صحيفة المثقف

سيجارتي وأبو الطيّب

شوقي مسلمانيفي مراسلة على "واتساب"، سألت الصديق الشاعر وديع سعادة عن صديق مشترك هو الشاعر شفيق عطايا الذي اختفت آثاره منذ سنوات. وقال في ردّ: "لم أره من زمان". وتعبيراً عن عاطفة أردت أن أذكر بيتاً للشاعر أبي الطيّب المتنبي فخانتني الذاكرة، وكتبت هكذا: "ليتك صديقي تجد وسيلة لإستفقاده \ وكما قال أبو الطيّب \ خُلقت ألوفاً \ إلى أن يقول \ لو فارقتُ شيبي \ فإلى أن يقول \  فارقته دامع العين باكيا"،  وطبعاً فهم علي الشاعر وديع. وفي الأثناء كنت قد لففت سيجارة قريباً من سور واطئ لبيت كنت بالصدفة أمرّ قربه، وأتذكّر أنّي وأنا أكتب على شاشة الموبايل وضعتها في جيب بنطالي، وأردت أن أشعلها، منزعجاً من داء كورونا النسيان. وضعت يدي في جيب بنطالي فلم أعثر عليها، ووضعتها في الجيب الثاني والنتيجة واحدة. قلت، كمن يخاف من شياطين، إذ لم أعثر عليها: "باسم الله الرحمن الرحيم". وقلت أنّي ربّما وضعتها في جيب سترتي. ووضعت يدي في جيب سترتي اليسرى، باعتباري "عسراوي"، من دون فائدة، ووضعتها في الجيب الثاني، والنتيجة ذاتها، ووضعتها في جيب السترة الداخلي عند الصدر، من دون فائدة، فأين هي السيجارة اللعينة التي للتوّ لففتها، ووضعتها أكيداً، ولا أعرف لماذا، في جيب بنطالي لا في جيب سترتي الأرحب؟!. قلت ربّما وقعت السيجارة على الأرض، فلم أجدها. قلت ربّما وضعتها على حافّة السور الواطئ. وتفقّدته من أوّله إلى آخره، ناظراً في آن بين خطواتي على الرصيف، من دون فائدة. لأجدها فجأة تتدلّى بكامل أبّهتها ودلالها ورقّتها بين شفتي، فما القصّة؟!.

**

وعثرتُ على السيجارة، ولم أجد القدّاحة، فيعلم الله من استعارها منّي ليشعل سيجارته وأخذها، وأنا نسيت أيضاً أن أسأله أن يردّها.

**

ورجعتُ إلى البيت، وكتبتُ ما سبق. ثمّ فكّرتُ أن أنشر ما كتبت على صفحتي في فايسبوك. حدّثتُ روحي أنّي يمكن أن أُرفق بصورة واقفاً قرب سور بيت، فتكون بُعداً آخر للمكتوب ومصداقاً عليه. ولم أتكاسل، وخرجت من البيت عازماً على الصورة. ومشيت، ومشيت، ومشيت. وتمشّيت، وتغيّبت أكثر من 3 ساعات، إذ انشغلت بأمور. ورجعتُ إلى البيت، وأنا أجلس مواجهاً التلفاز تذكّرت: لقد خرجت لما لم أرجع به: الصورة. 

**

بيت أبي الطيّب المتنبّي هو: "خُلقت أَلوفا، لو رجعت إلى الصبا \ لفارقت شيبي.. موجع القلب باكيا".

 

شوقي مسلماني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم