صحيفة المثقف

رحل صوت الاعتدال (واثق الهاشمي)

رائد الهاشميماذا أكتب للتعبير عن مشاعري بفقدان أخي الحبيب الدكتور واثق الهاشمي وانا شهادتي به مجروحة، ولكني اخطّ هذه الاسطر القليلة لاني كاتب ومواطن عراقي وأجد من واجبي الوطني وللتاريخ أن اكتب عن هذه الشخصية العراقية الأصيلة التي فقدها العراق في زمن ضاعت فيه الحقائق وسيطر فيها الفساد وندرت به الوطنية الصادقة.

ولد الفقيد في بغداد السلام وترعرع وعاش فيها ورضع حبّ الوطن مع حليب والدتنا وعشق تراب العراق وعانى مثل كل العراقيين كل أنواع الآلام والمصاعب والحروب والحصار وتقلب الحكومات والمستقبل أمامه مظلم مثل كل شباب العراق.

 أكمل دراسته الابتدائية والثانوية وبعدها الجامعية وحصل على بكالوريوس علوم سياسية وسرعان ما تلقفته جبهات القتال التي كانت عطشى للشباب العراقي وقضى عشرة سنوات من عمره يتنقل بين الوحدات العسكرية وجبهات القتال وتعرض للمخاطر وخرج من الحروب باعجوبة ليدخل معترك الحياة الشاقة حيث لا تعيين ولا وظيفة مثل أقرانه الشباب  فبدأ من الصفر رحلة جديدة فتنقل باعمال عديدة ليوفر له ولعائلته لقمة حلال وفي نفس الوقت كان طموحه وأحلامه كبيراة فأكمل بصعوبة دراسة الماجستير والدكتوراه في نفس اختصاصه (السياسة) التي أحبها واهتم بالتعمق في دهاليزها ومكائدها فبدأ بالتحليل السياسي للمشهد العراقي المليء بالتناقضات والصراعات الكبيرة وخطّ لنفسه نهجاً وعاهد نفسه عليه منذ البداية وهو الصدق والحيادية وعدم المجاملة في كل طروحاته وان يضع مصلحة العراق فوق كل المصالح والاعتبارات الأخرى وكانت خطواته ثابتة في الاعلام والصحافة والقنوات الفضائية وفي كل المحافل السياسية والثقافية حتى صار معروفاً من قبل جميع الاوساط الشعبية والاعلامية والسياسية بأنه صوت الاعتدال والحيادية فكسب ثقة ومحبة الجميع فكان صوته صوت الوطن والحق، فتوسعت دائرة علاقاته مع جميع القيادات السياسية في البلد ومع معظم السفراء العاملين في العراق وكسب ثقتهم وكان يقدم الاستشارات المجانية الجريئة للرئاسات الثلاثة وللقيادات السياسية والسفارات متحملاً المخاطر الكبيرة من هذه الطروحات الجريئة والقاسية أحياناً ولكنه لم يكن يستمع لنصائح المقربين والاصدقاء بالحذر من هذه الطروحات واستمر بنهجه من أجل مصلحة الوطن والمواطن المغلوب على أمره والذي كان هو الخاسر الوحيد في كل مايجري في العراق.

امتدت علاقاته مع عشرات مراكز الدراسات العراقية والعربية والعالمية من خلال الدراسات والبحوث وأوراق العمل والمشاركات العلمية في المؤتمرات والندوات التي تعقدها هذه المراكز فترك بصمة كبيرة وقبولاً لدى الجميع وكان خير ممثلاً لبلده في هذه المحافل العلمية، ونتيجة علاقاته الواسعة في مختلف دول العالم عرضت عليه فرص عمل في دول اوروبية وعربية عديدة يحلم بها كل شخص ليهرب من الوضع العراقي المأساوي وينقذ عائلته من المخاطر ولكنه رفضها جميعاً لأنه لايريد مغادرة العراق واختار العيش والموت على ترابه الغالي. 

اكتب وقلبي يقطر دماً بفقدان رمز من رموز الوطنية والاعتدال الحقيقي حيث كان صوته صوت الحق الذي لايجامل أحداَ ويدافع عن حقوق الشعب العراقي والمظلومين والمهمشين وكان أهم ماكسبه في رحلته الصعبة هو حبّ الناس وثقتهم بطروحاته وتحليلاته السياسية للمشهد العراقي فكان يتلقى كلمات المحبة والاحترام من الناس أينما يذهب ويقول دائماً هذا هو مكسبي الحقيقي في الحياة فحبّ الناس وثقتهم هي أكبر دافع للاستمرار في رحلة الاعتدال وقول الحق حتى لو كانت عند سلطان جائر.

ما خفف عنا مصيبة رحيل الحبيب أبا سالم هو مالمسناه من مشاعر الحزن الحقيقية الصادقة من الجميع ودموع الأحبة والاصدقاء والحضورالكبير والمهيب في مراسم تشييعه بالرغم من الظروف العصيبة التي يمر بها البلد من جراء انتشار فيروس كورونا ولكن أبى المحبين والأصدقاء الا ان يشاركونا مصابنا ويواروه ثرى العراق الحبيب الذي كان يعشقه وأفنى أحلى سنين عمره للدفاع عنه، فهنيئاً لك يا أخي الحبيب وقرة عيني على محبة الناس وعلى هذا الوفاء الحقيقي الذي خفف عنا آلام فراقك ونعاهدك نحن عائلتك جميعاً بالاستمرارعلى نهجك ونهج والدينا بحب العراق وخدمته وخدمة شعبه وتقديم الغالي والنفيس من اجل ان يستعيد مكانته التي يستحقها بين الامم والى جنات الخلد ان شاءالله.

 

د. رائد الهاشمي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم