صحيفة المثقف

مرحلة ما بعد الدين في العراق

عماد عليالجمیع یعلم بان المراحل الفلسفية في تاريخ البشرية سارت وفق متغيرات الظروف العامة من حيث مستوى العقلية العامة وعصارة الفكر الجمعي للانسان مع تغيرات الظروف الاجتماعية والاقتصادية وافرازات التغييرات المتلاحقة على العقل العام ومن ثم تغيير العقلية سواء من الفرد المحتمع كليا لتحول الى المجتمع او من المجتمع المتاثر بالتغيير ومن صم تحسد في عقلية الفرد الذي بدوره اثر على الرؤى والعقلية العامة مما غيرت من خلالها الفلسفة المعتمدة نسبيا لدى المجتمع . اي انه هناك تاثيرات متبادلة بين المتغيرات العقلية والتوجهات والافكار مع الفلسفة السائدة والمتغيرة دوما بحيث تبرز هنا معادلة متداخلة او علاقة جدلية بين هذه الاطراف والعوامل التي تؤدي الى التغييرات في طرفي المعادلة، الفلسفة المنبقة من المتغيرات مع العقلية العامة والتوجه الفكري العام . وهناك عوامل متعددة لتحديد طول المرحلة سواء كانت تطورات علمية او علاقات متبادلة بين بقاع العالم وتبادل الفكر العلمي ونتاجات العلم والمؤثر بدوره على العقلية والفكر العام ومن ثم على الحياة بشكل عام. وهناك مراحل تحدث فيها طفرات كبيرة نحو الامام كانت ام الى الخلف مما تؤدي الى البقائ في احيان اخرى في المرحلة المعينة لمدة طويلة او التراوح والبقاء على المستوى ذاته منةكافة النواحي لمدة طويلة دون تغييرات محسوسة.

ان كان هذا بشكل عام ووفق المادية التاريخة في كافة بقاع العالم والمجتمع المتماسك المستقر لمابعد الخطوة الاولى للسكن والاستقرار وبناء القرية والمدينة وايجاد وسائل النقل ومن ثم التاثير المتبادل سلبا كان ام ايجابا على البعض. ستكون طول مدة المراحل مختلف من مكان لاخر ومن مجتمع لاخر .

لو اخذنا المجتمع العراقي ودققنا في تاريخه العريق والشعوب المتلاحقة التي عاشت على ارضه منذ العهد السومري لهذه الساعة فاننا نجد اختلافات كبيرة بين المستوى المعيشي لهذا المجتمع مقارنة مع الشعوب والحضارات الاخرى ايضا الا انه من الحق القول بان هذه المنطقة قد شاهدت طفرات كبيرة في المراحل التاريخية الغابرة ماقبل او ابان حضارة وادي الرافدين نتيجة لتاثير جغرافيته المثالية المساعدة على التفكير العميق والتامل وبدوره التاثير على كيفية المعيشة والالتعمق في ثنايا حياة للمجتمع .

بشكل مختصر ومقتضب، يمكننا القول بان المرحلة التاريخة االغابرة جدا، كانت المسيرة الانسانية طبيعية رغم ما تخللتها مراحل قصيرة يمكن القول بانها كانت راكدة من حيث التقدم العقلاني والتسلسل الحضاري والتنقل من المرحلة الخرافية الاسطورية المرئية والمحكية او مرحلة اتساع التخيل والتصور وتغيير النظرات الى المواضيع الفلسفية دون معرفة الفلسفة كعلم لحين وصولنا الى ماقبل الفتوحات الاسلامية لهذه البقعة، وكانت هناك مراحل شهدت تقدما ملحوظا مقارنة مع المناطف الاخرى في العالم . ولكن مابعد الفتوحات الاسلامة واجهت حدو ث شروخ واسعة بين التامل العقلاني والواقع الموجود مما ترسخت المتوارثات النقلية وسيطرة الاتكال على الخيال والفكر السهل مستندا على النقل بعيدا عن العقل، فان المرحلة شهدت تراوحا على الفكر والتوجه والاعتقاد الواحد مكانا وزمانا.

وما يهمنا هنا ان نقوله، ان مابعد سيطرة الاديان وبالاخص الدين الاسلامي اصبحت حال المجتمع عالقا في الوهم وفي مابعد الطبيعة. ولم تتغيرىطوال القرون الطويلة الا بشكل لا يمكن ان ندعي بانه كان تقدما فعليا، اي مرحلة مابعد الدين كمرجلة متقدمة عن مرحلة الخرافة والاسطورة والملاحم والعبادت الكثيرة التي كانت تعتبر مرحلة متقدمة عليهم الا انها امتدت كثيرا ولم تدع مجالا لتجاوزها في الفترة التي كانت من المفروض ان تتجاوزها العقلية الانسانية في هذه المنطقة، وهذا نتيجة الكسل والشروط القاسية وما فرضته الثوابت الديينة التي وضعت العواقب امام التقدم او الانتقال من المرحلة الدينية الى اخرى يمكن تجاوزها في مدة معينة، اي طالت مدة المرحلة الدينية كثيرا نتيجة فرض الامور بالقوة دون اعتبار للانسان وخصوصيته لحد هذه الساعة تقريبا.

اليوم وفي هذه المرحلة اقصيرة جدا مقارنة مع طول المراحل المتلاحقة للتغييرات وبالاخص العقلية العامة والتوجهات والنظرات والفلسفات التي برزت نتيجة بروز عوامل انبثاقها وانتشارها وازالة ما قبلها بعد اثبات تخلف تلك العقائد والافكار البالية التي سبقتها .

العراق في هذه المرحلة يشهد تنقلا كبيرا وواضحا في عصارة الفكر العام للعقلية العامة نسبيا او بالاخرى نخبويا وهذه نتيجة طبيعية لسيطرة الطقوس الدينية بحرية وتلامسها عمليا مع العقل والفكر العام واحتكاكها المباشر مع المعيشة مما فسح المجال للعقل ان يميز بين الاصح وما جلبته العاطفة نتيجة الظروف والمحن السابقة للسبطلت الدكتاتورية المعيقة للتفكير السليم ونضج ثمرة الحرية في التامل والتنقل وتفسير لكل ما يمس بالدين او ماقبل المرحلة الدينية ومقارنة المراحل وكيفية ازاحة الموجود من المرحلة بما اوتي من جديد نتيجة العقلية الاكثر تقدما من الموجود في تلك المرحلة التي اصبحت مبتذلة.

اليوم وبشكل عام، تفكر نسبة معقولة من الشعب العراقي المتطور في امور الدين بعقلية محايدة غير متاثرة بعاطفته جراء ما اثر عليه الكبت والظلم والاستبداد سابقا، بعدما تلامس عمليا ماهو الدين وكيف وصل اليه وطقوسه وممثليه ومن يؤمن به وله اليد الطولى في فرضه، اي مقارنة مع طول تغيير المراحل التاريخية فاننا امام جانب ايجابي في التغييرات الملموسة للعقلية العراقية لنسبة معتبرة من الناس اي يمكننا القول باننا قد انتقلنا الى الخطوة الاولى لمرحلة مابعد الدين وافرزاته، وذلك نرى ردود افعال مبالغة فيها ايضا من حيث الالحاد والوقوف ضد التيار بشكل كبير وبقوة مفرطة وباساليب لا يمكن ان تكون لها تاثيرات ايجابية كبيرة على التنقل السلس والوصول الى مرحلة مابعد الدين والمذهب والطقوس الدينية البالية. ولكن احدى الايجابيات لما فرضت نفسها على العقلية العراقية هي معرفة حقيقة الدين على الارض الواقع وما يلامسه يؤثر بشكل مباشر على سلسلة افكار الفرد وعقليته وثقافته العامة وبدوره يبدا باعادة النظر في امور الحياة وما كسبه طوال هذه المرحلة وتوارثه من ابائه وهو يقارنه بشكل مباشر بعقليته الجديدة وبحرية تامة دون اي تاثير او حاجز داخل الذات نتيجة عدم اجباره باي شكل كان لفرض توجه معين يمكن ان يشكك به وهذا يصح كثيرا ان نقول بانه يمكن لمسه في الطبقة النخبوية المثقفة اكثر من غيرها. وهذه بشارة خير لكافة فئات المجتمع العراقي ومكوناته على ان تتاثر بتلك الاحتكاكات الكبيرة بين العقليات المختلفة التي برزت من اقصى اليسار الى اقصى اليمين، كي تختار هذه النخبة المفكرة ماهو الصح وكلما طالت مدة المرحلة اصبحت هذه النخبة اكبر حجما الى ان نصل الى الواقع المتغير النهائي بعد تغيير العقلية لمابعد الدين واستئصال المعوقات الاتية من الماضي غير الملائم لهذه المرحلة المتغيرة، وسوف تتلاشى او تصبح مع الحواشي بعد الانجراف الكبير للفكر والعقلي والفلسفة الجديدة وتستقر في يوم مناسب بعد ترسيخ الارضية الملائمة للنقلة النوعية للعقلية الانسانية في العراق ومن ثم المنطقة كما اعتقد. وانني على ايمان راسخ بان الموجود من العوامل المترسخة تاريخيا وحضاريا يدفع الى ان يكون في المستقبل سواء كان قريبا او بعيدا ان يكون وادي الرافدين هو الموقع او البقعة التي يمكن ان تشهد انتقالة نوعية وجذرية نحو مرحلة مابعد الدين.

 

عماد علی

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم