صحيفة المثقف

الاستلاب الرمزي للمرأة في مجتمع ذكوري

علي اسعد وطفةتشكل المرأة موضوعا للعنف الرمزي في الممارسات الثقافية والتربوية السائدة في حياتنا الاجتماعية، ويتميز هذا العنف بقدرته الهائلة على التخفي وراء الرموز والدلالات والمعاني كما يتميز بقدرته على التغلغل العفوي في الوعي على صورة عدوانية مضمرة ضد المرأة وموقف مضاد لها في الجوهر والمضمون. ويتجلى العنف الرمزي ضد المرأة في نسق من متدفق الإشارات والدلالات والرموز السلبية التي تستلب المرأة إنسانيا وتحاصرها دون أن تأخذ هذه المعاني والرموز صورة جارفة واضحة صريحة بشحنتها العدوانية التي تضع المرأة قي قفص الاتهام الرمزي.

ويتمثل هذا النسق الرمزي بفيض لا حدود له من الصفات والسمات السلبية التي تأخذ المرأة إلى مرابض التوحش والجريمة والغواية والضعة تحت عنوان الطبيعة الشريرة للمرأة. فالمرأة وفقا لهذا النسق تتصف بالخبث والكذب والسحر والفتنة والعار والغطرسة والخفة وضعف العقل والخيلاء والغواية والشيطنة حيث هي باختصار مصدر كل شر وفساد وبلية وشكوى تحلّ بالإنسان بالمجتمع.

يتميز العنف الرمزي بقدرته على التخفي والانسياب في العقل دون أن يشعر صاحبه بهذه القوة التي ترغمه أو تخضعه أو تستلبه. فهو أشبه بالتيارات البحرية التي تأخذك إلى أعماق البحار وانت تعتقد أنك ما زلت في المكان الذي كنت فيه لم تتحرك. فالعنف الرمزي قوة تتغلغل فينا وتبرمجنا بصورة لاواعية فتجعلنا وكأننا نخضع لأنفسنا وليس لقوة خارجية اخترقت جدار وعينا واستقرت في عقولنا الباطنية. باختصار إننا نستبطن رموز هذا العنف بطريقة تبدوا لنا وكأنها قيما كبرى يجب أن نتبناها وندافع عنها، وخير مثال على ذلك دفاع العبد عن سيده والضحية عن مفترسها والمرأة عن الرجل الذي يمتهن كرامتها لأن العنف أخذ طابعا رمزيا فتغلغل في أعماقنا واستقر في عقلنا الباطن فأخذ يبرمجنا من الداخل من العمق وإن كان في الجوهر نابعا من مصادر خارجية. باختصار إنه أشبه بالأفيون الذي يسيطر على ضحاياه ويدمرهم من الداخل دون يشعروا به، وصاحب العنف الرمزي أي من يروج له ويصنعه أشبه بمروج المخدرات الذي ما أن يدفع ضحاياه لتذوقه حتى يصبح قوة داخلية تسيطر عليهم وتدمرهم إلى حين.

والمرأة من أكثر الفئات الاجتماعية تأثرا بالعنف الرمزي الذي تتشبع برموزه وسمومه في مراحل طفولتها ونشأتها وشبابها حتى تصبح أكثر الفئات الاجتماعية إحساسا بالدونية واقتناعا بها فهي أكثر من يؤمن بطبيعتها الشريرة المزعومة وأكثر إيمانا بأنها دون الرجل واكثر اندفاعا في مهاجمة حقوقها ومهاجمة الرجل الذي يدعو إلى تحريرها.

وهذه التصورات ليست حكرا على عالم الرجال بل تحتل مكانها في عقل المرأة ووعيها وهذا يمثل قمة الاغتراب وغابة الاستلاب الإنساني. فالمرأة بذاتها تدرك هذه التصورات وتتمثلها في كثير من الأوقات حتى أنها تجد مبررا لخطاياها وعيوبها تحت عنوان ضعف المراة وغوايتها وقابليتها للإغواء.

 فالمرأة تخضع لنوع من الاستلاب الرمزي الذي يفرغها من مضمونها الإنساني ويحرمها من امتيازاتها الأخلاقية والاجتماعية، فكيف يحدب هذا ما الأواليات التي تجعل المرأة خاضعة ومستكينة لأوضاعها الدونية دون رفض أو معاندة أو مقاومة؟ كيف يفعل العنف الرمزي فعله عبر العملية التربوية؟ وكيف تتمثل المرأة وغيرها الرموز التي تضفي على دونيتها طابعا شرعيا؟ وبعبارة أخرى كيف تتمثل المرأة أيديلوجيا عبوديتها الاجتماعية عبر نسق من المفاهيم والمقولات التي تستلبها على مرّ الزمن بأدوات تربوية تغذي رموز الدونية والعبودية النسوية؟

هذه هي الأسئلة التي نطرحها ونجيب عنها في هذه المقالة المتواضعة.

اللون الأسود: عنف رمزي

تتعدد صيغ الاستلاب الرمزي واشكاله وموضوعاته وهي تشمل طبيعة المرأة وقناعاتها ووظائفها ودورها الإنساني ومكانتها في المجتمع حيث نجد أنساقا متكاملة من الفعاليات والتصورات الرمزية التي تستلب المرأة من حيث نظرتها إلى ذاتها ونظرة المجتمع إليها، ونحن في هذا السياق سنقدم نموذجا رمزيا استلابيا يتعلق باللون الأسود.

فمن المعروف أن لباس المرأة في  كثير من البلدان العربية غالبا ما يكون باللون الأسود بينما الرجل يرتدي اللباس الأبيض ولا سيما في فصل الصيف. وهذه الظاهرة تلفت الانتباه من حيث طبيعتها الرمزية. والسؤال هو لماذا ترتدي النساء اللون الأسود في الصيف علما بأن هذا اللون يمتص الحرارة كثيرا ويرفع درجة حرارة الجسد في بلاد شديدة الحرارة أصلا. هل يوجد في عقل المرأة ما يبرر لها أن ترتدي هذا اللون دون غيره من الألوان.

وليس أبدا شيئ صعب أن نقول بأن التقاليد هي التي تفرض ذلك، ولكن يجب علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن التقاليد لم تكن اعتباطية يوما ما، بل هي نوع من التكثيف الرمزي ، ومن أجرى هذا التقليد في الأصل كان يتوخى أمورا تتعلق بموقفه من المرأة ودونيتها. فالتقاليد تقوم على أساس وظائفي واساس رمزي. والسؤال هنا لماذا تتحيز التقاليد للرجل وتظلم المرأة فتعطي الرجل فرصة ارتداء الأبيض الذي يقيه شر الحر بينما يفرض على المرأة اللون السود الذي يلهب الجسد بحرارته في فصل الصيف.

ومن أجل استكشاف البعد الرمزي لهذه المسألة كان علينا أن نلجأ إلى محاورة الطالبات الجامعيات في هذا الأمر عبر نسق من التساؤلات المنهجية التي نحاول عبرها الكشف عن البعد الرمزي للون اللباس لدى المرأة.

ومن أجل هذه الغاية قمنا بطرح أسئلة ممنهجة تتعلق بالألوان على أربعة مجموعات طلابية مختلفة في شعب متفرقة وعلى فترة زمنية متفاوتة.

في المجموعة الأولى، سألنا الطالبات: أي الألوان هي الأفضل؟ فتنوعت الإجابات بتنوع الألوان ولكن اللون الأسود كان نادرا ما يرتسم في سلم أفضلية الألوان لدى الطالبات.

وفي المجموعة الثانية، طرحنا سؤالين مترابطين جوهريا فكان الأول: إلى ما يرمز اللون الأسود؟ فكانت الإجابات دائما: الحزن والموت والجهل. وكان الثاني: إلى ما يرمز اللون الأبيض؟ فكانت الأجابة الطهارة النقاء النور الجمال البراءة.

وفي المجموعة الثالثة، كان سؤالنا: لماذا ترتدينن ثيايا سوداء؟ وسرعان ما كانت الإجابة في هذا المقام بأن اللون الأسود هو سيد الألوان وحاكمها، أنه اللون الرسمي، إنه لون المهابة، بل هو لون الوقار والحشمة.

وبعد ذلك قمنا بطرح هذه الأسئلة الأربعة جميعها بالتسلسل على فرقة أخيرة من الطالبات. حيث بدأنا بالسؤال حزل : ما لونكن المفضل؟ ثم إلى ما يرمز اللون الأسود؟ وبعد أن حصلت على الإجابات التقليدية المعروفة التي ترفض اللون الأسود، سألنا الطالبات السؤال التالي: لماذا إذن ترتدينن اللون الأسود؟ وهنا كانت الصدمة والارتباك حيث اصيبت الطالبات بحالة من الدهشة أو الصدمة إذ أعلنَّ للتو رفضهن لهذا اللون ونعتنه برمزية الحزن والجهل، وهن الآن في مواجهة حقيقة مع سؤال لم يخطر لهن ربما على بال: لماذا يرتدين اللون الأسود مع أنهن لا يفضلنه ويرين فيه رمزا للحزن والبؤس والظلام. وبعد برهة تتعالى الإجابات بأن اللون السود هو سيد الألوان، وبعد الإقرار بأن اللون الأسود هو سيد الألوان ولون الحشمة، وجهت للطالبات سؤالا جيدا نصه: إذا كان اللون الأسود هو سيد الألوان لماذا إذن لا يرتديه الرجال؟ ولماذا، على خلاف ذلك، يرتدون الثياب البيضاء الناصعة؟ ومن جديد تقع الطالبات في مزيد من الحيرة والارتباك، ويشكل عليهن الأمر، وتسيطر حالة من الوجوم تنظر فيها الطابات بعضهن إلى بعض وترتسم على وجوههن ابتسامات حائرة.

ثم وجهنا سؤالا أخيرا: نحن في بلاد حارة واللون السود يجلب الحرارة ويلهب الجسد فلماذا لا تختار المرأة لونا آخر يكفيها شر الحرارة الشديدة في بلادنا؟ فكان الوجوم أخطر وأكبر؟

لقد أعلنت الطالبات أنهن يرتدين الأسود بوحي من العادات والتقاليد، ولم يخطر لهن طرح هذه السؤال على أنفسهن من قبل. وأعلنت أغلبيتهن أنهن لا يعرفن سببا موضوعيا وجيها أو شرعيا يوجب ارتداء الأزياء السوداء في أرض صحراوية حارة، وأنهن أيضا لا يعرفن لماذا يختص الرجال باللون الأبيض بينما تختص النساء باللون الأسود وكانت الإجابة المختصرة هي عاداتنا وتقاليدنا ويجب أن نحترمها ونلتزم بها.

والسؤال الذي نطرحه هنا: هل من قبيل المصادفة التمييز  في اللون ما بين ملابس الرجال وملابس النساء؟ وهل هناك من مبررات شرعية مشروعة أوموضوعية تبرر هذا التصنيف؟ لماذا ترتدي النساء اللون السود مع انه ليس من الألوان المفضلة لديهن كما أنه يحمل طابعا رمزيا سلبيا؟

لا يوجد أمامنا سوى افتراض واحد: إن تخصيص المرأة باللون الأسود يمثل شكلا من أشكال الاستلاب الرمزي بما يتطلبه هذا الاستلاب من عنف رمزي يُمارس على المرأة لفرض دونيتها في السلم الاجتماعي في مجتمع ذكوري، أي في مجتمع يهيمن فيه الذكور. ووفقا لهذا التصور فإن اللون الأسود يلعب طابع الترويض الرمزي للمرأة دون أن تدري بأبعاد هذا الترويض حيث أصبح هذا اللون بوصفه لونا تفرضه العادات والتقاليد متأصلا في الوعي ولكنه في كل الأحوال تقليد مضاد للمرأة يصنفها أدنى من الرجل: الأبيض للرجل أما الأسود للمرأة، الحرارة للمرأة أما البرودة للرجل، النور للرجل والظلام للمرأة، الطهارة للرجل بينما السواد للمرأة. طبعا هنا نستطيع أن نجد في الروابط ما بين اللون الأسود واللباس ما بين الرجل والمرأة نسقا من الرموز التي تجعل من المرأة أدنى من الرجل وهنا تتم الوظيفة الاستلابية للون الأسود والوظيفة الإنسانية للون الأبيض.

التربية والاستلاب الرمزي:

تشكل التربية أهم عوامل الاستلاب الرمزي للمرأة وقد كتبت في ذلك دراسات كثيرة. فالمدرسة كالتلفزيون تعمل على تأصيل الفروق والتباين بين الجنسين وعلى استلاب الأنوثة والإعلاء من شأن الذكورة. فالمدرسة تعمل وبصورة مستمرة على تكريس مفهوم العلاقة التقليدية التي تفرض نفسها بين الرجل والمرأة كالعلاقة بين السيد والمسود في عقول الأطفال وفي أذهانهم. فأغلب النصوص المدرسية تعمل على تقديم المرأة في صورتها التقليدية كأم وزوجة وطباخة وخياطة وحطّابة وخدامة. حتى عندما يراد للمرأة أن تقدم بصورة فعالة وإيجابية فإن المدرسة تضعها في صورتها المعيارية بوصفها ممرضة أو معلمة وسكرتيرة ومضيفة وهذا يعني أنها ما زالت تحاصر في أدوارها التقليدية حتى مع مطلع الألفية الجديدة.

 العنف الرمزي ضد المرأة في الكتب المدرسية: 

تتمثل خطورة عملية بث العنف الرمزي عبر الكتب المدرسية في مستويين أساسيين، في البداية فإن عملية بث هذا العنف وتأصيله تتم في المراحل العمرية التي يكون فيها الأطفال في قمة قدرتهم على استبطان المعلومات وتمثل القيم، فالأطفال في عمر المدرسة يتشبعون بسرعة وعمق بكل ما يُقدم إليهم من معلومات وما يُبشر به من قيم ورموز. وفي المستوى الآخر يقتضي التنويه إلى أن الكتب المدرسية تطبع بآلاف النسخ وتوزع على شرائح واسعة وعريضة من التلاميذ في مختلف المؤسسات المدرسية وهذا يغطي شرائح واسعة أيضا من هؤلاء الذين يستهلكون هذه الكتب تحت عنوان التربية غير النظامية. وهذا يعني بأن الكتاب المدرسي يلعب دورا محوريا وأساسيا وقد يكون أحيانا الصلة الوحيدة بين المعلمين والتلاميذ. ومن الواضح أن هذه الكتب تفيض بالإشارات والرموز والصور التي تعزز مبدأ الفروق والتمييز بين الجنسين.

ويبدو أن مصممي الكتب المدرسية كانوا حريصين على تأكيد العنف الرمزي ضد المرأة منذ البداية حتى النهاية على مدار الحياة المدرسية برمتها. ويبدو هذا الحرص على تضمين العنف الرمزي في كتب المدارس العامة أكثر قوة وحضورا، حيث نجد صورة مشوهة للمرأة سيتمثلها الأطفال من الجنسين على أنها حقائق أبدية، ووفقا لهذه الصورة فإن الذكور يمتلكون وضعية الهيمنة والإناث وضعية الخضوع والدونية.

إذا كانت المرأة لا تطبخ فهي تنسج:

منذ بداية الحياة المدرسية في السادسة أو السابعة من العمر يشعر الطفل بالفروق بين الجنسين عبر المعرفة المدرسية والممارسات التربوية. فالأم في كتب اللغة العربية غالبا ما تقدم على حضورها المستمر في المنزل لتقوم بأعمال المنزل، وبالتالي فإن البنات يساعدن الأمهات في أعمال المنزل وتدبيره. ويلي ذلك أن أغلب التمارين التي تطلب من التلميذ أن يصف عمل الأم والأب. فعلى سبيل المثال يسأل الطفل: ماذا تفعل الأم في المنزل والإجابة غالبا تكون إنها تطبخ أو تنظف المنزل أو ترضع الطفل أو تعنى بأطفالها، تتحدث إلى جاراتها، تعود أقرباءها والمرضى في الحي، وعلى خلاف ذلك تكون الصورة مختلفة بالنسبة للأب كأن تكون الإجابة إنه يقرأ أو يكتب أو يعود من العمل أو أنه يسافر أو يمارس الرياضة. وهذه الصورة النموذجية عن المرأة وعن الرجل التي نجدها غالبا ما نجددها في أغلب كتب القراءة في المرحلة الابتدائية.

ويمكن في هذا السياق ملاحظة أن هذا التصوير يقدم المرأة في وضعية عبودية وأن ذلك ليس أمرا عفويا بل مقصودا وموجها وأيديولوجيا. فعلى سبيل المثال غالبا ما نجد في كتب القراءة أن الأم تستسلم إلى صورتها التقليدية ففي أحد المشاهد في كتب القراءة نجد الصورة التالية الأم تقوم بخيط الثياب والأب يقرأ في المجلة والطلفلة تلعب بدماها بينما يقوم أخوها الصغير بكتابة وظائفه. ومن الملفت للنظر أن الصور التي ترافق النصوص لا تعبر عن مضمون النص بل تكون مفارقة له حيث تأخذ دلالة تقلل من شأن المرأة نفسها وتعلي من شأن الذكور بصورة عامة.

المرأة جاهلة وعاطفية مقابل الرجل المثقف والقوي:

 تتعمد نصوص القراءة إخفاء الطابع الثقافي والتعليمي للمرأة وفي كثير من الحالات تبرز جهلها وأميتها. وفي الصور غالبا ما تأخذ صورتها التقليدية السائدة حيث تقوم بحمل الأطفال وإرضاعهم وتعنى بالأبقاء أو تحمل الحطب على ظهرها. ويقابل هذه الصورة صورة مناقضة للرجل المثقف الذي يقرأ الصحف ويعلم أبنائه ما هو ضروري لمعرفتهم واطلاعهم، يرسل الرسائل ويكتب الشعر.

والمرأة المثالية التي تقدم في هذه النصوص توصف دائما بأنها نشطة غير كسولة عاطفية رقيقة قلقة من أجل أطفالها. وعندما يتعلق الأمر بالمرأة العاملة خارج المنزل فإنها غالبا ما تكون بائعة أو ممرضة وقلما تكون طبيبة ومهندسة أو متخصصة علميا. وبصورة عامة غالبا ما تقدم المرأة في الكتب على أنها أم وزوجة وأخت وطباخة ومربية وممرضة وهي تتجاهل بصورة متعمدة دور المرأة بوصفها مثقفة طبيبة ومهندسة وجامعية وسياسية.

الخضوع للمرأة والسلطة للرجل:

 يأخذ الرجل أدوارا متنوعة عبر النصوص الصور في الكتب المدرسية، فالرجال يقدمون على أنهم أصحاب الأمر والسلطة والقوة والإدارة، وبالتالي فإنهم يمتهنون مهنا تخولهم ممارسة هذه السلطة مثل: مروضو أفاعي، صيادون، مدراء نوادي، محاربون، قادة، مغامرون، ضباط وقادة عسكريون، مدرسون ومعلمون، شيوخ وأئمة.

والمرأة غالبا ما تقدم خاضعة للرجل والرجل غالبا ما يكون المدير والسيد والآمر والناهي. وفي مستوى الطفولة غالبا ما يوصف الأطفال الذكور بالنشاط والقدرة والقوة والاندفاع بينما يأخذ الأطفال الإناث صورة الرقة والنعومة والضعف والهشاشة. وغالبا أيضا ما توصف المرأة الإيجابية بأنها المرأة العاطفية الحنونة الخجولة المطيعة.

خلاصة:

تعاني المرأة من عملية استلاب رمزي مستمرة في حياتنا التربوية والثقافية فهناك أنساق من الرموز التي تحاصر المرأة وتضع المرأة في قفص الاتهام لتحرمها من جوهرها الإنساني وقيمتها الأخلاقية. وما يؤسف له أن هذه الممارسات التربوية قائمة في التربية المنزلية والمدرسية في المؤسسات الثقافية في ميدان العمل وفي مختلف جوانب الحياة.

ومع وجود نسق خاص من السمات الإيجابية للمرأة فإن النسق العام من التصورات والرموز التربوية تضعها في موقع الإدانة. فالسمات الإيجابية هي نظام خاص يتبناه بعض الرجال في وصف صفوة النساء وخيارهن، وأحيانا بعضا من أمهاتهم وأخواتهم، أما النسق السلبي من هذه السمات فتوصف به المرأة بعامة على مبدأ الشمول والكلية والإطلاق. ويمكن تحديد طبيعة العلاقة بين النسقين في موقف الفرد الواحد على الشكل التالي المرأة شريرة بطبيعتها على العموم ولكن قد تكون أمي خيرة على مبدأ الاصطفاء والاستثناء. وهكذا يستطيع الإنسان أن يمتلك على نقيضين تتوسطهما آلية ذهنية مخادعة يستطيع عبرها الخروج من دائرة هذه التناقض بإضاف صفة الاستثناء على من يستغرق في تقديرها وحبها. فالرجال كما يلاحظ يعاملون زوجاتهم وفقا لهذا التصور الذهني عن المرأة وكذلك يعاملون بناتهم وجميع النساء تقريبا. هذه الأنساق التي تحط من شأن المرأة وتدني من قيمتها يرتبط تاريخية بأوضاع اجتماعية اقتصادية في مراحل متدرجة من العبودية التي عاناها المجتمع الإنساني. وليست الإشكالية الآن في بحث النشأة الأولى لعملية الاستلاب الرمزي للمرأة عبر أنساق من المقولات والتصورات التاريخية التي أسبغت عليها بل تكمن في الكشف عن استمرارية هذه الأيديولوجيا والتصورات المعادية للمرأة عبر الزمن وعن الكيفيات التربوية التي تغذي أيديولوجيا النقص والاستلاب في شخص المرأة عموما.  وباختصار نحن اليوم نحتاج إلى تحرير  العملية التربوية من الدلالات الرمزية التي تمتهن المرأة وتضعها في أقفاص الاستلاب الرمزي.

 

علي أسعد وطفة

جامعة الكويت

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم