صحيفة المثقف

الكاظمي.. بعد المئة يوم (1).. تقويم أداء

قاسم حسين صالحتولى السيد مصطفى الكاظمي (53 سنة) رئاسة مجلس الوزراء في (7 /5 / 2020)، وكان للعراقيين موقفان: الأول يرى انه لا يختلف عن سابقيه وانه جاء بموافقة احزاب السلطة المتهمة بالفساد، والثاني يرى ان الرجل مستقل وينبغي ان نعطيه فرصة.. وكنا دعونا حينها الى منحه مئة يوما لنحكم بعدها له او عليه.. وها قد انقضت وحان تقويم الأداء.

تــذكيــر

في بداية تكليفه، واجه الكاظمي وضعا معقّدا سياسيا، امنيا، اقتصاديا، صحيا، مجتمعيا..  ما واجهه احد من قبله، فهو استلم خزينة خاوية من سلفه عادل عبد المهدي، والعراق مدين للبنك الدولي، وتصاعد الأصابات والوفيات في الموجة الثانية لفايروس كورونا وتهديد النظام الصحي، وتضاعف نسب البطالة والفقر، وتهديد امني يطال المنطقة الخضراء، وتعدد المليشيات وعدم قدرة الدولة بالسيطرة على السلاح، وعودة متظاهري انتفاضة تشرين، و(دكات!)عشائرية في البصرة وميسان وبغداد.. وخطر يتهدد حياته من القوى الشيعية السبعة التي رشحته!.

ومع ذلك اختار ان يبدأ بأخطرها واكثرها الحاحا جماهيريا.. الفساد.. مدركا بأنه سيكون امام خيارين:اما ان ينتصر بمعركته على الفاسدين ويكون المنقذ والمخّلص والبطل الذي سيدخل التاريخ السياسي للعراق الذي خلا من الابطال القادة من سنين، واما ان يكون (الشهيد الحي).

وكان هذا التصور هو الذي شاع عنه بين اغلب العراقيين لغاية اجتماعه بالسيد المالكي. فقد اصيب الكثيرين بالأحباط واعادهم لسيكولجيا توالي الخيبات، واعيد ليكون بنظرهؤلاء كالسيد العبادي الذي وعد بضرب الفاسدين بيد من حديد وما ضرب، لأنه(العبادي) ادرك ان المسؤولين الكبار باجهزة الدولة وقيادات الكتل السياسية متورطة كلها بالفساد، مبررا خذلانه بخطابه بجامعة بغداد (27/11/2017) بأن (الفساد مافيا، يملكون المال، فضائيات، قدرات، يستطيعون ان يثبتوا انهم الحريصون على المجتمع، وهم الذين يحاربون الفساد، ولكنهم آباء الفساد وزعماء الفساد).

وكنّا افترضنا وقتها ان الكاظمي اراد من لقائه بالمالكي.. تحييد مصدر شر، لأن كليهما، بنظر الشارع، يخشى الآخر. فالمالكي يخشى الكاظمي ان يبدأ بمحاسبة الفاسدين وفق قانون (من اين لك هذا) وعندها سيكون اول من يستدعى بوصفه رئيس وزراء لثمان سنوات هادن فيها الفاسدين باعتراف صريح (لديّ ملفات للفاسدين لو كشفتها لأنقلب عاليها سافلها). والكاظمي يخشى المالكي لقوته السياسية وتغلغل اعضاء حزبه (الدعوة) في مؤسسات الدولة.. وقد يكون كلاهما يستخدمان، وما يزالان، (سيكولوجيا الكيد) حيث يمتلك المالكي خبرة سياسية اعمق فيما يمتلك الكاظمى خبرة مخابراتية اخطر.

القرارات.. تحدد نوعية الحاكم

يتحدد تقويم أداء أي حاكم بالقرارات التي يتخذها، هل يبدأ بالقرارات الأصعب نزولا الى الأسهل، ام يبدأ بالاسهل صعودا الى الأصعب، أم بالاسهل والتوقف عن تنفيذ الاصعب؟.

ان القائد الذي يعتمد الآلية الأولى يتمتع بشخصية الواثق من نفسه ان اعتمد على جمهور واسع يمثل المجتمع لا على المغامرة، فيما تمتاز شخصية الذي يعتمد الثانية بالحكمة والتأني والعقلانية، وبعكسهما.. تتصف شخصية من يعتمد الثالثة بالتردد.

وما حصل، ان الكاظمي اعتمد الآلية الثانية التي اعتمدها العبادي في اتخاذه القرارات (البدء بالقرارات الاسهل صعودا الى القرارات الأصعب)، لكنه اختلف عنه بأنه لم يتوقف عن تنفيذ الاصعب التي توقف عندها العبادي، اذ بدأ بأصدار قرار يقضي بايقاف ازدواج الرواتب، تبعه في (25 حزيران 2020) اعلانه بأن الأيام القادمة ستشهد حملة تغييرات في المناصب المتقدمة في الدولة، وتجريد الأحزاب من المناصب التي حصلت عليها خلافا للقانون. ولأن الحدثين خطيرين فقد تساءلنا ليلتها في منشور بعنوان (الأنقلاب الأبيض هل سيحصل؟)، لتفيد فضائيات باقتحام مسلحي ميليشات حزب الله المنطقة الخضراء، وتجاوزت عليه اعتباريا دون رد حاسم منه. وانتهينا الى ان العبادي كان في قراراته (هاوي بس ما ناوي). وتمنينا على الكاظمي ان يكون (هاوي وناوي). صحيح ان لا رهان على السياسة في العراق لأنها بلا مباديء، بلا اخلاق.. لكن الكاظمي ما كان مضطرا لأن يبدا بالأصلاح ويعد بالقضاء على الفساد ويقدم على اتخاذ اجراءات تهدد حياته. ولأنه كان قد اعلن عن بدء المواجهة مع قوى تمتلك المال والسلاح ومع (الدولة العميقة) فانه ترتب عليه ان يكمل المشوار، لأن التردد في القرارات او الأحجام عن تنفيذ القرارات الأصعب ستؤدي به الى ان يخسر الشعب(كتلته)، وستنتقم منه قوى الفساد وتجعله انموذجا لمن تسول له نفسه التحرش بها.

الحلقة القادمة.. تقويم أداء الكاظمي في شهره الثالث.. ورأينا.

*

أ. د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

أمين عام تجمع عقول

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم