صحيفة المثقف

اختيار وسيلة مهمٌ في كل غاية

محمد كريم ابراهيمجميعنا سمعنا بمقولة ميكافيلي المشهورة (إن الوسيلة تبرر الغاية) في كافة مجالات الحياة، وخصوصا في مجال السياسة، عندما يقوم السياسيون بإتخاذ قرار ذات منفعة لهم ومؤذية للعامة في غاية البقاء في السلطة. وكذلك نسمعها في خطط العسكرية في تعذيب المساجين بشتى انواع من اجل حصول على معلومات مرادة. بل وبات المقولة معروفة حتى في مجال العلوم الانسانية التي تعمل تجارب علمية أجتماعية غير اخلاقية ومؤذية للمشارك لغاية حصول على أبحاث ومعلومات المحللة.

هؤلاء القائلين لتلك المقولة ينقسمون الى قسمين: قسم يريد غاية لصالحه فقط ولو كان على حساب العامة، وقسم الاخر يريد مصلحة العامة بغض النظر عن الاذى العامة الذي يأتي في سبيل وصول اليه، ويظن بإن الغاية سوف تكون ذات منفعة كبيرة للعامة في المستقبل على حساب الحاضر.

بغض نظر عن القسمين، كلنا نريد شيئا في الحياة ونبغي الوصول اليه باقصر وأسهل الطرق ممكنة، ولكن أغلبنا يملك معايير أخلاقية وحدود لا يمكن تجاوزها مهما كان ثمن الغاية المدفوعة، فمثلاً جميعنا نرغب في كسب المال في الحياة، ولكننا لا نسرق من الاخرين في سبيل الوصول الى تلك الغاية، لإننا لدينا أخلاق وقواعد فلسفية في الحياة نمشي بها حتى لو لم يكن هناك عقاب فعلي موجود بعدم أتباعه. والسبب ليس هو ديني ولا مذهب فلسفي معين ولا قواعد أجتماعية محددة نحاول أتباعها، ولكنها خطة استراتجية اكثر من كونها قاعدة متبعة. فما يجهله تلك العصائب التي تريد الوصول الى شيء معين هو ثمين كقيمة الغاية نفسها، بل وربما أعلى قيمة منها.

الوسائل الذي نجهلها بعض أحيان قد يكون مهما للغاية في تشكيل مستقبلنا أو في تعريف هويتنا أو يؤذي البيئة الذي نحن منها وفيها بشكل يعود دورته علينا. قد تطاردنا تلك الوسائل المؤذية للاخرين طيلة حياتنا، أو قد تشوه سمعتنا إلى حد ضار لنا أكثر من منفعة الغاية التي أدركناه.

بالفعل، كثير من وسائل الذي يسلكه السياسي أو اي أحد اخر للوصول الى غاية معينة قد تضره وتضر المجتمع بأكمله أكثر من غاية الحسنة المدركة، لو أخذنا مثالاً وعبرة من التاريخ، سيكون أختيار هتلر حرب الشاملة مع بريطانيا، وكذلك أختياره قتل اليهود لتخلص منهم في المانيا ودول التي كانت محتلة. هذان مثالان بالتأكيد هما أقصر وسيلة للقضاء على شر الناس كما راه النازيين ولكنها لم تكن فعالة على اطلاق، لانها خلقت آثار جانبية أدت الى سقوط الحزب نازي وكذلك أذية أهل المانيا من دول أخرى. كان هنالك عدة وسائل للتخلص من اليهود غير القتل الذي كان من ممكن أن يحافظ على سمعة النازيين وعلى سمعة المانيا بأكملها. وهذه السمعة السيئة أدت إلى خسائر مادية عظيمة لألمانيا في سنوات اللاحقة، وتعلم منها دول الاخرى عدم أتباع تلك الوسائل المضادة للانسانية من اجل وصول الى غاية معينة.

فإذا أخترنا التمسك بقواعد أجتماعية معينة كعدم السرقة، والقتل، والكذب، وغيرها من المساوئ التي تؤذي الاخرين في حساب منفعة شخصية أو في حساب مصلحة عامة معينة، فأننا أولاً نضع أنفسنا في خطر من عقاب المجتمع سواء كان العقاب جسدي كالسجن والأعدام وعقوبات القانونية أخرى، أو نفسي كترك الفرد المسيء وعدم مجالسته أو مقاطعته بالكامل وطرده من المجتمع. ثانياً يمكن أن يضع سمعة مجتمعنا ومجموعتنا في خطر، وكما نعلم أن شخص فاسد واحد من القبيلة يعكس في عين المجتمع هوية اخرين في القبيلة. ثالثاً الطريقة التي نظنها سهلة وقصيرة قد يكون من أصعب وأطول الطرق، لإننا لا نعلم عواقب ومضار التي تأتي من الجري بسرعة في بداية الرحلة، فنحن نجهل أن المشي بأعتدال طوال تلك الرحلة الطويلة قد يوصلنا الى الغاية المرجوة بأفضل حال وأحسنها، أكثر من الجري بسرعة، الذي يتركنا في منتصف الطريق مهلكين ومقصرين. هناك حكمة في عدم أختيار الجماعة لوسائل مختصرة. وربما سمعت أن أقصر مسافة بين نقطتين هو خط مستقيم، ولكننا نعلم بالضبط أن هناك طاقة جاذبية في الأرض الذي يمنع الجسم متحرك أن يمشي من دون توقف. إذاً، آخذاً بنظر الأعتبار جاذبية الأرض، فأن أقصر الطرق في الأرض هو خط مقعر وليس المستقيم، وذلك لإن الجسم مبدوء من خط مقعر سوف يستمد طاقة جاذبية ويحولها إلى حركية من بداية الخط الى منتصفه، ومن ثم يستعمل تلك الطاقة الجاذبية لإكمال نصف آخر من رحلة بسهولة وبأقل طاقة مصروفة، على عكس خط المستقيم في الأرض الذي يصرف فيه الجسم طاقة مستمرة من أجل الوصول إلى النقطة.

بالأضافة إلى ذلك، نادراً ما يكون هنالك غاية نهائية لطبيعة حاجات ورغبات الأنسان، فالوسيلة يمكن أن يقول لنا كيف يمكننا الأنتقال من غاية الى غاية ثانية بسلاسة، فاختيار طريقة فعالة فقط في قلة قليلة من الغايات قد يؤدي إلى جهد شخص وتعبه بسبب تغير مستمر لذاته وتصرفاته وأفعاله من أجل أقتناء طرق مختلفة للوصول الى غايات مشابهة. مثلاً من ممكن أن ينجح الطالب في مرحلة معينة من مراحل دراسته بالغش أو بالوساطة، ولكن سرعان ما يجد نفسه ضائعاً في مرحلة التالية أن لم يجد وسيلة الغش والوساطة فيه، يضطر حينها تغيير أساليبه من أجل النجاح، وهذا يكون سهلاً على الناجح بالقراءة، وصعبٌ على الناجح بالغش والوساطة.

نحن لا نقول أن كل ما يثبط المجتمع أو يحفز فيهم مشاعر سيئة هي وسيلة سيئة، بالطبع لا، وإلا لما أخذنا الدواء من الأطباء لكونها مؤذية للجسد وللنفس (فكر في مضار الجانبية) ويحفز مشاعر سيئة فينا من أجل غاية العلاج. بل هناك وسائل معروفة الأذية مثل القتل بغير حق يحكم فيه الأنسان على أنه ليس صحيحاً ولا مبرراً مهما كان الغاية المرادة.

أختيار الوسائل مهم في كل غاية، ما نريده في الحياة غالباً تأتي بطريقة صحيحة وجيدة، تتسم بالخلاء من المضرة للفرد أكثر من طريقة السهلة والسريعة الذي يضر غايته هوية الشخص ويضع مستقبله في محك.

  

محمد كريم إبراهيم

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم