صحيفة المثقف

من هم الفاشيستيون؟

علجية عيشتلعب المصطلحات دورا هاما في تغليط الرأي العام ، ومن هو الذي في الصَّفِّ الأول ومن في الصَّفِّ الأخير؟، ومن في الأعلى ومن في الأسفل؟ وطالما العصر لا يحتمل اللبس، فعلى الفرد أن يختار أيُّ التيار يتبع،  لقد تحدث مولود فرعون عن "الفاشيستيون" وهي حسبه مفردة دخيلة تعود لسنة 1945، وقال ان الفاشيتيون يختلفون عن الشيوعيين، وهم الذين يخلطون الأوراق ويعكرون مزاج المرشح الأمثل في الإنتخابات  وكانوا في زمن الشدّة يتحكمون في المؤونة، وبالتالي يتمتعون بكثير من السلطة، وقد دخلوا في صراع مع الشيوعيين والليبرالين وحتى العلمانيين المعتدلين، ما يمكن قوله أن الفاشيستيين ليسوا نوفمبريين ولا يؤمنون بالقيم النوفمبرية

والفاشيستية  تيار رجعي موجودة في البنية الخطابية اللاعقلانية وتتجلى أبرز مواطن اللاعقلانية عند الفاشيستيين  في عدائهم لكل الاتجاهات الفكرية الأخرى ، بحيث يركزون  بشكل جوهري على العوامل السيكولوجية، لإذكاء الشعور بالعداء، وقد تحدث الأديب مولود فرعون عن "الفاشيستية" في كتابه  " يوميلت بلاد القبائل" وقال أن الشيوعي عدو الفاشيستي، والعكس بالعكس، كل منهما يريد أن يحطم الآخر حتى لو تسرب إلى معسكر ما ، والفاشيستي يحتل المكان الأمثل، هو إداري صديق القانون،  أتباعه ينفذون ما يأمر ويطبقون تعليماته وقراراته، يريد أن تكون له سلطة مطلقة لا حدود لها، يصف مولود فرعون الفاشيستيين بأنهم يتسمون بملابسهم الجميلة،  وبطونهم المنتفخة، ومظاهرهم المريبة، عادة ما يتجنبون الأماكن العامة ويتجنبون المناقشات، والفاشيستيون يأمرون، والشعب المستضعف ينفذ بدون سؤال أو نقاش.

فكلما اقترب موعد الإنتخابات مثلا،  كانت "الوطنية"  أسلوب خطابهم  في عملية غسل المخ،  يصدرون  قوانين لخدمة مصالحهم على حساب المواطن البسيط الذي يشقى طوال النهار في ورشات البناء ، احترق وجهه بأشعة الشمس، أو عامل النظافة الذي يتغذى على  قطعة خبز جاف وكأس مشروبات غازية، ويبيت على المعكرونة ، وغيرهم من الذين لم يجدوا لقمة يومهم وهم يتألمون من المرض، ولا يملكون تكلفة العلاج، في حين يعالج هؤلاء وأسرهم في الخارج على حساب الدولة، في حين يرى آخرون أن الفاشستية قريبة إلى حدا ما من الأصولية الجهادية، فهما يتبنيان  نوعا آخر من القيم ، كالولاء المطلق للجماعة والتضحية بالذات، حيث تذوب وتتلاشى الهوية الفردية في الجماعة، وهو ما يدفع الأفراد إلى الموت أو الانتحار من أجلها، دونما أي اعتبار آخر لغير الجماعة.

إلى الآن لم يفهم هؤلاء البؤساء (الشعب) شيئا مما يحدث في الساحة السياسية في الجزائر، بالرغم مما شهدته هذه الأخيرة (الساحة) من حراك شعبي دام سنة كاملة، لم تجنِ فيها ثورة 22 فبراير 2019 ثمارها  بالطريقة التي حلم بها الشعب الجزائري في تحقيق التغيير، لأن الإنتخابات الرئاسية التي جرت في 12 ديسمبر 2019 أجريت بطريقة أو بأخرى وكذلك الدستور الجزائري، الذي تمكنت السلطة من تمريره والمصادقة عليه من طرف نواب في البرلمان البعض منهم لا يفقهون القوانين وهم مكلفون برفع الأيدي وإسقاطها وتلقي منحة شهرية قد تعيل عشرات العائلات الفقيرة دون الحديث عن المزايا الأخرى كالحصانة البرلمانية، يقول ملاحظون أن الذين يسمونهم بـ: "العصابة" يشبهون الفاشيستيين بل هم الفاشيستيون أنفسهم، فرغم الأحكام التي صدرت في حق المتورطين في الفساد من كبار المسؤولين في الدولة الجزائرية ( وزراء ، رؤساء أحزاب ورجال أعمال)، والذين كانت الصحافة الجزائرية تكتب عنهم وتُجَمِّلُ وجوههم بماكياج السياسة، كان "الحِبْرُ "مادة التجميل التي زينت صور هؤلاء، في كل خرجاتهم الميدانية وتصريحاتهم التي كانوا يدلونها لتخذير المواطن وإسكاته بمشاريع وهمية مزيفة.

فما يردده الشارع الجزائري أن الأحكام لم تعد مهمة بالنسبة لهم، سواء حكم عليهم بثماني سنوات..عشرة.. ثمانية عشر..عشرون سنة أو حتى حكم المؤبد، لأنهم يدركون أن المتورطون في الفساد بنفوذهم قد يعودون ومن الباب الواسع إلى مناصبهم بعد إتمام مدتهم في الحبس، ثم لا أحد يعلم إن كانوا محبوسين أصلا أم هم أحرار في أماكن لا يعرفها أحد، وحتى لو كانوا محبوسين فهم بنفوذهم يختلفون عن باقي المسجونين، وقد نجدهم يعيشون في رفاهية ولا ينقصهم شيئ، لأنهم تحت حماية قانون حقوق الإنسان، فكثير من السجون تشبه الفنادق، وقد يتم استدعاءهم من جديد لتنفيذ برامجها تحت غطاء غياب "الرأسمال البشري"، خاصة بالنسبة لرجال الأعمال الذين يملكون الأموال المكدسة داخل وخارج الجزائر  والعقارات  الغير مسجلة بأسمائهم، من الصعوبة بمكان استرجاعها، وبعيدا عن كل هذه الحسابات، فالمواطن الجزائري فقد "الثقة"  في مسؤوليه ولم يعد يؤمن بما تفرده السلطة من قرارات.

إلى حد الآن لا يزال الشعب الجزائر تحت وقع الصدمة، لمسؤولين ارتبطوا بالعصابة كانوا يبدون في قمة الرّزانة ، لا يبدوا عليهم أثر الإجرام، والحديث هنا بالذات عن الوزراء الذين كانوا يمثلون الأحزاب السياسية، ورؤساء الأحزاب الذين تورطوا في الفساد هل سيعودون؟ وتعود الأمور إلى مجراها الطبيعي، طالما القاعدة النضالية ليس لها "صوت" لأنها (و بدون تعميم) لا تملك صلاحية اتخاذ القرار ومحاسبة هؤلاء، لأن مصالحها مرتبطة بهم من أجل الترشح في كل موعد انتخابي، وكم من مُعَارِضٍ لزم الصمت، لأنه استدعي لمنصب حساس في السلطة، ولم يعد للحركات التقويمية أو التصحيحية التي تحركت في مرحلة ما،  داخل الأحزاب  دورٌ يُجْدِي، لأن أيادي خفية تحرك الأمور داخل السلطة ، كما أن أتباع هذه العصابة ما زالوا على أمل أن يعود أسيادهم إلى الواجهة من جديد، فكل شيئ ممكن في الجزائر التي يعيش تحت سمائها محسوبون على التيار "الديغولي"، أو "الطابور الخامس" أو "القوة الثالثة" ، أو "الفاشيستيين" وهي مصطلحات تخدم معنى واحدا، وربما هناك أسماء أخرى لهم.

الكلّ طبعا يتحمل المسؤولية، لأنهم لزموا الصمت طيلة عشرين سنة أو أكثر، حتى "الصحافة " هي مسؤولة عمّا كانت تُرَوِّجُ للفاسدين وتبيض وجوههم أمام الرأي العام، ونقصد هنا كبار الأقلام التي تعمل لصالح جهة معينة، وقد يقودنا الحديث عن "المثقف" وبالخصوص المثقف المستلب، الذي يعيش في دلئرة مغلقة، في نظام وفي شبطةفكرية قيمية شاملة، تطرح منهجيتها كل الأسئلة عن كل ما كان أو طرأ ، وكما يقول أحد المحللين " المثقف المُغرَّبْ ( المتأثر بالفكر الغربي)، ليبرالي التوجه، تقدمي، ماديٌّ لا يعرف لله وجود، ولا لنفسه معنى، لا يريد أن يعرف، هذا هو المظهر الثقافي المعلون عنه، أما المكبوت فهو المكابرة، العناد والإصرار على رأي واحد حتى لو كان خاطئا لأنه تعاطاه مع شركائه في الحزب والمؤتمر وفي الإدارة.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم