صحيفة المثقف

ما بين الانفجار والانفراج.. لبنان فى مخاض التغيير

ناجي احمد الصديقعلى مدار خمسة عشر عاما حسوما  كانت الحرب الأهلية تدور فى لبنان وتنشر انتشارا كاد ان تقضى على الاخضر واليابس وان تورده موارد الهلاك لولا لطف الله الذي قيض لها اتفاق الطائف الشهير فى عام 1990م والذى توافقت فيه الطوائف والأحزاب المختلفة فى لبنان على ايقاف الحرب وفق اشتراطات لتسيير دفة الحكم فيه فخرج لبنان من قبضة الحرب المدمرة ليدخل الى قبضة النظام المحاصصى الطائفى الذى افرزه اتفاق الطائف والذى ادى فيما بعد الى إرسال الدولة الى المجهول

كان اتفاق الطائف فى جوهره استحواذ على النظام السياسي اللبناني بالكامل من جانب القوى السياسية الموجودة على الساحة فى ذلك الوقت  حيث كان من اهم بنوده تعديل الدستور بما يسمح بتوزيع الناصب الدستورية والوزارية على النحب السياسية  الموجودة على الساحة وفق نسب محددة ولا يسمح بان تدخل اية قوة سياسية أخرى الى داخل ذلك النظام وكل ما يقوم بفعله جمهور الشعب اللبناني هو انتخاب لاشخاص الموجودين داخل القوى الموقعة على اتفاق الطائف دون غيرها من جماهير الشعب ، ورغم ان الدستور ينص على ان لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية الا ان البنية الطائفية للنظام السياسى فى لبنان جعل من شبه المستحيل اتخاذ اية قرارات كبرى دون توافق جميع الفرقاء السياسيين والموزعين على اساس طائفى فى المقام الاول ، ومن امثلة ذلك هو خلال مدة تجاوزت العام والنصف ما بين 2014 و 2016م فشلت حوالى 45 جلسة لمجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية خلفا للرئيس ميشال سليمان لعدم اكتمال النصاب القانونى نتيجة عدم توافق القوى السياسية على تسمية الرئيس .

كان من الممكن ان تقوم القوى السياسية الممسكة بزمام الأمر فى لبنان منذ عام 1990م بانتشاله من مستنقع الفقر الذى أدخلته الحرب الأهلية و كان من الميسور عليهم فى ذلك الوقت الانكباب على معالجة اذمات الاقتصاد اللبناني وخاصة ان العالم الخارجي كان مفتوحا أمامهم  وان أبواب البيوتات الاقتصادية الكبيرة مشرعة فى وحوههم الا ان وخلاف كل ما كان مأمولا منهم  انكبو على ذواتهم وشرعوا فى ابتلاع مقدرات لبنان وطوعو الاقتصاد اللبنانى ليكون فى خدمتهم وتجت تصرفهم وكان شعارهم المرفوع دائما هو اجمينى لكى أحميك واسترني لكى استرك وغطيني كى أغطيك فدخل لبنان بعد ثلاثين عاما الى غرفة العناية المركزة ينتظر حتفه

ملف الحكم والسياسة فى لبنان هو من اكثر الملفات تعقيدا على مستوى الإقليم ان لم يكن على مستوى العالم .فتوزيع المناصب المختلفة والذى يتم بنص الدستور جعل من الحكام عصبة وجعل من يتداولون الحكم فيما بينهم ولهذا فان من يريد تغيير نظام الحكم عليه أولا ان يقوم بتعديل الدستور وتعديل الدستور نفسه مناط بالمسؤليين عن الحكم ... هذا دائرة مغلقة تدور فيها النخبة كما يدور الثور فى الساقية  ولا ندرى ان كان الثوار فى ميادين التظاهر قادرون على قلب الطاولة على ذلك النظام وشل يد الدستور وتشكيل حكومة  ثورة لادارة البلاد ام لا ولكن اغلب الظن ان القوى الدولية التى تتسابق الان نحو لبنان وتنادى بحكومة اخرى لا ترغب فى انفلات الامن وشل حركة النظام الحاالى لكى لا تغرق لبنان فى الفوضى التى اول من يتضرر منها هو اسرائيل المحمية كلي من الغرب

جاء انفجار مرفأ بيروت كحدث فجائى استثنائي اذا قمنا باستبعاد فرضية عمل خارجي مدبر وأشعل الوضع فى لبنان بصورة لم يسبق لها مثيل  وقلب الطاولة على الجميع بحيث تعدلت كل المواقف السابقة عليه واول تلك المواقف هو موقف المجتمع الدولي حيال الاذمة فى لبنان

كان لبنان فى شبه عزلة عن العالم الخارجي ففرض عقوبات على حزب الله موقف دول الاتحاد الاوروبى ودول الخليج حرم لبنان من المساعدة فى حلحلة الوضع المعيشي المتردى إضافة الى تملل الشارع واندلاع المظاهرات حتى كاد الشعب اللبناني يستعد للإعلان دولته دولة فاشلة ولكن الانفجار الكبير فى مرفأ بيروت كان بداية انفراج فى التعاطي الدولى والاقليمى مع لبنان فشهدنا فور وقوع الانفجار تسابق الدول الى زيارة لبنان وتقديم المساعدات العينية لها ولكن لعبة المحاور والاستقطاب كانت حاضرة من بين ثنايا تلك المساعدات والكل يريد ان يجد له موطأ قدم فى مستقبل لبنان 

لاتزال البدائل عن الأحزاب السياسية الرئيسية التى تتقاسم المشهد السياسي منذ نهاية الحرب الأهلية فى 1990م غير قادرة على أيجاد موطئ قدم لها فى الحياة السياسية اللبنانية خاصة وان الآمال التى بنتها الحركات السياسية الجديدة على الانتخابات التشريعية السابقة  التى جرت فى مايو \ ايار قد باءت بالفشل  بالرغم من انها اجريت فى ظل قانون انتخابي جديد نسبيا 

واقع لبنان اليوم لا بسمح ابدا بذهاب نظام الحكم الحالي بكل فيه من فساد ولكن الانتقال التدريجي من نظام المحاصصة الى نظام انتحابى حر ربما يكون هو المخرج تحت وطأة الظرف الحالى ولهذا يرى بعض المحللين انه يجب على النخبة الحاكمة الاتفاق على حكومة اختصاصيين من خارج دائرة نظام المحاصصة لتقوم بمعالجة سريعة للمشكلات المعيشية ومحاسبة المسؤليين عن انفجار الرفأ والاعداد لانتخابات حرة بعد القيام بتعديل الدستور وإلغاء نظام المحاصصة الطائفية  ولكن هذا نفسه يحتاج الى توافق من الأحزاب والطوائف الفاعلة بحسب اتفاق الرياض 

هاهو لبنان فى مخاض التغيير بفضل الانفجار فالشعب عازم على مواصلة الثورة والاقتصاص لضحايا ذلك الانفجار وتغيير النظام الحاكم باكمله والمجتمع الدولى لن يقبل باقل من حكومة شجاعة قادرة على محاسبة المسؤلين عن الانفجار والضائقة المعيشية تطبق على تلابيب النظام الحاكم والشعب المحكوم على السواء والنظام الحاكم نفسه عاجز عن مواجهة الاذمة والكل يترقب الان ما يسفر عنه هذا المخاض امولود جديد؟ ام ان النظام القديم ما تزال لديه القدرة على انتاج نفسه؟.

 

ناجى احمد الصديق الهادى - المحامى - السودان   

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم