صحيفة المثقف

قراءة متأخرة لـ "الحفيدة الاميركية"

رنا خالد"الحفيدة الاميركية" سألت نفسي وانا اتطلع الى عنوان رواية الكاتبة "إنعام كجه جي" التي تركتها على أحد رفوف مكتبتي منذ سنوات، انتظاراً لظرف مناسب لقراءتها، لكن هذا الظرف طال، مدة من الزمن (هل من الغريب ان تكون الحفيدة أميركية؟)

وحين توفر الوقت لدي، قرات الرواية، بطبعتها الرابعة الصادرة في 2016 بنهم وشوق في يوم واحد، فساحت بي، ودارت بين كواليس سنوات الحصار في تسعينيات القرن المنصرم، مرورا بأحداث احتلال الوطن عام (2003)، وحينما انتهيت من قراءة الرواية، وجدتُ ان الامر ليس غريبا ان تكون الحفيدة أميركية، ولكن من الغرابة ان تأتي مع قوات (المارينز) عند احتلال بلدها الام العراق ..!

خلصتُ الى قناعة، كقارئة ومتابعة للشأن الثقافي، ان جمالية هذه الرواية تتمثل بتناولها صراع النفس وبأشكال متعددة منها الاخلاق والعادات والتقاليد العربية والأفكار والمفهوم العصري الجديد للحياة وحتى الخير والشر وكذلك الماضي والحاضر بكل اساليبه المتقدمة وحتى بين مفهوم الوطنية للفرد وعكس ذلك.. فهي لم تكتف بسرد المشهد، بل وتترك لنا خيار التحيز للطرف الذي نريده وهذه احدى الجماليات النص الادبي، فالأدب كما نعرف بحر لا ينضب، ممزوج بين الخيال والواقع وبتوظيفٍ عالٍ من الكاتب يبرز فيه جمال الكلمة.

1683  الحفيدة الامريكيةان الرواية تروي احداث ذاكرتين بينهما علاقة مودة، الجدة رحمة التي تحدث نفسها بالقول "أهذا ما ينتظره الأجداد من الاحفاد". الجدة من وجهة نظري تعتبر الركن الأساسي في الرواية لأنها مثلت العراق الوطن جذوراً وانتماءً، الجدة التي تختزن في ذاكرتها وقائع عراقية لها ذكرياتها ولغتها وتفاصيلها، ولها مقامها العالق في بيت العائلة القديم، والحفيدة زينة التي تأتي مع قوات الاحتلال مجندة بصفة مترجمة، الجدة كانت بشوق لاحتضان زينة الحفيدة كانت أكثر شوقا لاحتضان الدفء والحنان من الجدة رحمة، لكن تحول هذا الهاجس إلى مشاعر خيفة غريبة في الاستعادة والمواجهة مع مفاهيم ملتبسة وغامضة مثل الوطن والهوية والذاكرة.

وأيضا الرواية تروي تفاصيل حرب العراق مع امريكا، بعشر شخصيات تقريبا، لكن بسرد حكائي اصيل وحب للجذور والهوية رغم ان الاحداث لم تكن جميلة لكن مع جمالية الشكل والمضمون، التي سعت إليها الكاتبة ووظفتها في محاربة الاحداث المرعبة في الواقع، اضافت لها رصانة وسعة إدراك ومخيلة نقية ولغة خالية من أي تشويه، وهي حالة لا يجيدها مع أي كاتب.

وتقف الكاتبة عند لحظة مهمة هي رفض الجدة رحمة لمهنة حفيدتها وتمسكها بذاكرتها يكشف عن علاقة الشخصية العراقية الأصيلة بالحس الوطني، وهو ما يجعلها تواجه الحفيدة بقوة وتنتهي الرواية بموت الجدة التي يرمز رحيلها موت الذكريات والذاكرة وغياب الانتماء للهوية.. الحفيدة زينة بهنام الساعور، وهي مسيحية من اب اشوري وام كلدانية، اضطرت الى مغادرة العراق الى اميركا مع ابويها خلال فترة الحصار، لتبقى هناك خمسة عشر عاماً وتكتسب الجنسية الامريكية قبل ان تعود الى العراق بصفة مترجمة مع قوات بلدها الجديد الذي قام باحتلال العراق.. عادت زينة الى بلدها (اميركا) محملة بحصيلة من الشجن الذي يثقل القلب بالهموم ويملأه بالحزن.

 

رنا خالد

.....................

** "الحفيدة الأمريكية" هي الرواية الثالثة للكاتبة العراقية المهاجرة إنعام كجه جى، بعد روايتيها "لورنا" و"سواقى القلوب"

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم