عدم اهتمامه بالأخلاق؛ لأن القصة تتنافى مع الأخلاق، ثم ردّ سيد قطب عليه، ولكن خشبة لم يسكت بل فنّد كلام سيد في رد آخر عليه.

هذا، ولما دارت معركة بين سيد والدكتور محمد مندور فيما بعد، تدخّل دريني خشبة ضد زميله سيد قطب، فما كان من الأخير إلا أن ردّ عليه، ودارت بينهما معركة  ثالثة عند ما هاجم أحدُ شيوخ الأدب الذي رمز اسمه بالحرفين: أ.ع. الشعراء الشباب، فرد عليه دريني خشبة ودافع عن الشعراء الشباب، وذكر  في دفاعه اسم سيد ضمن مجموعة من الشعراء الشباب وكان هذا كافيا لأن يهاجم سيد قطب بعنف، معتبرا إياه قاصدا ذمه وانتقاصه، فما كان من خشبة إلا أن ردّ على العنف بعنف أشد ودار بينهما جدال صاخب[4].

صراعه مع الدكتور محمد مندور عام(1943م):

سبب نشوب المعركة بينهما كانت عدة مقالات كتبها الدكتور محمد مندور في مجلة «الثقافة» عام ( 1943م)، تحدث فيها عن الأدب والشعر، وفضل فيها شعراء المهجر على غيرهم من الشعراء العرب، وسبب ذلك، ما في شعرهم من همس، والهمس ترجمة معنوية لمصطلح أدبي فرنسي  ترجمته الحرفية «نصف الملفوظ»، فاعتبر سيد قطب الأدب المهموس هو الأدب الحنين واعتبره دليلا على المزاج الخاص المريض، وبذلك انتقل سيد من الأدب والنقد إلى الإساءة لشخصية خصمه مندور[5].

صراعه مع صلاح ذهني عام ( 1944م):

كان صلاح ذهني يهدي كتبه وقصصه لسيد قطب وقال في إهداء واحد منها:« إلى أخي الناقد البارع الأستاذ سيد قطب مع وافر التقدير» وكان يهدف من ذلك أن يتناول سيد نتاجه بالنقد، بل كان جوابه أن قال: «ومع هذا فلم أكتب عنه شيئا لأني لم أجد أنه يستحق  شيئا فجاملته بالسكوت»[6].

وذات مرة، وسيد قطب يتكلم عن أدب وقصص محمود تيمور، لم يعجب صلاح كلام سيد عن أستاذه محمود تيمور، فهاجم سيدا في مقال، فما كان من سيد إلا أن هاجمه بعنف[7].

صراعه مع عبد المنعم خلاف عام(1945م):

في شهر أبريل عام ( 1945م)، نشر سيد قطب في كتابه الإسلامي الأول «التصوير الفني في القرآن»واستقبله جمهور الأدباء استقبالا طيبا، وكان ممن مدحه صديقه عبد المنعم خلاف، إلا أنه أخذ عليه بعض المآحذ منها:

أن التصوير الفني ليس هو القاعدة العامة للتعبير القرآني كما قرر سيد قطب  في الكتاب بل هو أداة واحدة من أدوات التعبير القرآني الكثيرة.

ذهب سيد قطب إلى أنه باكتشافه التصوير الفني قاعدة أساسية للتعبير القرآني  قد أدرك سر الإعجاز في التعبير القرآني، فخالف عبد المنعم خلاف، وصرح بأن سرّ الإعجاز لا يدرك.

خالف  عبد المنعم  سيدا في الصلة بين القرآن والإيمان والعقل والوجدان، واتهم سيدا بأنه لم يجعل موطن العقيدة والإيمان هو الوجدان، وأنه يقصي الذهن والعقل ويلغي دورهما في التعامل مع الإيمان، إلا أن سيد قطب رد على ملاحظات عبد المنعم خلاف الثلاث، وعلى  مؤخذاته على الكتاب، ثم رد خلاف على سيد قطب[8].

صراعه مع إسماعيل مظهر  عام( 1946م):

وسبب  صراع  سيد مع إسماعيل مظهر أن الأخير كان يترأس مجلة «المقتطف» المعروفة، فعند ما أصدر عبد الله القصيمي كتاب «هذي هي الأغلال» أيده الكُتّاب الملحدون وأعداء الإسلام، وممن أثنى على هذا الكتاب إسماعيل مظهر في مجلة«المقتطف»،في مقال يشيّد في الكتاب واعتبره يساوي وزنه ذهبا، كما اعتبر مؤلفه مفكرا حرا يرتفع على جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ، وقد ردّ سيد قطب كلا من عبد الله القصيمي وإسماعيل مظهر، حيث ذكر في مقال له«أن هذه الضجة وذلك الإنزلاق فضيحة أدبية لمصر وقد تؤخذ دليلا على غفلة النقد فيها إلى حد مخجل»[9].

صراعه  مع شيوخ الأدباء عام ( 1947م):

ختم سيد قطب  بصراعه الأدبية بمعركة عنيفة شنها على شيوخ الأدباء والكتّاب في مصر، ومنهم شيخه السابق العقاد، والدكتور طه حسين، وتوفيق الحكيم، ومحمد حسين هيكل، وأحمد أمين وغيرهم[10].

 

د. بدر الدين شيخ رشيد إبراهيم

.......................

[1] - صلاح عبد الفتاح الخالدي،  سيد قطب من القرية إلى الاستشهاد، دار القلم، دمشق، سوريا، ط2/1994م، ص177.

[2] - المصدر السابق، ص169.

[3] - المصدر السابق، ص171.

[4] - المصدر السابق، ص174.

[5] - المصدر السابق، ص175.

[6] - المصدر السابق، ص176.

[7] - المصدر السابق، ص176.

[8] - المصدر السابق، ص177-178.

[9] - المصدر السابق، ص179-180.

[10] - المصدر السابق، ص 182.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم